الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ تأمير عثمان بن أبي العاص عليهم ]

            فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابهم ، أمر عليهم عثمان بن أبي العاص ، وكان من أحدثهم سنا ، وذلك أنه كان أحرصهم على التفقه في الإسلام ، وتعلم القرآن . فقال أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، إني قد رأيت هذا الغلام منهم من أحرصهم على التفقه في الإسلام ، وتعلم القرآن. وذكر موسى بن عقبة أن وفدهم كانوا إذا أتوا رسول الله خلفوا عثمان بن أبي العاص في رحالهم ، فإذا رجعوا وسط النهار جاء هو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن العلم فاستقرأه القرآن ، فإن وجده نائما ذهب إلى أبي بكر الصديق فلم يزل دأبه حتى فقه في الإسلام ، وأحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا شديدا . وروى الطبراني برجال ثقات عن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه- قال : قدمت في وفد ثقيف حين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما حللنا بباب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : من يمسك رواحلنا ؟ فكل القوم أحب الدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكره التخلف عنه ، وكنت أصغرهم ، فقلت إن شئتم أمسكت لكم على أن عليكم عهد الله لتمسكن لي إذا خرجتم ، قالوا : فذلك لك .

            فدخلوا عليه ثم خرجوا ، فقالوا : انطلق بنا . قلت : إلى أين ؟ قالوا : إلى أهلك فقلت : «ضربت من أهلي حتى إذا حللت بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم أأرجع ولا أدخل عليه ؟ وقد أعطيتموني ما علمتم» . قالوا : فاعجل فإنا قد كفيناك المسألة ، لم ندع شيئا إلا سألناه . فدخلت فقلت : يا رسول الله ادع الله تعالى أن يفقهني في الدين ويعلمني . قال : «ماذا قلت ؟ » فأعدت عليه القول . فقال : «لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أصحابك ، اذهب فأنت أمير عليهم وعلى من تقدم عليه من قومك»
            .

            وفي رواية : فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته مصحفا فأعطانيه . [ عهد الرسول لابن أبي العاص حين أمره على ثقيف ]

            قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن أبي هند ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، عن عثمان بن أبي العاص ، قال : كان من آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني على ثقيف أن قال : يا عثمان ، تجاوز في الصلاة ، واقدر الناس بأضعفهم ، فإن فيهم الكبير ، والصغير ، والضعيف وذا الحاجةوأخرج الإمام أحمد : بسنده عن أبي العلاء عن مطرف عن عثمان بن أبي العاص قال : قلت : يا رسول الله اجعلني إمام قومي . قال : " أنت إمامهم فاقتد بأضعفهم ، واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا " . وعن داود بن أبي عاصم عن عثمان بن أبي العاص أن آخر ما فارقه رسول الله حين استعمله على الطائف أن قال : " إذا صليت بقوم فخفف بهم " . حتى وقت لي اقرأ باسم ربك الذي خلق ( العلق : 1 ) وأشباهها من القرآن . وعن نافع بن جبير بن مطعم عن عثمان بن أبي العاص أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده ، فقال له : " ضع يدك على الذي تألم من جسدك ، وقل : بسم الله . ثلاثا ، وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر " . وفي بعض الروايات ففعلت ذلك فأذهب الله ما كان بي ، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم . .

            وعن عيينة بن عبد الرحمن - وهو ابن جوشن - حدثني أبي ، عن عثمان بن أبي العاص قال : لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي ، حتى ما أدري ما أصلي ، فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ابن أبي العاص ؟ " قلت : نعم يا رسول الله . قال : " ما جاء بك ؟ " قلت : يا رسول الله ، عرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي . قال : " ذاك الشيطان ، ادنه " . فدنوت منه فجلست على صدور قدمي . قال : فضرب صدري بيده وتفل في فمي ، وقال : " اخرج عدو الله " . ففعل ذلك ثلاث مرات ، ثم قال : " الحق بعملك " . قال : فقال عثمان : فلعمري ما أحسبه خالطني بعد . تفرد به ابن ماجه .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية