الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            فصل

            فيما روي عن الصديق - رضي الله عنه - من الآثار الموقوفة قولا أو قضاء، أو خطبة أو دعاء

            أخرج اللالكائي في «السنة» عن ابن عمر قال: جاء رجل إلى أبي بكر فقال: أرأيت الزنا بقدر؟ قال: (نعم)، قال: فإن الله قدره علي ثم يعذبني؟ قال: (نعم يابن اللخناء، أما والله لو كان عندي إنسان.. أمرت أن يجأ أنفك).

            وأخرج ابن أبي شيبة في «مصنفه» عن الزبير : أن أبا بكر قال وهو يخطب الناس: (يا معشر الناس، استحيوا من الله، فوالذي نفسي بيده، إني لأظل حين أذهب إلى الغائط في الفضاء مغطيا رأسي، استحياء من ربي).

            وأخرج عبد الرزاق في «مصنفه» عن عمرو بن دينار قال: قال أبو بكر : (استحيوا من الله، فوالله، إني لأدخل الكنيف فأسند ظهري إلى الحائط، حياء من الله).

            وأخرج أبو داود في «سننه» عن أبي عبد الله الصنابحي : (أنه صلى وراء أبي بكر المغرب، فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة من قصار المفصل، وقرأ في الثالثة: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا الآية..

            وأخرج ابن أبي خيثمة، وابن عساكر عن ابن عيينة قال: كان أبو بكر إذا عزى رجلا.. قال: (ليس مع العزاء مصيبة، وليس مع الجزع فائدة، الموت أهون مما قبله، وأشد مما بعده، اذكروا فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. تصغر مصيبتكم، وأعظم الله أجركم).

            وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن سالم بن عبيد - وهو صحابي - قال: ( كان أبو بكر الصديق يقول لي: قم بيني وبين الفجر حتى أتسحر ).

            وأخرج عن أبي قلابة وأبي السفر قالا: ( كان أبو بكر الصديق يقول: أجيفوا الباب حتى نتسحر ).

            وأخرج البيهقي عن حذيفة بن أسيد قال: ( لقد أدركت أبا بكر وعمر وما يضحيان، إرادة أن يستن بهما ).

            وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال: ( شهدت على أبي بكر الصديق أنه قال: كلوا الطافي من السمك ).

            وأخرج الشافعي في «الأم» عن أبي بكر الصديق : (أنه كره بيع اللحم بالحيوان).

            وأخرج البخاري عنه: (أنه جعل الجد بمنزلة الأب) يعني: في الميراث.

            وأخرج ابن أبي شيبة في «مصنفه» عن عطاء، عن أبي بكر قال: (الجد بمنزلة الأب، ما لم يكن أب دونه، وابن الابن بمنزلة الابن ما لم يكن ابن دونه).

            وأخرج عن القاسم : أن أبا بكر أتي برجل انتفى من أبيه، فقال أبو بكر : (اضرب الرأس ; فإن الشيطان في الرأس).

            وأخرج عن أبي مالك قال: كان أبو بكر إذا صلى على الميت.. قال: (اللهم ; عبدك أسلمه الأهل والمال والعشيرة، والذنب عظيم، وأنت غفور رحيم).

            وأخرج سعيد بن منصور في «سننه» عن عمر : أن أبا بكر قضى بعاصم بن عمر بن الخطاب لأم عاصم، وقال: (ريحها وشمها ولطفها خير له منك).

            وأخرج البيهقي عن قيس بن أبي حازم قال: ( جاء رجل إلى أبي بكر فقال: إن أبي يريد أن يأخذ مالي كله يجتاحه؟ فقال لأبيه: إنما لك من ماله ما يكفيك، فقال: يا خليفة رسول الله ; أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت ومالك لأبيك» فقال: نعم، وإنما يعني بذلك النفقة ).

            وأخرج أحمد عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: ( أن أبا بكر وعمر كانا لا يقتلان الحر بالعبد ).

            وأخرج البخاري عن ابن أبي مليكة، عن جده: ( أن رجلا عض يد رجل فأندر ثنيته، فأهدرها أبو بكر ).

            وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن عكرمة : أن أبا بكر قضى في الأذن بخمس عشرة من الإبل، وقال: (يواري شينها الشعر والعمامة). [أوصيك بعشر خلال]

            وأخرج البيهقي وغيره عن أبي عمران الجوني : أن أبا بكر بعث جيوشا إلى الشام، وأمر عليهم يزيد بن أبي سفيان، فقال: (إني موصيك بعشر خلال: لا تقتلوا امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطع شجرا مثمرا، ولا تخربن عامرا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكله، ولا تفرقن نحلا ولا تحرقه، ولا تغلل، ولا تجبن).

            وأخرج أحمد، وأبو داود، والنسائي عن أبي برزة الأسلمي قال: ( غضب أبو بكر من رجل، فاشتد غضبه جدا، فقلت: يا خليفة رسول الله، اضرب عنقه، قال: ويلك!! ما هي لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (. [بعض أقضية الصديق رضي الله عنه]

            وأخرج سيف في كتاب «الفتوح» عن شيوخه: أن المهاجر بن أبي أمية - وكان أمير اليمامة - رفع إليه امرأتان مغنيتان ; غنت إحداهما بشتم النبي صلى الله عليه وسلم: فقطع يدها ونزع ثناياها، وغنت الأخرى بهجاء المسلمين: فقطع يدها ونزع ثنيتها، فكتب إليه أبو بكر : (بلغني الذي فعلت في المرأة التي تغنت بشتم النبي صلى الله عليه وسلم، فلولا ما سبقتني فيها.. لأمرتك بقتلها ; لأن حد الأنبياء ليس يشبه الحدود، فمن تعاطى ذلك من مسلم.. فهو مرتد، أو معاهد.. فهو محارب غادر، وأما التي تغنت بهجاء المسلمين: فإن كانت ممن يدعي الإسلام.. فأدب وتقدمة دون المثلة، وإن كانت ذمية.. فلعمري ; لما صفحت عنه من الشرك أعظم، ولو كنت تقدمت إليك في مثل هذا.. لبلغت مكروها، فاقبل الدعة، وإياك والمثلة في الناس ; فإنها مأثم ومنفرة إلا في قصاص).

            وأخرج مالك والدارقطني عن صفية بنت أبي عبيد : (أن رجلا وقع على جارية بكر واعترف، فأمر به فجلد، ثم نفاه إلى فدك).

            وأخرج أبو يعلى عن محمد بن حاطب قال: جيء إلى أبي بكر برجل قد سرق وقد قطعت قوائمه، فقال أبو بكر : (ما أجد لك شيئا إلا ما قضى فيك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أمر بقتلك ; فإنه كان أعلم بك) فأمر بقتله .

            وأخرج مالك عن القاسم بن محمد : أن رجلا من أهل اليمن أقطع اليد والرجل قدم، فنزل على أبي بكر، فشكا إليه أن عامل اليمن ظلمه، فكان يصلي من الليل، فيقول أبو بكر : وأبيك، ; ما ليلك بليل سارق!! ثم إنهم افتقدوا حليا لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر، فجعل يطوف معهم، ويقول: اللهم ; عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح، فوجدوا الحلي عند صائغ زعم أن الأقطع جاءه به، فاعترف الأقطع، أو شهد عليه، فأمر به أبو بكر فقطعت يده اليسرى، وقال أبو بكر : (والله ; لدعاؤه على نفسه أشد عندي عليه من سرقته).

            وأخرج الدارقطني عن أنس : ( أن أبا بكر قطع في مجن ثمنه خمسة دراهم ).

            وأخرج أبو نعيم في «الحلية» عن أبي صالح قال: لما قدم أهل اليمن زمان أبي بكر وسمعوا القرآن.. جعلوا يبكون، فقال أبو بكر : (هكذا كنا، ثم قست القلوب) قال أبو نعيم: أي: قويت واطمأنت بمعرفة الله تعالى.

            وأخرج البخاري عن ابن عمر قال: قال أبو بكر : (ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته).

            وأخرج أبو عبيد في «الغريب» عن أبي بكر قال: (طوبى لمن مات في النأنأة): أي في أول الإسلام قبل تحرك الفتن.

            وأخرج الأربعة ومالك عن قبيصة قال: ( جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها؟ فقال: ما لك في كتاب الله، وما علمت لك في سنة نبي الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس.

            فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فقال أبو بكر : هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذه لها أبو بكر
            .

            وأخرج مالك والدارقطني عن القاسم بن محمد : ( أن جدتين أتتا أبا بكر تطلبان ميراثهما ; أم أم وأم أب، فأعطى الميراث أم الأم، فقال له عبد الرحمن بن سهل الأنصاري - وكان ممن شهد بدرا، وهو أخو بني حارثة -: يا خليفة رسول الله ; أعطيت التي لو أنها ماتت.. لم يرثها؟ ! فقسمه بينهما ).

            وأخرج عبد الرزاق في «مصنفه» عن عائشة - رضي الله عنها - حديث امرأة رفاعة التي طلقت منه، وتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، فلم يستطع أن يغشاها، وأرادت العود إلى رفاعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ». وهذا القدر في الصحيح، وزاد عبد الرزاق : فقعدت، ثم جاءته فأخبرته أن قد مسها، فمنعها أن ترجع إلى زوجها الأول، وقال: «اللهم ; إن كان إنما بها أن ترجع إلى رفاعة.. فلا يتم لها نكاحه مرة أخرى»، ثم أتت أبا بكر وعمر في خلافتهما فمنعاها .

            وأخرج البيهقي عن عقبة بن عامر : ( أن عمرو بن العاصي وشرحبيل بن حسنة بعثاه بريدا إلى أبي بكر برأس بنان بطريق الشام، فلما قدم على أبي بكر .. أنكر ذلك، فقال له عقبة: يا خليفة رسول الله ; فإنهم يصنعون ذلك بنا؟ !

            قال: أفيستنان بفارس والروم؟ ! لا يحمل إلي رأس، إنما يكفي الكتاب والخبر ).

            وأخرج البخاري عن قيس بن أبي حازم قال: ( دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها: زينب، فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها لا تتكلم؟ فقالوا: حجت مصمتة، قال لها: تكلمي ; فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت فقالت: من أنت؟ قال: امرؤ من المهاجرين، قالت: أي المهاجرين؟ قال: من قريش، قالت: من أي قريش؟ قال: إنك لسئول، أنا أبو بكر ، قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت أئمتكم، قالت: وما الأئمة؟ قال: أما كان لقومك رءوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى قال: فهم أولئك على الناس ).



            وأخرج النسائي عن أسلم: أن عمر اطلع على أبي بكر وهو آخذ بلسانه، فقال: (هذا الذي أوردني الموارد).

            وأخرج أبو عبيد في «الغريب» عن أبي بكر: أنه مر بعبد الرحمن وهو يماظ جارا له، فقال له: (لا تماظ جارك ; فإنه يبقى ويذهب عنك الناس).

            المماظة: المنازعة والمخاصمة. [من خطب سيدنا أبي بكر رضي الله عنه]

            وأخرج ابن عساكر عن موسى بن عقبة : أن أبا بكر الصديق كان يخطب فيقول: (الحمد لله رب العالمين، أحمده وأستعينه، ونسأله الكرامة فيما بعد الموت ; فإنه قد دنا أجلي وأجلكم، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا، وسراجا منيرا ; لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، ومن يطع الله ورسوله.. فقد رشد، ومن يعصهما.. فقد ضل ضلالا مبينا.

            أوصيكم بتقوى الله، والاعتصام بأمر الله الذي شرع لكم وهداكم به، ; فإن جوامع هدى الإسلام بعد كلمة الإخلاص: السمع والطاعة لمن ولاه الله أمركم ; فإنه من يطع والي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. فقد أفلح، وأدى الذي عليه من الحق.

            وإياكم واتباع الهوى ; فقد أفلح من حفظ من الهوى والطمع والغضب. وإياكم والفخر، وما فخر من خلق من تراب ثم إلى التراب يعود، ثم يأكله الدود، ثم هو اليوم حي وغدا ميت؟ !

            فاعملوا يوما بيوم، وساعة بساعة، وتوقوا دعاء المظلوم، وعدوا أنفسكم في الموتى، واصبروا فإن العمل كله بالصبر، واحذروا والحذر ينفع، واعملوا والعمل يقبل، واحذروا ما حذركم الله من عذابه، وسارعوا فيما وعدكم الله من رحمته.

