فقام الزبرقان بن بدر ، فقال :
نحن الكرام فلا حي يعادلنا منا الملوك وفينا تنصب البيع وكم قسرنا من الأحياء كلهم
عند النهاب وفضل العز يتبع ونحن يطعم عند القحط مطعمنا
من الشواء إذا لم يؤنس القزع بما ترى الناس تأتينا سراتهم
من كل أرض هويا ثم تصطنع فننحر الكوم عبطا في أرومتنا
للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا فلا ترانا إلى حي نفاخرهم
إلا استفادوا فكانوا الرأس يقتطع فمن يفاخرنا في ذاك نعرفه
فيرجع القوم والأخبار تستمع إنا أبينا ولا يأبى لنا أحد
إنا كذلك عند الفخر نرتفع
قال ابن هشام : ويروى : منا الملوك وفينا تقسم الربع ويروى : من كل أرض هوانا ثم نتبع رواه لي بعض بني تميم ، وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها للزبرقان : [ ] شعر حسان في الرد على الزبرقان
قال ابن إسحاق : وكان حسان غائبا ، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حسان : جاءني رسوله ، فأخبرني أنه إنما دعاني لأجيب شاعر بني تميم ، فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول :
منعنا رسول الله إذ حل وسطنا على أنف راض من معد وراغم
منعناه لما حل بين بيوتنا بأسيافنا من كل باغ وظالم
ببيت حريد عزه وثراؤه بجابية الجولان وسط الأعاجم
هل المجد إلا السودد العود والندى وجاه الملوك واحتمال العظائم
قال : فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام شاعر القوم ، فقال ما قال ، عرضت في قوله ، وقلت على نحو ما قال . قال : فلما فرغ الزبرقان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت : قم يا حسان ، فأجب الرجل فيما قال فقام حسان ، فقال :
إن الذوائب من فهر وإخوتهم قد بينوا سنة للناس تتبع
يرضى بهم كل من كانت سريرته تقوى الإله وكل الخير يصطنع
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك منهم غير محدثة إن الخلائق فاعلم شرها البدع
إن كان في الناس سباقون بعدهم فكل سبق لأدنى سبقهم تبع
لا يرقع الناس ما أوهت أكفهم عند الدفاع ولا يوهون ما رقعوا
إن سابقوا الناس يوما فاز سبقهم أو وازنوا أهل مجد بالندى متعوا
أعفة ذكرت في الوحي عفتهم لا ينطبعون ولا يرديهم طمع
لا يبخلون على جار بفضلهم ولا يمسهم من مطمع طبع
إذا نصبنا لحي لم ندب لهم كما يدب إلى الوحشية الذرع
نسمو إذا الحرب نالتنا مخالبها إذا الزعانف من أظفارها خشعوا
لا يفخرون إذا نالوا عدوهم وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع
كأنهم في الوغى والموت مكتنع أسد بحلية في أرساغها فدع
خذ منهم ما أتى عفوا إذا غضبوا ولا يكن همك الأمر الذي منعوا
فإن في حربهم فاترك عداوتهم شرا يخاض عليه السم والسلع
أكرم بقوم رسول الله شيعتهم إذا تفاوتت الأهواء والشيع
أهدي لهم مدحتي قلب يؤازره فيما أحب لسان حائك صنع
فإنهم أفضل الأحياء كلهم إن جد بالناس جد القول أو شمعوا
قال ابن هشام : أنشدني أبو زيد :
يرضى بها كل من كانت سريرته تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا
وقال ابن هشام : حدثني بعض أهل العلم بالشعر من بني تميم : أن الزبرقانبن بدر لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم قام فقال :
أتيناك كيما يعلم الناس فضلنا إذا احتفلوا عند احتضار المواسم
بأنا فروع الناس في كل موطن وأن ليس في أرض الحجاز كدارم
وأنا نذود المعلمين إذا انتخوا ونضرب رأس الأصيد المتفاقم
وأن لنا المرباع في كل غارة نغير بنجد أو بأرض الأعاجم
[ شعر آخر لحسان في الرد على الزبرقان ]
فقام حسان بن ثابت فأجابه ، فقال :
هل المجد إلا السودد العود والندى وجاه الملوك واحتمال العظائم
نصرنا وآوينا النبي محمدا على أنف راض من معد وراغم
بحي حريد أصله وثراؤه بجابية الجولان وسط الأعاجم
نصرناه لما حل وسط ديارنا بأسيافنا من كل باغ وظالم
جعلنا بنينا دونه وبناتنا وطبنا له نفسا بفيء المغانم
ونحن ضربنا الناس حتى تتابعوا على دينه بالمرهفات الصوارم
ونحن ولدنا من قريش عظيمها ولدنا نبي الخير من آل هاشم
بني دارم لا تفخروا إن فخركم يعود وبالا عند ذكر المكارم
هبلتم علينا تفخرون وأنتم لنا خول ما بين ظئر وخادم ؟
فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم وأموالكم أن تقسموا في المقاسم
فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا ولا تلبسوا زيا كزي الأعاجم
[ إسلامهم وتجويز الرسول إياهم ]
قال ابن إسحاق : فلما فرغ حسان بن ثابت من قوله ، قال الأقرع بن حابس : وأبي ، إن هذا الرجل لمؤتى له ، لخطيبه أخطب من خطيبنا ، ولشاعره أشعر من شاعرنا ، ولأصواتهم أحلى من أصواتنا . فلما فرغ القوم أسلموا ، وجوزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأحسن جوائزهم .