الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة خرج الناس لتلقيه ، وخرج النساء والصبيان والولائد يقلن

            طلع البدر علينا من ثنيات الوداع     وجب الشكر علينا
            ما دعا لله داعي

            وبعض الرواة يهم في هذا ويقول : إنما كان ذلك عند مقدمه إلى المدينة من مكة ، وهو وهم ظاهر ; لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام لا يراها القادم من مكة إلى المدينة ، ولا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام ، فلما أشرف على المدينة قال : ( هذه طابة ، وهذا أحد جبل يحبنا ونحبه ) وجاء في ذكر ما كان من الحوادث بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة منصرفه من تبوك .

            أخرج الحافظ البيهقي : بسنده عن حميد بن منهب قال : سمعت جدي خريم بن أوس بن حارثة بن لام يقول : هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من تبوك ، فسمعت العباس بن عبد المطلب يقول : يا رسول الله ، إني أريد أن أمتدحك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل لا يفضض الله فاك . فقال :


            من قبلها طبت في الظلال وفي     مستودع حيث يخصف الورق
            ثم هبطت البلاد لا بشر     أنت ولا مضغة ولا علق
            بل نطفة تركب السفين وقد     ألجم نسرا وأهله الغرق
            تنقل من صالب إلى رحم     إذا مضى عالم بدا طبق
            حتى احتوى بيتك المهيمن من     خندف علياء تحتها النطق
            وأنت لما ولدت أشرقت الأر     ض وضاءت بنورك الأفق
            فنحن في ذلك الضياء وفي     النور وسبل الرشاد نخترق



            ورواه البيهقي من طريق أخرى ، عن أبي السكين زكريا بن يحيى الطائي وهو في جزء له مروي عنه . قال البيهقي : وزاد : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذه الحيرة البيضاء رفعت لي ، وهذه الشيماء بنت بقيلة الأزدية على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود " . فقلت يا رسول الله ، إن نحن دخلنا الحيرة فوجدتها كما تصف فهي لي ؟ قال : " هي لك " .

            فائدة في إنشاد الشعر للقادم فرحا به قال ابن القيم رحمه الله تعالى: جواز إنشاد الشعر للقادم فرحا وسرورا به ، ما لم يكن معه محرم من لهو كمزمار وشبابة وعود ، ولم يكن غناء يتضمن رقية الفواحش وما حرم الله ، فهذا لا يحرمه أحد ، وتعلق أرباب السماع الفسقي به ، كتعلق من يستحل شرب الخمر المسكر قياسا على أكل العنب وشرب العصير الذي لا يسكر ، ونحو هذا من القياسات التي تشبه قياس الذين قالوا : ( إنما البيع مثل الربا )

            ومنها : استماع النبي صلى الله عليه وسلم مدح المادحين له وترك الإنكار عليهم ، ولا يصح قياس غيره عليه في هذا ; لما بين المادحين والممدوحين من الفروق ، وقد قال : ( احثوا في وجوه المداحين التراب )

            التالي السابق


            الخدمات العلمية