بيان ، واختلاف الناقلين لذلك ، وترجيح الحق في ذلك الموضع الذي أهل منه عليه الصلاة والسلام
اختلف في الموضع الذي أهل فيه- صلى الله عليه وسلم- .
فقيل : أهل من المسجد الذي بذي الحليفة ، فروى الخمسة عن سالم ، عن أبيه عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- وفي رواية الشيخين ، عن ابن عمر قال : أنه- صلى الله عليه وسلم- أهل من عند المسجد ، يعني : مسجد ذي الحليفة ، . بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إنما أهل من المسجد
روى الطبراني ، عن أبي داود المازني ، وكان من أهل بدر ، قال : . خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدخل مسجد ذي الحليفة ، فصلى فيه أربع ركعات ، ثم أهل في المسجد فسمعه الذين كانوا في المسجد فقالوا أهل من المسجد ، وأهل حين ركب راحلته ، فقال الذين عند المسجد أهل حين استوت به راحلته ، ثم لما استوى على البيداء أهل فسمعه الذين على البيداء فقالوا أهل من البيداء وصدقوا كلهم
وقيل : أهل حين استوت به راحلته- صلى الله عليه وسلم- .
وروى الستة ، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : . بات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذي الحليفة حتى أصبح ، فلما زالت راحلته واستوت به أهل
وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال : ورواه الإمام أحمد من طريق آخر نحوه . «فأصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذي الحليفة ، وركب راحلته حتى استوى على البيداء [أهل] هو وأصحابه»
وروى مسلم من طريق زين العابدين بن علي بن الحسين ، والبخاري من طريق عطاء ، كلاهما عن جابر- رضي الله تعالى عنه- . «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهل حين استوت به راحلته»
وروى الشيخان من طريق عبيد بن جريج ، عن ابن عمر قال : . «أما الإهلال فإني لم أر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يهل حتى تنبعث به راحلته»
وروى الإمام أحمد ، من طريق أبي حسان : مسلم بن عبد الله البصري الأعرج ، والبخاري من طريق كريب ، كلاهما عن ابن عباس قال : . «لما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذي الحليفة ودعا براحلته فلما استوت على البيداء أهل بالحج»
وروى الشيخان ، عن جابر بن عبد الله . «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهل حين استوت به راحلته»
قال ابن كثير : وهذه الرواية المثبتة المفسرة عن ابن عمر مقدمة على الأخرى لاحتمال أنه أراد أنه أحرم من عند المسجد حين استوت به راحلته ، وتكون رواية ركوبه الراحلة فيها زيادة علم على الأخرى ، ورواية أنس وجابر وكذا رواية ابن عباس التي في الصحيح سالمات من المعارض ، قال : وهذه الطرق كلها دالة على القطع أو الظن الغالب أنه- صلى الله عليه وسلم- أحرم بعد الصلاة وبعد ما ركب راحلته وابتدأت به السير ، زاد ابن عمر . أنه أهل حين استوت به راحلته وهي مستقبلة القبلة .
قال : وما في الصحيح عن ابن عباس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصح وأثبت ، من رواية خصيف الحروري ، عن سعيد بن جبير . أهل حين استوت به راحلته
قلت : وجعل أبو جعفر الطحاوي والحافظ حديث ابن عباس هذا جامعا بين الأقوال ، وأورده ابن القيم ساكتا عليه . وكان حجه صلى الله عليه وسلم على رحل ، لا في محمل ، ولا هودج ولا عمارية ، وزاملته تحته . وقد اختلف في جواز ركوب المحرم في المحمل ، والهودج والعمارية ونحوها على قولين ، هما روايتان عن أحمد ، أحدهما : الجواز وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة . والثاني : المنع وهو مذهب مالك .