جندب بن جنادة ، أبو ذر
وفي اسمه ونسبه خلاف قد ذكرته في كتاب "التلقيح" .
كان طويلا أدم ، وكان يشهد أن لا إله إلا الله ، وكان يتعبد قبل الإسلام . وقيل: له: أين كنت تتوجه؟ قال: أين وجهني الله عز وجل ، ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأسلم ، وخرج يصرخ بالشهادة فضربوه ، فأكب عليه العباس وقال لقريش: أنتم تجتازون [بهم وطريقكم] على غفار . فتركوه ورجع إلى قومه .
وكان يعرض لعيرات قريش فيقتطعها ويقول: لا أرد لكم منها شيئا حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . فإن فعلوا رد ما أخذ منهم ، وإن أبوا لم يرد عليهم شيئا ، فبقي على ذلك إلى أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومضت بدر وأحد ، ثم قدم فأقام بالمدينة ثم مضى إلى الشام ، فاختلف هو ومعاوية في والذين يكنزون الذهب والفضة فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب . وقال أبو ذر: نزلت فينا وفيهم . فدار بينهما كلام ، فكتب معاوية إلى عثمان يشكوه ، فكتب إليه أن أقدم ، فقدم المدينة ، فاجتمع الناس عليه ، فذكر ذلك لعثمان ، فقال له: إن شئت تنحيت قريبا ، فخرج إلى الربذة ، فمات بها . قوله تعالى:
ذكر وفاته:
عن إبراهيم بن الأشتر ، عن أبيه] ، أنه فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: أبكي لأنه لا بد أن لي بنعشك وليس لي ثوب من ثيابي يسعك كفنا ، وليس لك ثوب يسعك . قال: لا تبكي ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم: لما حضر أبا ذر الموت بكت امرأته وليس من أولئك النفر رجل إلا قد مات في قرية وجماعة من المسلمين ، وأنا الذي أموت بفلاة ، والله ، ما كذب ولا كذبت ، فأبصري الطريق ، فقالت: أنى وقد انقطع الحاج ، وتقطعت الطرق . وكانت تشتد إلى كثيب تقوم عليه تنظر ثم ترجع إليه فتمرضه ثم ترجع إلى الكثيب . فبينا هي كذلك إذا هي بنفر تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم ، فلاحت بثوبها ، فأقبلوا حتى وقفوا عليها . قالوا: ما لك؟ قالت: امرؤ من المسلمين تكفنونه -أو قالت: امرؤ من المسلمين يموت فتكفنونه ، وهو الأصح- قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر . ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إليه ، حتى جاءوا فقال: أبشروا ، فحدثهم الحديث الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين" أتسمعون لو كان لي ثوب يسعني كفنا لم أكفن به إلا في ثوب هو لي أو لامرأتي ثوب يسعني كفنا إلا في ثوبها ، فأنشدكم الله والإسلام أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو نقيبا أو بريدا ، فكل القوم قد كان قارف بعض ذلك إلا فتى من الأنصار قال: أنا أكفنك ، فإني لم أصب مما ذكرت شيئا ، أكفنك في ردائي هذا الذي علي ، وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي حاكتهما لي . قال: أنت ، فكفني . قال فكفنه الأنصاري والنفر الذين شهدوه ، فيهم جحش بن الأدبر ، ومالك بن الأشتر في نفر كلهم يمان . "لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة ، فيحتسبان ويصبران فيريان النار ،
وذكر ابن إسحاق أن ابن مسعود صلى عليه منصرفه من الكوفة
عبد الله بن قيس بن زيادة بن الأصم
عبد الله بن قيس بن زيادة بن الأصم
وأمه عاتكة ، وهي: أم مكتوم بنت عبد الله بن عتيكة بن عامر
أسلم ابن أم مكتوم بمكة قديما ، وكان ضرير البصر ، ذهبت عيناه وهو غلام ، وقدم المدينة مهاجرا . قال البراء : أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب ، ثم ابن أم مكتوم ، فكان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة مع بلال ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلفه على المدينة .
عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا مع رجال من قريش ، فيهم عتبة بن ربيعة وناس من وجوه قريش وهو يقول لهم: أليس حسنا إن جئت بكذا فيقولون: بلى . فجاء ابن أم مكتوم وهو مشتغل بهم ، فسأله عن شيء فأعرض ، فأنزل الله تعالى: عبس وتولى أن جاءه الأعمى يعني: ابن أم مكتوم أما من استغنى يعني: عتبة وأصحابه فأنت له تصدى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى يعني ابن أم مكتوم .
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله فقال عبد الله بن أم مكتوم : أي رب ، أنزل عذري ، أين عذري؟ فأنزل الله: نزلت: غير أولي الضرر فجعلت بينهما ، وكان بعد ذلك يغزو فيقول: ادفعوا إلي اللواء ، فإني أعمى لا أستطيع أن أفر ، وأقيموني بين الصفين .
وعن أنس بن مالك : أن عبد الله بن أم مكتوم يوم القادسية كانت معه راية له سوداء وعليه درع .
عمرو بن عتبة بن فرقد بن حبيب السلمي
عمرو بن عتبة بن فرقد بن حبيب السلمي
[كان] أبوه عتبة من الصحابة ، كان يتولى الولايات ويجتهد بابنه عمرو أن يعينه على ذلك ، فلا يفعل زهدا في الدنيا .
عن عبد الله بن الربيعة قال: كنت جالسا مع عتبة بن فرقد ومعضد العجلي ، وعمرو بن عتبة فقال: يا عبد الله بن الربيعة ، ألا تعينني على ابن أختك يعينني على ما أنا فيه من عملي؟ فقال عبد الله: يا عمرو ، أطع أباك . قال: فنظر عمرو إلى معضد فقال له: لا تطعه واسجد واقترب [فقال عمرو: يا أبي ، إنما أنا رجل أعمل في فكاك رقبتي . فبكى عتبة ثم قال: يا بني ، أحبك حبين: حبا لله ، وحب الوالد لولده] .
فقال عمرو: يا أبت ، إنك قد كنت أثبتني بمال بلغ سبعين ألفا ، فإن كنت سائلي عنه فهو هذا ، فخذه وإلا فدعني أمضه . قال: يا بني ، أمضه . فأمضاه حتى ما بقي عنده درهم .
وعن شيخ من قريش قال: قال مولى لعمرو] بن عتبة وأنا مع رجل وهو يقع في آخر ، فقال لي: ويلك -ولم يقلها لي قبلها ولا بعدها- نزه سمعك عن استماع الخنا كما تنزه لسانك عن القول ، فإن المستمع شريك القائل ، وإنما نظر إلى ما سد في وعائه فأفرغه في وعائك ، ولو ردت كلمة سفيه في فيه لسعد بها رادها كما شقي بها قائلها .
وعن عيسى بن عمر قال: فيقول: يا أهل القبور ، قد طويت الصحف ، ورفعت الأعمال . ثم يبكي ، ثم يصف قدميه حتى يصبح ، فيرجع فيشهد صلاة الصبح . كان عمرو بن عتبة يخرج على فرسه ليلا فيقف على القبور
وعن مولى لعمرو بن عتبة قال: وكنا نخرج إلى العدو فلا نتحارس لكثرة صلاته ، فرأيته ليلة يصلي ، فسمعنا زئير الأسد فهربنا وهو قائم يصلي لم ينصرف ، فقلنا له: أما خفت الأسد؟ فقال: إني لأستحي من الله أن أخاف شيئا سواه . استيقظنا يوما حارا في ساعة حارة ، فطلبنا عمرو بن عتبة ، فوجدناه في جبل وهو ساجد وغمامة تظله ،
وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: خرجنا في جيش فيهم علقمة ويزيد بن معاوية النخعي ، وعمرو بن عتبة ، ومعضد ، قال: فخرج عمرو بن عتبة عليه جبة جديدة بيضاء ، فقال: ما أحسن الدم ينحدر على هذه . فخرج فتعرض للقوم ، فأصابه حجر فشجه فتحدر عليها الدم ، ثم مات منها فدفناه ، ولما أصابه الحجر فشجه جعل يلمسها بيده ويقول: إنها لصغيرة ، وإن الله ليبارك في الصغير .
وعن السدي قال: حدثنا ابن عم لعمرو بن عتبة قال: نزلنا في مرج حسن ، فقال عمرو بن عتبة : ما أحسن هذا المرج ، ما أحسن الآن لو أن مناديا ينادي: يا خيل الله اركبي . فخرج رجل فكان أول من لقي فأصيب ، ثم جيء به فدفن في هذا المرج . قال: فما كان بأسرع من أن نادى مناد: يا خيل الله اركبي . فخرج عمرو في سرعان الناس في أول من خرج ، فأتى عتبة فأخبر بذلك فقال: علي عمرا .
فأرسل في طلبه ، فما أدرك حتى أصيب . قال: فما أراه دفن إلا في مركز رمحه ، وعتبة يومئذ على الناس .
قال المؤلف: [وهذه] الغزاة التي استشهد فيها عمرو ، [ولم تذكر] هي غزاة أذربيجان ، وكانت في خلافة عثمان [رضي الله عنه]
عمير بن وهب بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح
عمير بن وهب بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح
كان قد شهد بدرا مع المشركين ، وبعثوه طليعة ليحرز أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففعل ، وكان حريصا على رد قريش عن [لقاء] رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر ، فلما التقوا أسر أبوه وهب ، أسره رفاعة بن رافع ، فرجع إلى مكة ، فقال له صفوان بن أمية : دينك علي ، وعيالك أمونهم ما عشت ، واجعل كذا وكذا إن أنت خرجت إلى محمد حتى تغتاله . فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما جاء به وما جرى له مع صفوان [بن أمية] ، فأسلم وشهد أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبقي [إلى] خلافة عثمان رضي الله عنه . عروة بن حزام بن مهاجر
شاعر إسلامي ، أحد المتيمين الذين قتلهم الهوى .
عن لقيط بن بكير المحاربي : أن عروة بن حزام ، وعفراء ابنة مالك العذريين - وهما بطن من عذرة يقال لهم بنو هند بن حزام بن ضبة بن عبد بن بكير بن عذرة -
: وذلك أن حزاما هلك وترك ابنه عروة صغيرا في حجر عمه عقال بن مهاصر ، وكانت عفراء تربا لعروة يلعبان جميعا ويكونان معا حتى [ألف كل واحد منهما] إلفا شديدا ، وكان عقال يقول لعروة لما يرى من إلفهما: أبشر ، فإن عفراء امرأتك إن شاء الله ، وكانا كذلك حتى بلغا ، فأتى عروة عمة له يقال لها: هند بنت مهاصر ، فشكى إليها ما به من حب عفراء ، وقال لها: يا عمة ، إني لأكلمك وأنا مستحي منك ، ولم أفعل هذا حتى ضقت ذرعا بما أنا فيه ، فذهبت عمته إلى أخيها ، فقالت: يا أخي ، قد أتيتك في حاجة أحب أن تحسن قضاءها ، فإن الله يأجرك بصلة رحمك ، قال: إن تسأليني لا أردك فيها ، قالت: تزوج عروة ابن أخيك بابنتك عفراء ، فقال: ما عنه مذهب ، ولا بنا عنه رغبة ، ولكنه ليس بذي مال ، وليست عليه عجلة ، فسكت عروة بعض السكوت ، وكانت أمها لا تريد إلا ذا مال ، فعرف عروة أن رجلا ذا مال قد خطبها ، فأتى عمه ، فقال: يا عم ، قد عرفت حقي وقرابتي ، وإني ربيت في حجرك ، وقد بلغني أن رجلا يخطب عفراء فإن أسعفته بطلبتي قتلتني وسفكت دمي ، فأنشدك الله ورحمي وحقي ، فرق له ، وقال: يا بني ، أنت معدم ، وأمها قد أبت أن تخرجها إلا بمهر غال ، فاضطرب واسترزق الله .
فجاء إلى أمها ولاطفها وداراها فأبت إلا بما تحتكم من المهر ، فعمل على قصد ابن عم له موسر باليمن ، فجاء إلى عمه وامرأته فأخبرهما بقصده وعزمه ، فصوباه ووعداه ألا يحدثا حدثا حتى يعود .
وودع عفراء والحي ، وصحبه فتيان كانا يألفانه ، وكان طول سفره ساهيا حتى قدم على ابن عمه فعرفه حاله ، فوصله وكساه وأعطاه مائة من الإبل ، فانصرف بها ، وقد كان رجل من أهل الشام قد نزل في حي عفراء ، فنحر وأطعم ورأى عفراء فأعجبته ، فخطبها
إلى أبيها فاعتذر إليه وقال: قد سميتها باسم ابن أخي ، فما لغيره إليها سبيل ، فقال له: إني أرغبك في المهر ، فقال: لا حاجة لي في ذلك ، فعدل إلى أمها فوافق عندها قبولا ورغبة في المال ، فجاءت إلى زوجها ، فقالت: وأي خير في عروة حتى تحبس ابنتي عليه ، والله ما تدري أعروة حي أم ميت ، وهل ينقلب إليك بخير أم لا ، فتكون قد حرمت ابنتك خيرا حاضرا ، فلم تزل به حتى قال: إن عاودني خاطبها أجبته ، فوجهت إليه: أعد غدا خاطبا ، فنحر جزورا وأطعم ووهب وجمع الحي على طعامه وفيهم أبو عفراء ، وأعاد الخطبة فزوجه وحولت عفراء إليه ، فقال قبل أن يدخل بها: يا عروة إن الحي قد نقضوا عهد الله وحاولوا الغدران .
ثم دخل بها زوجها وأقام فيهم ثلاثا ثم ارتحل إلى الشام ، وعمد أبوها إلى قبر عتيق ، فجدده وسواه ، وسأل أهل الحي كتمان أمرها ، وقدم عروة بعد أيام ، فنعاها أبوها إليه وذهب به إلى ذلك القبر ، وكان يختلف إليها أياما حتى أخبرته جارية من الحي الخبر ، فركب بعض إبله فدخل الشام فنزل على الرجل وهو لا يعرفه ، فأكرمه ، فقال لجارية لهم: هل لك في يد تولينيها؟ قالت: نعم ، قال: تدفعين خاتمي هذا إلى مولاتك ، فقالت: سوءة لك ، أما تستحي من هذا القول ، فأمسك ثم أعاد عليها ، وقال: ويحك هي والله بنت عمي ، فاطرحي هذا الخاتم في صبوحها فإن أنكرت عليك فقولي: اصطبح ضيفنا قبلك ولعله سقط منه ، فرقت الأمة وفعلت ، فلما رأت عفراء الخاتم قالت: اصدقيني فأصدقتها ، فلما جاء زوجها قالت: أتدري من ضيفك؟ إنه عروة بن حزام ، وقد كتم نفسه حياء منك ، فبعث إليه وعاتبه على كتمانه نفسه ، وقال له: بالرحب والسعة نشدتك الله إن رمت هذا المكان أبدا ، وخرج وتركه مع عفراء يتحدثان ، وأوصى خادما له بالاستماع عليهما وإعادة ما يسمعه منهما .
فلما خليا تشاكيا ما وجدا من الفراق وطالت الشكوى وهو يبكي أحر بكاء ، ثم أتته بشراب وسألته أن يشربه ، فقال: والله ما دخل جوفي حرام قط ، ولا ارتكبته منذ كنت ، ولو استحللت حراما كنت قد استحللته منك وأنت حظي من الدنيا وقد ذهبت مني وذهبت منك ، فما أعيش بعدك ، وقد أجمل هذا الرجل الكرم وأحسن ، وأنا أستحي منه ، ووالله لا أقيم بعد علمه بمكاني ، وإني لعالم أني أرحل إلى منيتي . فبكت وبكى وانصرف .
فلما جاء زوجها أخبره الخادم بما جرى بينهما ، فقال: يا عفراء ، امنعي ابن عمك من الخروج ، فقالت: لا يمتنع ، وهو والله أكرم وأشد حياء أن يقيم بعد ما جرى بينكما ، فدعاه وقال: يا أخي: اتق الله في نفسك فقد عرفت خبرك وأنك إن رحلت تلفت ، ووالله ما أمنعك من الاجتماع معها أبدا ، وإن شئت لأنزلن لك عنها . فجزاه خيرا وأثنى عليه ، وقال: إنها كان الطمع فيها ، والآن فقد يئست وحملت نفسي على الصبر ، ولي أمور لا بد من الرجوع إليها ، وإن وجدت بي قوة ، وإلا عدت إليكم وزرتكم .
فزودوه وشيعوه ، وانصرف ، فأصابه غشي وخفقان . فكان كلما أغمي عليه ألقى على وجهه خمارا كانت عفراء قد زودته إياه فيفيق ، فلقيه في طريقه عراف اليمامة ابن مكحول ، فسأله عما به وهل به خبل ، فقال:
وما بي من خبل وما بي جنة ولكن عمي يا أخي كذوب أقول لعراف اليمامة داوني
فإنك إن داويتني لطبيب فوا كبدي أمست رفاتا كأنما
يلذعها بالموقدات لهيب عشية لا عفراء منك بعيدة
فتسلو ولا عفراء منك قريب فوالله ما أنساك ما هبت الصبا
وما عقبتها في الرياح جنوب وإني ليغشاني لذكراك روعة
لها بين جلدي والعظام دبيب
خليلي من عليا هلال بن عامر بصنعاء عوجا اليوم فانتظراني
فلا تزهدا في الذخر عندي وأجملا فإنكما بي اليوم مبتليان
ألما على عفراء إنكما غدا بوشك النوى والبين مفترقان
فيا واشيي عفراء ويحكما بمن ومن وإلى من حيثما تشياني
بمن لو رآه غائبا لفديته ومن لو رآني غائبا لفداني
متى تكشفا عني القميص تبينا بي الضر من عفراء يا فتيان
فقد تركتني لا أعي لمحدث حديثا وإن ناجيته ونجاني
جعلت لعراف اليمامة حكمه وعراف نجد إن هما شفياني
فما تركا من حيلة يعلمانها ولا شربة إلا بها سقياني
ورشا على وجهي من الماء ساعة وقاما مع العواد يبتدران
وقالا شفاك الله -والله- ما لنا بما ضمنت منك الضلوع يدان
فويلي على عفراء ويل كأنه على الصدر والأحشاء وخز سنان
إذا رام قلبي هجرها حال دونه شفيعان من قلبي لها خذلاني
إذا قلت: لا ، قالا: بلى ، ثم أصبحا جميعا على الرأي الذي ترياني
تحملت من عفراء ما ليس لي به ولا للجبال الراسيات يدان
فيا رب أنت المستعان على الذي تحملت من عفراء منذ زماني
كأن قطاة علقت بجناحها على كبدي من شدة الخفقان
فما هو إلا أن أراها فجاءة فأبهت حتى لا أكاد أجيب
وأصدف عن رأيي الذي كنت أرتئي وأنسى الذي أزمعت حين تغيب
ويظهر قلبي عذرها ويعينها علي فما لي في الفؤاد نصيب
وقد علمت نفسي مكان شفائها وهل ما لا ينال قريب
حلفت برب الساجدين لربهم خشوعا وفوق الساجدين رقيب
لئن كان برد الماء حران صاديا إلي حبيبا إنها لحبيب
بي البأس أو داء الهيام سقيته فإياك عني لا يكن بك ما بيا
وعن النعمان بن بشير ، قال: استعملني عمر بن الخطاب -أو عثمان بن عفان ، شك الهيثم- على صدقات سعد بن هذيم ، وهم عذرة ، وسلامان ، والحارث ، وهم من قضاعة ، فلما قبضت الصدقة وقسمتها بين أهلها ، وأقبلت بالسهمين الباقيين إلى عمر -أو إلى عثمان- فلما كنت في بلاد عدي في حي يقال لهم بنو هند ، إذا أنا ببيت جرير ، فملت إليه ، فإذا عجوز جالسة عند كسر البيت ، وإذا شاب نائم في ظل البيت ، فلما دنوت سلمت ، فترنم بصوت له ضعيف:
جعلت لعراف اليمامة حكمه وعراف نجد إن هما شفياني
من كان من أمهاتي باكيا أبدا فاليوم إني أراني اليوم مقبوضا
يسمعننيه فإني غير سامعة إذا علوت رقاب القوم معروضا
قال: قلت للنعمان: فما دعاك إلى ذلك؟ قال: احتساب الأجر فيه والله .
وقد ذكر أبو داود في كتاب "الزهرة": أن عروة بن حزام لما مات مر به ركب فعرفوه ، فلما انتهوا إلى منزل عفراء صاح بعضهم ، فقال:
ألا أيها القصر المغفل أهله بحق نعينا عروة بن حزام
ألا أيها الركب المخبون ويحكم بحق نعيتم عروة بن حزام
نعم قد تركناه بأرض بعيدة مقيما بها في دكدك وأكام
فإن كان حقا ما تقولون فاعلموا بأن قد نعيتم بدر كل ظلام
فلا لقي الفتيان بعدك لذة ولا رجعوا من غيبة بسلام
ولا وضعت أنثى تماما بمثله ولا فرحت من بعده بغلام
ولا لا بلغتم حيث وجهتم له ونغصتم لذات كل طعام
وعن معاذ بن يحيى الصنعاني ، قال: خرجت من مكة إلى صنعاء ، فلما كان بيننا وبين صنعاء خمس رأيت الناس ينزلون عن محاملهم ويركبون دوابهم ، قلت: أين تريدون؟ قالوا: نريد أن ننظر قبر عروة وعفراء ، فنزلت عن محملي وركبت حماري واتصلت بهم ، فانتهيت إلى قبرين متلاصقين قد خرج من هذا القبر ساق شجرة ، ومن هذا ساق شجرة ، حتى إذا صارا على قامة التفا ، وكان الناس يقولون: تآلفا في الحياة وفي الموت .
وقد روي لنا أن هذه القصة كانت في عهد عمر بن الخطاب ، فروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لو أدركت عروة وعفراء لجمعت بينهما .
وروينا عن معاوية أنه قال: "لو علمت بهذين الشريفين لجمعت بينهما" .