            وافهموا وتفهموا، واتقوا وتوقوا، فإن الله قد بين لكم ما أهلك به من كان قبلكم، وما نجى به من نجى قبلكم، قد بين لكم في كتابه حلاله وحرامه، وما يحب من الأعمال، وما يكره ; فإني لا آلوكم ونفسي، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

            واعلموا: أنكم ما أخلصتم لله من أعمالكم.. فربكم أطعتم، وحظكم حفظتم واغتبطتم، وما تطوعتم به لربكم.. فاجعلوه نوافل بين أيديكم، تستوفوا لسلفكم، وتعطوا جزاءكم حين فقركم وحاجتكم إليها.

            ثم تفكروا عباد الله في إخوانكم وصحابتكم الذين مضوا ; قد وردوا على ما قدموا فأقاموا عليه، وحلوا في الشقاء والسعادة فيما بعد الموت.

            إن الله ليس له شريك، وليس بينه وبين أحد من خلقه نسب يعطيه به خيرا، ولا يصرف عنه سوءا إلا بطاعته واتباع أمره ; فإنه لا خير في خير بعده النار، ولا شر في شر بعده الجنة.

            أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلوا على نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته).

            وأخرج الحاكم والبيهقي عن عبد الله بن عكيم قال: خطبنا أبو بكر الصديق، فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل، ثم قال: (أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله تعالى أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين .

            ثم اعلموا عباد الله: أن الله قد ارتهن بحقه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم، واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي، وهذا كتاب الله فيكم لا يطفأ نوره، ولا تنقضي عجائبه، فاستضيئوا بنوره، وانتصحوا كتابه، واستضيئوا منه ليوم الظلمة ; فإنه إنما خلقكم لعبادته، ووكل بكم كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون.

            ثم اعلموا عباد الله: أنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه ; فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله.. فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، سابقوا في آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم فيردكم إلى أسوأ أعمالكم ; فإن قوما جعلوا آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم، فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم ; فالوحا الوحا، ثم النجاء النجاء ; فإن وراءكم طالبا حثيثا مره سريع).

            وأخرج ابن أبي الدنيا وأحمد في «الزهد» وأبو نعيم في «الحلية» عن يحيى بن أبي كثير : أن أبا بكر كان يقول في خطبته: (أين الوضاء الحسنة وجوههم، المعجبون بشبابهم؟ ! أين الملوك الذين بنوا المدائن وحصنوها؟ ! أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب؟ ! قد تضعضع أركانهم حين أخنى بهم الدهر، وأصبحوا في ظلمات القبور، الوحا الوحا، ثم النجاء النجاء).

            وأخرج أحمد في «الزهد» عن سلمان قال: ( أتيت أبا بكر، فقلت: اعهد إلي، فقال: يا سلمان ; اتق الله، واعلم أنه ستكون فتوح، فلا أعرفن ما كان حظك منها ما جعلته في بطنك، أو ألقيته على ظهرك، واعلم أنه من صلى الصلوات الخمس.. فإنه يصبح في ذمة الله، ويمسي في ذمة الله تعالى، فلا تقتل أحدا من أهل ذمة الله فتخفر الله في ذمته، فيكبك الله في النار على وجهك).

            وأخرج عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: (يقبض الصالحون الأول فالأول، حتى يبقى من الناس حثالة كحثالة التمر والشعير، لا يبالي الله بهم).

            وأخرج سعيد بن منصور في «سننه» عن معاوية بن قرة : أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - كان يقول في دعائه: (اللهم ; اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم لقائك ).

            وأخرج أحمد في «الزهد» عن الحسن، قال: بلغني أن أبا بكر كان يقول في دعائه: (اللهم ; إني أسألك الذي هو خير لي في عاقبة الأمر، اللهم ; اجعل آخر ما تعطيني من الخير رضوانك والدرجات العلى من جنات النعيم ).

            وأخرج عن عرفجة قال: قال أبو بكر : (من استطاع أن يبكي.. فليبك، وإلا فليتباك).

            وأخرج عن عروة، عن أبي بكر قال: (أهلكهن الأحمران: الذهب، والزعفران ).

            وأخرج عن مسلم بن يسار، عن أبي بكر قال: (إن المسلم ليؤجر في كل شيء ; حتى في النكبة وانقطاع شسعه، والبضاعة تكون في كمه، فيفقدها، فيفزع لها، فيجدها في ضبنه ).

            وأخرج عن ميمون بن مهران، قال: أتى أبو بكر بغراب وافر الجناحين، فقلبه ثم قال: (ما صيد من صيد، ولا عضدت من شجرة.. إلا بما ضيعت من التسبيح).

            وأخرج البخاري في «الأدب» وعبد الله بن أحمد في زوائد «الزهد» عن الصنابحي : أنه سمع أبا بكر يقول: (إن دعاء الأخ لأخيه في الله يستجاب).

            وأخرج عبد الله في زوائد «الزهد» عن عبيد بن عمير، عن لبيد الشاعر: أنه قدم على أبي بكر فقال:


            ألا كل شيء ما خلا الله باطل



            فقال (صدقت)، فقال:


            وكل نعيم لا محالة زائل



            فقال: (كذبت ; عند الله نعيم لا يزول)، فلما ولى.. قال أبو بكر: (ربما قال الشاعر الكلمة من الحكمة). كلماته الدالة على شدة خوفه من ربه

            أخرج أبو أحمد الحاكم عن معاذ بن جبل قال: دخل أبو بكر حائطا ; وإذا بدبسي في ظل شجرة، فتنفس الصعداء، ثم قال: (طوبى لك يا طير ; تأكل من الشجر، وتستظل بالشجر، وتصير إلى غير حساب، يا ليت أبا بكر مثلك).



            وأخرج ابن عساكر عن الأصمعي، قال: كان أبو بكر إذا مدح.. قال: (اللهم ; أنت أعلم مني بنفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم ; اجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون).

            وأخرج أحمد في «الزهد» عن مجاهد، قال: ( كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة.. كأنه عود من الخشوع، قال: وحدثت أن أبا بكر كان كذلك ).

            وأخرج عن ضمرة بن حبيب قال: حضرت الوفاة ابنا لأبي بكر الصديق، فجعل الفتى يلحظ إلى وسادة، فلما توفي.. قالوا لأبي بكر: رأينا ابنك يلحظ إلى وسادة!! فدفعوه عن الوسادة فوجدوا تحتها خمسة دنانير أو ستة، فضرب أبو بكر بيده على الأخرى يرجع ويقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون، يا فلان ; ما أحسب جلدك يتسع لها).

            وأخرج عن ثابت البناني : أن أبا بكر كان يتمثل:


            لا تزال تنعي حبيبا حتى تكونه     وقد يرجو الفتى الرجا يموت دونه

            وأخرج ابن سعد عن ابن سيرين قال: لم يكن أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أهيب لما لا يعلم من أبي بكر، ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب لما لا يعلم من عمر، وإن أبا بكر نزلت به قضية فلم نجد لها في كتاب الله أصلا، ولا في السنة أثرا، فقال:) أجتهد رأيي فإن يكن صوابا.. فمن الله، وإن يكن خطأ.. فمني وأستغفر الله). فائدة [في قيادة عمرو بن العاص لسرية فيها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما]

            أخرج البيهقي في «الدلائل» عن عبد الله بن بريدة قال: ( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاصي في سرية فيهم أبو بكر وعمر، فلما انتهوا إلى مكان الحرب.. أمرهم عمرو ألا ينوروا نارا، فغضب عمر ، فهم أن يأتيه، فنهاه أبو بكر وأخبره: أنه لم يستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك إلا لعلمه بالحرب، فهدأ عنه ).

            وأخرج البيهقي من طريق أبي معشر عن بعض مشيختهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إني لأؤمر الرجل على القوم فيهم من هو خير منه ; لأنه أيقظ عينا وأبصر بالحرب ».

            فائدة [في ضياع الأمانة]

            أخرج البيهقي في «الدلائل» عن أسماء بنت أبي بكر قالت: (لما كان عام الفتح.. خرجت ابنة لأبي قحافة، فلقيتها الخيل، وفي عنقها طوق من ورق، فاقتطعه إنسان من عنقها، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد.. قام أبو بكر فقال: أنشد بالله والإسلام طوق أختي، فوالله ما أجابه أحد، ثم قال الثانية فما أجابه أحد،فقال: يا أخية ; احتسبي طوقك، فوالله ; إن الأمانة اليوم في الناس لقليل).

            التالي السابق


            الخدمات العلمية