الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ ما كان بين قريش وبني جذيمة من استعداد للحرب ثم صلح ]

            وكان الفاكه بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وعوف بن عبد مناف بن عبد الحارث بن زهرة ، وعفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس قد خرجوا تجارا إلى اليمن ، ومع عفان ابنه عثمان ، ومع عوف ابنه عبد الرحمن ، فلما أقبلوا حملوا مال رجل من بني جذيمة بن عامر ، كان هلك باليمن ، إلى ورثته ، فادعاه رجل منهم يقال له خالد بن هشام ، ولقيهم بأرض بني جذيمة قبل أن يصلوا إلى أهل الميت ، فأبوا عليه ، فقاتلهم بمن معه من قومه على المال ليأخذوه وقاتلوه ، فقتل عوف بن عبد عوف ، والفاكه بن المغيرة ، ونجا عفان بن أبي العاص وابنه عثمان ، وأصابوا مال الفاكه بن المغيرة ، ومال عوف بن عبد عوف ، فانطلقوا به ، وقتل عبد الرحمن بن عوف خالد بن هشام قاتل أبيه ، فهمت قريش بغزو بني جذيمة ، فقالت بنو جذيمة : ما كان مصاب أصحابكم عن ملإ منا ، إنما عدا عليهم قوم بجهالة ، فأصابوهم ولم نعلم ، فنحن نعقل لكم ما كان لكم قبلنا من دم أو مال ، فقبلت قريش ذلك ، ووضعوا الحرب . يعني فلهذا قال خالد لعبد الرحمن : إنما ثأرت بأبيك . يعني حين قتلته بنو جذيمة ، فأجابه بأنه قد أخذ ثأره وقتل قاتله ، ورد عليه بأنه إنما ثأر بعمه الفاكه بن المغيرة حين قتلوه وأخذوا أمواله ، والمظنون بكل منهما أنه لم يقصد شيئا من ذلك ، وإنما يقال هذا في وقت المخاصمة ، فإنما أراد خالد بن الوليد نصرة الإسلام وأهله ، وإن كان قد أخطأ في أمر ، واعتقد أنهم ينتقصون الإسلام بقولهم : صبأنا صبأنا . ولم يفهم عنهم أنهم أسلموا ، فقتل طائفة كثيرة منهم وأسر بقيتهم ، وقتل أكثر الأسرى أيضا ، ومع هذا لم يعزله رسول الله صلى الله عليه وسلم بل استمر به أميرا ، وإن كان قد تبرأ منه في صنيعه ذلك ، وودى ما كان جناه خطأ في دم أو مال ، ففيه دليل لأحد القولين بين العلماء في أن خطأ الإمام يكون في بيت المال لا في ماله . والله أعلم . ولهذا لم يعزله الصديق حين قتل مالك بن نويرة أيام الردة ، وتأول عليه ما تأول حين ضرب عنقه واصطفى امرأته أم تميم ، فقال له عمر بن الخطاب : اعزله ، فإن في سيفه رهقا . فقال الصديق : لا أغمد سيفا سله الله على المشركين .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية