قتال خالد في بزاخة
كان قد اجتمع طائفة كثيرة من الفلال يوم بزاخة من أصحاب طليحة من بني غطفان ، فاجتمعوا إلى امرأة يقال لها : أم زمل سلمى بنت مالك بن حذيفة . وكانت من سيدات العرب ، كأمها أم قرفة ، وكان يضرب بأمها المثل في الشرف ; لكثرة أولادها وعزة قبيلتها وبيتها ، فلما اجتمعوا إليها ذمرتهم لقتال خالد ، فهاجوا لذلك ، وتأشب إليهم آخرون من بني سليم وطيئ وهوازن وأسد ، فصاروا جيشا كثيفا ، وتفحل أمر هذه المرأة ، فلما سمع بهم خالد بن الوليد سار إليهم ، واقتتلوا قتالا شديدا ، وهي راكبة على جمل أمها الذي كان يقال : من نخس جملها فله مائة من الإبل . وذلك لعزها ، فهزمهم خالد وعقر جملها وقتلها ، وبعث بالفتح إلى الصديق ، رضي الله عنه . ذكر ردة بني عامر وهوازن وسليم
وكانت بنو عامر تقدم إلى الردة رجلا وتؤخر أخرى ، وتنظر ما تصنع أسد وغطفان ، فلما أحيط بهم وبنو عامر على قادتهم وسادتهم - كان قرة بن هبيرة في كعب ومن لافها ، وعلقمة بن علاثة في كلاب ومن لافها ، وكان أسلم ثم ارتد في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولحق بالشام بعد فتح الطائف ، فلما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - أقبل مسرعا حتى عسكر في بني كعب . فبلغ ذلك أبا بكر ، فبعث إليه سرية عليها القعقاع بن عمرو ، وقيل : بل قعقاع بن سور ، وقال له ليغير على علقمة لعله يقتله أو يستأسره . فخرج حتى أغار على الماء الذي عليه علقمة ، وكان لا يبرح إلا مستعدا ، فسابقهم على فرسه فسبقهم ، وأسلم أهله وولده ، وأخذهم القعقاع وقدم بهم على أبي بكر ، فجحدوا أن يكونوا على حال علقمة ، ولم يبلغ أبا بكر عنهم أنهم فارقوا دارهم ، وقالوا له : ما ذنبنا فيما صنع علقمة ؟ فأرسلهم . ثم أسلم ، فقبل ذلك منه .
وأقبلت بنو عامر بعد هزيمة أهل بزاخة يقولون : ندخل فيما خرجنا منه ، ونؤمن بالله ورسوله ، وأتوا خالدا فبايعهم على ما بايع أهل بزاخة ، وأعطوه بأيديهم على الإسلام ، وكانت بيعته : عليكم عهد الله وميثاقه لتؤمنن بالله ورسوله ، ولتقيمن الصلاة ، ولتؤتن الزكاة ، وتبايعون على ذلك أبناءكم ونساءكم . فيقولون : نعم
ولم يقبل من أحد من أسد ، وغطفان ، وطيئ ، وسليم ، وعامر - إلا أن يأتوه بالذين حرقوا ومثلوا وعدوا على الإسلام في حال ردتهم ، فأتوه بهم ، فمثل بهم وحرقهم ورضخهم بالحجارة ، ورمى بهم من الجبال ، ونكسهم في الآبار ، وأرسل إلى أبي بكر يعلمه ما فعل ، وأرسل إليه قرة بن هبيرة ونفرا معه موثقين ، وزهيرا أيضا .