الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قصة مسجد الضرار .

            قال الله تعالى : والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم ( التوبة : 107 - 110 ). وذكر ابن إسحاق كيفية بناء هذا المسجد الظالم أهله ، وكيفية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخرابه مرجعه من تبوك قبل دخوله المدينة . ومضمون ذلك ; أن طائفة من المنافقين بنوا صورة مسجد قريبا من مسجد قباء وأرادوا أن يصلي لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ; حتى يروج لهم ما أرادوه من الفساد والكفر والعناد ، فعصم الله رسوله صلى الله عليه وسلم من الصلاة فيه ، وذلك أنه كان على جناح سفر إلى تبوك ، فلما رجع منها فنزل بذي أوان - مكان بينه وبين المدينة ساعة - نزل عليه الوحي في شأن هذا المسجد ، وهو قوله تعالى : والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل الآية . أما قوله : ( ضرارا ) فلأنهم أرادوا مضاهاة مسجد قباء ، ( وكفرا ) بالله لا للإيمان به ، ( وتفريقا ) للجماعة عن مسجد قباء وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وهو أبو عامر الراهب الفاسق ، قبحه الله ، وذلك أنه لما دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأبى عليه ، ذهب إلى أهل مكة فاستنفرهم فجاءوا عام أحد فكان من أمرهم ما قدمناه ، فلما لم ينهض أمره ذهب إلى ملك الروم قيصر ; ليستنصره على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو عامر على دين هرقل ممن تنصر معهم من العرب ، وكان يكتب إلى إخوانه الذين نافقوا يعدهم ويمنيهم ، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ، فكانت مكاتباته ورسله تفد إليهم كل حين ، فبنوا هذا المسجد في الصورة الظاهرة ، وباطنه دار حرب ومقر لمن يفد من عند أبي عامر الراهب ومجمع لمن هو على طريقتهم من المنافقين ، ولهذا قال تعالى : وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل . ثم قال : ( وليحلفن ) . أي الذين بنوه إن أردنا إلا الحسنى أي إنما أردنا ببنائه الخير . قال الله تعالى : والله يشهد إنهم لكاذبون . ثم قال الله تعالى لرسوله : لا تقم فيه أبدا فنهاه عن القيام فيه لئلا يقرر أمره ، ثم أمره وحثه على القيام في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ، وهو مسجد قباء لما دل عليه السياق ، والأحاديث الواردة في الثناء على تطهير أهله مشيرة إليه ، وما ثبت في " صحيح مسلم " من أنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينافي ما تقدم ; لأنه إذا كان مسجد قباء أسس على التقوى من أول يوم فمسجد الرسول أولى بذلك وأحرى ، وأثبت في الفضل منه وأقوى.

            والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بذي أوان دعا مالك بن الدخشم ومعن بن عدي - أو أخاه عاصم بن عدي - رضي الله عنهما ، فأمرهما أن يذهبا إلى هذا المسجد الظالم أهله فيحرقاه بالنار ، فذهبا فحرقاه بالنار ، وتفرق عنه أهله .

            قال ابن إسحاق : وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا وهم خذام بن خالد - وفي جنب داره كان بناء هذا المسجد - وثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير وأبو حبيبة بن الأزعر وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف وجارية بن عامر وابناه مجمع وزيد ونبتل بن الحارث وبحزج وهو إلى بني ضبيعة ، وبجاد بن عثمان وهو من بني ضبيعة ، ووديعة بن ثابت وهو إلى بني أمية . فائدة في هدم وتحريق أمكنة المعصية والشرك فصل

            ومنها : تحريق أمكنة المعصية التي يعصى الله ورسوله فيها وهدمها ، كما حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار وأمر بهدمه ، وهو مسجد يصلى فيه ويذكر اسم الله فيه ; لما كان بناؤه ضرارا وتفريقا بين المؤمنين ومأوى للمنافقين ، وكل مكان هذا شأنه فواجب على الإمام تعطيله ، إما بهدم وتحريق ، وإما بتغيير صورته وإخراجه عما وضع له ، وإذا كان هذا شأن مسجد الضرار فمشاهد الشرك التي تدعو سدنتها إلى اتخاذ من فيها أندادا من دون الله أحق بالهدم وأوجب ، وكذلك محال المعاصي والفسوق كالحانات وبيوت الخمارين وأرباب المنكرات

            وقد حرق عمر بن الخطاب قرية بكمالها يباع فيها الخمر ، وحرق حانوت رويشد الثقفي وسماه فويسقا ، وحرق قصر سعد عليه لما احتجب فيه عن الرعية . وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت تاركي حضور الجماعة والجمعة ، وإنما منعه من فيها من النساء والذرية الذين لا تجب عليهم كما أخبر هو عن ذلك

            ومنها : أن الوقف لا يصح على غير بر ولا قربة ، كما لم يصح وقف هذا المسجد ، وعلى هذا : فيهدم المسجد إذا بني على قبر ، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد ، نص على ذلك الإمام أحمد وغيره ، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر ، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه ، وكان الحكم للسابق ، فلو وضعا معا لم يجز ، ولا يصح هذا الوقف ، ولا يجوز ، ولا تصح الصلاة في هذا المسجد ; لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعنه من اتخذ القبر مسجدا أو أوقد عليه سراجا ، فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه ، وغربته بين الناس كما ترى [ مساجد الرسول فيما بين المدينة إلى تبوك ]

            وكانت مساجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين المدينة إلى تبوك معلومة مسماة : مسجد بتبوك ، ومسجد بثنية مدران ، ومسجد بذات الزراب ، ومسجد بالأخضر ، ومسجد بذات الخطمي ، ومسجد بألاء ، ومسجد بطرف البتراء ، من ذنب كواكب ، ومسجد بالشق ، شق تارا ، ومسجد بذي الجيفة ، ومسجد بصدر حوضى ، ومسجد بالحجر ، ومسجد بالصعيد ، ومسجد بالوادي ، اليوم ، وادي القرى ، ومسجد بالرقعة من الشقة ، شقة بني عذرة ، ومسجد بذي المروة ، ومسجد بالفيفاء ، ومسجد بذي خشب .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية