غزوة حنين:
كانت غزوة حنين وتسمى هوازن أيضا في شوال من السنة الثامنة من الهجرة، حيث فتح الله تعالى على نبيه مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا، رأت هوازن وثقيف أنه ليس شيء دونهما يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوهما، فسعى أشرافهما إلى بعضهم البعض وعزموا على المسير إلى النبي صلى الله عليه وسلم وغزوه.
فأجمعت هوازن أمرها وقام مالك بن عوف النصري ومعه ثقيف كلها والعديد من قبائل العرب ممن لم يسلموا بعد، خرجوا بنسائهم وذراريهم وأموالهم حتى خرجوا معهم الشاة والغنم، وخرج معهم دريد بن الصمة وهو شيخ مجرب خرج مشيرا عليهم، وكان قد انتقد خروجهم بنسائهم وذراريهم وأموالهم، فلم يطيعوه.
وكان قد نما إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما عزمت عليه هوازن فأرسل عبد الله بن أبي حدرد يأتيه بخبر القوم فدخل فيهم وجاء مؤكدا ما عزموا عليه، فأجمع النبي صلى الله عليه وسلم المسير واستعمل على مكة عتاب بن أسيد أميرا عليها ومعاذا معلما لأهلها، وخرج معه المهاجرون والأنصار ومسلمة الفتح فكان عدد جيشه صلى الله عليه وسلم اثنا عشر ألفا، وقيل: أكثر من ذلك، فقال رجل: لن نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان قد ذكر له صلى الله عليه وسلم أن عند صفوان أدرعا وسلاحا وهو يومئذ مشرك فطلب النبي صلى الله عليه وسلم منه أن يعيره إياه فقال أغصبا يا محمد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا بل عارية مضمونة حتى نردها إليك"
خرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه الجيش وفي هذه الأثناء سأله بعض من كان حديث عهد بجاهلية أن اجعل لنا ذات أنواط كما للمشركين ذات أنواط وهي شجرة كان المشركون يذبحون عندها ويعكفون عليها فقال صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، قلتم - والذي نفسي بيده ، كما قال قوم موسى لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون [الأعراف 138] إنها لسنن ، لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة"
فخرج صلى الله عليه وسلم والجيش مستقبلين وادي حنين وله مضايق وشعاب وخطوط وقد ينحدرون فيه انحدارا في عماية الصبح، وكان قد سبق إليه المشركون وقد كمنوا في شعابه ومضايقه وكانوا رماة، فما شعروا إلا والكتائب قد خرجت إليهم يحملون عليهم حملة رجل واحد فانهزمت مقدمة الجيش وولت وكان أغلبهم من مسلمة الفتح وتبعهم الناس منهزمين، وفي هذه الأثناء أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ذات اليمين، وهو يدعو المنهزمين إليه، فما انتبهوا وهو على بغلته الشهباء والعباس آخذ بلجامها وأبو سفيان بركابها والنبي صلى الله عليه وسلم يركض بها قبل الكفار لا يألوا ما أسرع نحو المشركين وهو يقول صلى الله عليه وسلم: "أنا النبي لا كذب"
وأمر العباس وكان رجلا صيتا أن ينادي يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة يا أصحاب سورة البقرة، فجعل الصحابة يعطفون راجعين إلى النبي صلى الله عليه وسلم قائلين يا لبيك يا لبيك فشدوا على القوم وصبروا لهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا حين حمي الوطيس" ثم أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، فما بقي رجل من المشركين إلا امتلأت عيناه وفمه من التراب، فما زال حدهم كليل وأمرهم مدبر فما رجع بقية المنهزمين إلا والأسارى قد كتفوا وقد انهزم من القوم من انهزم وقتل من قتل.
وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم نهيك بن أوس الأشهلي بشيرا بما فتح الله عليه إلى المدينة.
وقد أخبر الله تعالى عن حالهم في هذه الغزوة فقال سبحانه: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين [التوبة: 25، 26].
تقسيم الغنائم وما وقع فيها من تأليف القلوب
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يؤدي كل إنسان ما غنم وقد ساق الأسارى والسبايا وجميع الغنائم وحبست الجعرانة، حتى ينتهي من الطائف يستبطئ بها عسى أن تأتيه هوازن وثقيف مسلمين، فما جاءوا إلا وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم، وقد جاء وافدهم مسلما يسأله أن يعيد إليهم ما أخذ منهم فخيرهم بين المال والذراري فاختاروا الذرية فقال: "أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ، فإذا أنا صليت بالناس فقولوا : إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين ، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا ، فسأعطيكم وأسأل فيكم . فلما صلى الظهر فعلوا ما أمرهم به ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم"
وتتابع الناس يجعلون ما لهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعض الصحابة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان عنده منهن شيء فطابت نفسه أن يرده فسبيل ذلك، ومن أمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء يفيئه الله فرد المسلمون إلى الناس نساءهم وأبناءهم
وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم العديد من مسلمة الفتح والمشركين ممن يرجى إسلامه عطاء من لا يخشى الفقر حتى وجد بعض شبان الأنصار في أنفسهم، فجمعهم النبي صلى الله عليه وسلم ورضاهم بما يطيب نفوسهم بذهاب الناس بالشاة والبعير ورجوعهم برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ديارهم وقد دعا لهم ولذريتهم من بعدهم.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة: "من قتل كافرا فله سلبه" ، ونهى عن قتل النساء والذرية والعسيف، وفيها ضحك صلى الله عليه وسلم من أم سليم حينما اتخذت خنجرا لقتل من يقترب منها من المشركين، وظهر فيها ثبات أم عمارة بنت كعب.
وفي هذه الغزوة قاتلت الملائكة مع المسلمين وقد رآهم غير واحد من المشركين، ودب الرعب في قلوبهم وكانوا يسمعون من الصوت ما يرعب ويخفق قلوبهم.
وقد استشهد في هذه الغزوة عدد من الصحابة منهم أبو عامر الأشعري، وأيمن بن عبيد الله وابن أم أيمن وغيرهم. وقد قتل الله تعالى من المشركين قرابة السبعين وقتل فيها دريد بن الصمة قتله ربيعة بن رفيع.
ما وقع من الآيات في هذه الغزوة
حفظ الله تعالى له ممن أراد الفتك بل دخولهم الإسلام منهم: شيبة بن عثمان والنضير بن الحارث، وفيها حصول البركة في ماء حنين بوضع يده صلى الله عليه وسلم، وبرء جرح عائذ بن عمرو رضي الله عنه، وعيادته صلى الله عليه وسلم خالدا وتفله على جرحه فبرأ بإذن الله تعالى.