الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            خروجه - صلى الله عليه وسلم - من المدينة قاصدا مكة

            قال محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الأربعاء بعد العصر لعشر خلون من رمضان ، ونادى مناديه : «من أحب أن يصوم فليصم ، ومن أحب أن يفطر فليفطر” وصام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما حل عقدة حتى انتهى إلى الصلصل ، وخرج في المهاجرين والأنصار ، وطوائف من العرب ، وقادوا الخيل ، وامتطوا الإبل ، وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمامه الزبير بن العوام في مائتين من المسلمين ،

            ولما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيداء قال فيما رواه محمد بن عمر عن أبي سعيد الخدري : «إني لأرى السحاب يستهل بنصر بني كعب” .

            ولما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العرج وهو صائم ، صب الماء على رأسه ووجهه من العطش - كما رواه الإمام مالك ، ومحمد بن عمر عن رجل من الصحابة - وروى الحاكم في الإكليل بسند صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعرج يصب الماء على رأسه من الحر وهو صائم” ، ولما سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العرج - وكان فيما بين العرج والطلوب - نظر إلى كلبة تهر عن أولادها ، وهن حولها يرضعنها ، فأمر جميل بن سراقة - رضي الله عنه - أن يقوم حذاءها ، لا يعرض لها أحد من الجيش ، ولا لأولادها .

            وقدم - صلى الله عليه وسلم - بمائة جريدة تكون أمام المسلمين ، فلما كانوا بين العرج والطلوب أتوا بعين من هوازن ، فاستخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أن هوازن تجمع له

            فقال : «حسبنا الله ونعم الوكيل”

            فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد أن يحبسه لئلا يذهب فيحذر الناس ، ولما بلغ قديدا لقيته سليم هناك ، فعقد الألوية والرايات ، ودفعها إلى القبائل .

            وروى محمد بن عمر عن يزيد بن أسلم ، وأبي الحويرث - رحمهما الله تعالى - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انتهى إلى قديد قيل له : يا رسول الله هل لك في بيض النساء ، وأدم الإبل ؟ بني مدلج ، فقال : - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله عز وجل حرمهن علي بصلة الرحم” . وفي لفظ «ببر الوالد ، ووكزهم في لبات الإبل .

            [ هجرة العباس ]

            وقدم العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما قال ابن هشام : لقيه بالجحفة مهاجرا بعياله ، وقد كان قبل ذلك مقيما بمكة على سقايته ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عنه راض ، فيما ذكر ابن شهاب الزهري .

            وقال له : أنت آخر المهاجرين ، وأنا آخر الأنبياء [ إسلام أبي سفيان بن الحارث وعبد الله بن أمية ]

            قال ابن إسحاق : وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا بنيق العقاب ، فيما بين مكة والمدينة ، فالتمسا الدخول عليه ، فكلمته أم سلمة فيهما ، فقالت : يا رسول الله ، ابن عمك وابن عمتك وصهرك ، قال : لا حاجة لي بهما ، أما ابن عمي فهتك عرضي ، وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال في بمكة ما قال . قال : فلما خرج الخبر إليهما بذلك ، ومع أبي سفيان بني له . فقال : والله ليأذنن لي أو لآخذن بيدي بني هذا ، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا ، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما ، ثم أذن لهما ، فدخلا عليه ، فأسلما . وقيل : إن عليا قال لأبي سفيان بن الحارث : ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل وجهه ، فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف : تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه فعلا ولا قولا ، ففعل ذلك . فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ، وقربهما ، فأسلما ، [ شعر أبي سفيان في الاعتذار عما كان فيه قبل إسلامه ]

            وأنشد أبو سفيان بن الحارث قوله في إسلامه ، واعتذر إليه عما كان مضى منه ، فقال :


            لعمرك إني يوم أحمل راية لتغلب خيل اللات خيل محمد     لكالمدلج الحيران أظلم ليله
            فهذا أواني حين أهدى وأهتدي     هداني هاد غير نفسي ونالني
            مع الله من طردت كل مطرد     أصد وأنأى جاهدا عن محمد
            وأدعى ( وإن لم أنتسب ) من محمد     هم ما هم من لم يقل بهواهم
            وإن كان ذا رأي يلم ويفند     أريد لأرضيهم ولست بلائط
            مع القوم ما لم أهد في كل مقعد     فقل لثقيف لا أريد قتالها
            ‏‏‏وقل لثقيف تلك : غيري أوعدي     فما كنت في الجيش الذي نال عامرا
            وما كان عن جرا لساني ولا يدي     قبائل جاءت من بلاد بعيدة
            نزائع جاءت من سهام وسردد



            قال ابن هشام : ويروى


            ودلني على الحق من طردت كل مطرد



            . قال ابن إسحاق : فزعموا أنه حين أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله :


            ونالني مع الله من طردت كل مطرد



            ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره ، وقال : أنت طردتني كل مطرد وقيل : إن أبا سفيان لم يرفع رأسه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حياء منه . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحبه ، وشهد له بالجنة وقال : " أرجو أن يكون خلفا من حمزة " ، ولما حضرته الوفاة ، قال : "لا تبكوا علي ، فوالله ما نطقت بخطيئة منذ أسلمت "

            التالي السابق


            الخدمات العلمية