الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            عن العباس عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، قال العباس : شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم : يوم حنين ، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نفارقه ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له شهباء ، قال عبد الرزاق : وربما قال معمر : بيضاء ، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي ، قال فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين ، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار ، وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية : أكفها أن لا تسرع ، وهو لا يألو ما أسرع نحو المشركين ، وأبو سفيان بن الحارث آخذ ، بركاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

            وفي رواية بغرزه ، وفي رواية بثغره ، فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي سفيان بن الحارث وهو مقنع في الحديد ، فقال : «من هذا” فقال : ابن عمك يا رسول الله ، وفي حديث البراء : وأبو سفيان ابن عمه يقود به ، قال ابن عقبة - رحمه الله تعالى : وقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الركابين ، وهو على البغلة ، فرفع يديه إلى الله - تعالى - يدعو يقول : «اللهم إني أنشدك ما وعدتني . . اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا”


            انتهى .

            قال العباس : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : «يا عباس!! ناديا معشر الأنصار ، يا أصحاب السمرة ، يا أصحاب سورة البقرة” .

            قال العباس - وكنت رجلا صيتا - فقلت بأعلى صوتي : أين الأنصار ، أين أصحاب السمرة ، أين أصحاب سورة البقرة ، قال : والله لكأنما عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها .
            وفي حديث عثمان بن شيبة عند أبي القاسم البغوي ، والبيهقي «يا عباس ، اصرخ بالمهاجرين الذين بايعوا تحت الشجرة ، وبالأنصار الذين آووا ونصروا”

            قال : فما شبهت عطفة الأنصار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا عطفة الإبل على أولادها . حتى ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنه في حرجة ، فلرماح الأنصار كانت أخوف عندي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رماح الكفار - انتهى . فقالوا : يا لبيك يا لبيك يا لبيك . قال : فيذهب الرجل يثني بعيره ولا يقدر على ذلك ، أي لكثرة الأعراب المنهزمين - كما ذكره أبو عمر بن عبد البر - فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره ، فيخلي سبيله ، فيؤم الصوت حتى ينتهي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا اجتمع منهم مائة ، استقبلوا الناس فاقتتلوهم والكفار ، والدعوة في الأنصار يا معشر الأنصار ، ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج ، وكانوا صبرا عند الحرب ، وأشرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ركابيه ، فنظر إلى مجتلدهم وهم يجتلدون وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم ،

            فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «هذا حين حمي الوطيس ، ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ، ثم قال : «انهزموا ورب محمد”

            فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى ، فو الله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا ، فو الله ما رجع الناس إلا وأسارى عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكتفون ، قتل الله تعالى - منهم من قتل ، وانهزم منهم من انهزم وأفاء الله تعالى على رسوله أموالهم ونساءهم وأبناءهم
            . وقال يعلى بن عطاء : وأخبرنا أبناؤهم عن آبائهم -المشركين- أنهم قالوا : ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه من التراب ، وسمعنا صلصلة من السماء كمر الحديد على الطست، فهزمهم الله تعالى.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية