الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ اعتمار الرسول واستخلافه ابن أسيد على مكة ]

            قال ابن إسحاق : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمرا ، وأمر ببقايا الفيء فحبس بمجنة ، بناحية مر الظهران وقال الإمام أحمد : ثنا روح ثنا ابن جريج أخبرني مزاحم بن أبي مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله عن مخرش الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلا حين أمسى معتمرا ، فدخل مكة ليلا يقضي عمرته ، ثم خرج من تحت ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت ، حتى إذا زالت الشمس خرج من الجعرانة في بطن سرف ، حتى جامع الطريق طريق المدينة بسرف . قال مخرش : فلذلك خفيت عمرته على كثير من الناس فهو صلى الله عليه وسلم أحرم من الجعرانة بعمرة ، وكان داخلا إلى مكة ، وهذه هي السنة لمن دخلها من طريق الطائف وما يليه ، وأما ما يفعله كثير ممن لا علم عندهم من الخروج من مكة إلى الجعرانة ليحرم منها بعمرة ، ثم يرجع إليها ، فهذا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أحد من أصحابه البتة ، ولا استحبه أحد من أهل العلم ، وإنما يفعله عوام الناس ، زعموا أنه اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وغلطوا ، فإنه إنما أحرم منها داخلا إلى مكة ، ولم يخرج منها إلى الجعرانة ليحرم منها ، فهذا لون ، وسنته لون ، وبالله التوفيق . وقال أبو داود : ثنا موسى أبو سلمة ثنا حماد عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباسأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة ، فرملوا بالبيت ثلاثا ومشوا أربعا ، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ، ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى . وقال الإمام أحمد : ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج حدثني حسن بن مسلم عن طاوس أن ابن عباس أخبره أن معاوية أخبره قال : قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص أو قال : رأيته يقصر عنه بمشقص عند المروة . وقد أخرجاه في " الصحيحين " من حديث ابن جريج به . وقال البخاري : ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا إسماعيل ثنا ابن جريج أخبرني عطاء بن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره أن يعلى كان يقول : ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه . قال : فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وعليه ثوب قد أظل به ، معه فيه ناس من أصحابه ، إذ جاءه أعرابي عليه جبة متضمخ بطيب ، فقال : يا رسول الله ، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعد ما تضمخ بالطيب؟ فأشار عمر بن الخطاب إلى يعلى بيده أن تعال ، فجاء يعلى فأدخل رأسه ، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم محمر الوجه يغط كذلك ساعة ، ثم سري عنه ، فقال : " أين الذي يسألني عن العمرة آنفا؟ فالتمس الرجل فأتي به ، قال : " أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات ، وأما الجبة فانزعها ، ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك " . فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرته انصرف راجعا إلى المدينة واستخلف عتاب - بالمهملة وتشديد الفوقية وبالموحدة - ابن أسيد بالدال - كأمير - على مكة - وكان عمره حينئذ نيفا وعشرين سنة - وخلف معه معاذ بن جبل - زاد محمد بن عمر والحاكم : وأبا موسى الأشعري - رضي الله عنهم يعلمان الناس القرآن

            والفقه في الدين ، وذكر عروة بن عقبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلف عتابا ومعاذا بمكة قبل خروجه إلى هوازن ، ثم خلفهما حين رجع إلى المدينة .

            قال ابن هشام : وبلغني عن زيد بن أسلم - رحمه الله تعالى - أنه قال : لما استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتابا على مكة رزقه كل يوم درهما ، فقام فخطب الناس فقال : "أيها الناس ، أجاع الله كبد من جاع على درهم ! ! فقد رزقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - درهما كل يوم ، فليست لي حاجة إلى أحد" .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية