حجة الوداع
كان ابتداء فرض الحجة سنة تسع من الهجرة ويقال: سنة ست، وكانت حجة الوداع سنة عشر، ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم غيرها، فلما أجمع الخروج إلى الحج أذن في الناس أنه حاج في هذه السنة فسمع بذلك من حول المدينة ، فلم يبق أحد يريد، أو يقدر أن يأتي راكبا ، أو راجلا إلا قدم ، فقدم المدينة بشر كثير ، ووافاه في الطريق خلائق لا يحصون ، وكانوا من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، مد البصر ، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويعمل مثل عمله.
واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا، وخطب الناس وعلمهم ما أمامهم من المناسك ثم ترجل وادهن بزيت، وكان قد اغتسل قبل ذلك، وتجرد في ثوبين صحاريين إزار ورداء، وأبدلهما بالتنعيم بثوبين من جنسهما، ولبس إزاره، ورداءه وركب راحلته صلى الله عليه وسلم، ثم قال: اللهم اجعله حجا مبرورا، لا رياء فيه، ولا سمعة
فسار- صلى الله عليه وسلم- حتى أتى ذا الحليفة ، وهو من وادي العقيق فنزل به.
وأحرم النبي صلى الله عليه وسلم وأهل النبي صلى الله عليه وسلم بالحج من المسجد في ذي الحليفة، ثم لبى صلى الله عليه وسلم: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك ، والملك ، لا شريك لك» ، ورفع صوته بالتلبية حتى سمعها أصحابه
وخير أصحابه صلى الله عليه وسلم عند الإحرام بين الأنساك الثلاثة، ثم ندبهم عند دنوهم من مكة إلى فسخ الحج والقران إلى العمرة لمن لم يكن معه هدي ، ثم حتم ذلك عليهم عند المروة .
وفقد النبي صلى الله عليه وسلم زاملته التي كانت مع زاملة أبي بكر ثم وجدها صفوان بن المعطل فأتى بها إليهما.
ثم مضى رسول الله حتى إذا كان بالأبواء أهدى له الصعب بن جثامة حمار وحش، فرده، وقال : إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم»
وقد حاضت عائشة رضي الله عنها ودخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال لها: فإنك تقضين كل ما يقضي الحاج إلا أنك لا تطوفين بالبيت ، ثم بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم مع أخيها عبد الرحمن من التنعيم فأعمرها مكان عمرتها التي فاتتها.
وظل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى وصل إلى ذي طوى قريب من مكة - شرفها الله - فأمسك، ثم دخل مكة من الثنية العليا التي بالبطحاء - ويقال : كداء - ليراه الناس ويشرف عليهم، فطاف النبي صلى الله عليه وسلم ولم يزاحم وسعى بين الصفا والمروة، ثم نزل بالأبطح شرقي مكة في قبة حمراء من أدم ضربت له هناك.
وقد وفد عليه علي رضي الله عنه من اليمن في أثناء ذلك وقد أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكمل النبي صلى الله عليه وسلم مناسكه وخطب الناس بعرفة خطبة الوداع، ونزل عليه القرآن بقوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا
ولما أتم النبي صلى الله عليه وسلم حجته، قفل راجعا إلى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم.