الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            فصل ( ولما فرغ علي من أمر الجمل )

            ذهاب الأحنف بن قيس على علي بعد رجوعه من الجمل

            ولما فرغ علي من أمر الجمل أتاه وجوه الناس يسلمون عليه ، فكان فيمن جاءه الأحنف بن قيس في بني سعد - وكانوا قد اعتزلوا القتال - فقال له علي : تربصت - يعني بنا - فقال : ما كنت أراني إلا قد أحسنت ، وبأمرك كان ما كان يا أمير المؤمنين ، فارفق فإن طريقك الذي سلكت بعيد ، وأنت إلي غدا أحوج منك أمس ، فاعرف إحساني ، واستبق مودتي لغد ، ولا تقل مثل هذا فإني لم أزل لك ناصحا .

            تأمير ابن عباس وتولية زياد الخراج

            قالوا : ثم دخل علي البصرة يوم الاثنين ، فبايعه أهلها على راياتهم ، حتى الجرحى والمستأمنة .

            وجاءه عبد الرحمن بن أبي بكرة الثقفي ، فبايعه فقال له علي : أين المريض - يعني أباه ؟ فقال : إنه والله مريض يا أمير المؤمنين ، وإنه على مسرتك لحريص . فقال : امش أمامي ، فمضى إليه فعاده ، واعتذر إليه أبو بكرة فعذره ، وعرض عليه البصرة فامتنع وقال : رجل من أهلك يسكن إليه الناس . وأشار عليه بابن عباس فولاه على البصرة ، وجعل معه زياد بن أبيه على الخراج وبيت المال ، وأمر ابن عباس أن يسمع من زياد وكان زياد معتزلا .

            دخول علي على عائشة في دار إقامتها رضي الله عنهما

            ثم جاء علي إلى الدار التي فيها أم المؤمنين عائشة ، فاستأذن ودخل فسلم عليها ورحبت به ، وإذا النساء في دار بني خلف يبكين على من قتل منهم ; عبد الله وعثمان ابنا خلف ، فعبد الله قتل مع عائشة ، وعثمان قتل مع علي ، فلما دخل علي قالت له صفية امرأة عبد الله أم طلحة الطلحات : أيتم الله منك أولادك كما أيتمت أولادي . فلم يرد عليها علي شيئا ، فلما خرج أعادت عليه المقالة أيضا ، فسكت فقال له رجل : يا أمير المؤمنين ، أتسكت عن هذه المرأة وهي تقول ما تسمع ؟ فقال : ويحك ! إنا أمرنا أن نكف عن النساء وهن مشركات ، أفلا نكف عنهن وهن مسلمات ؟ ! فقال له رجل : يا أمير المؤمنين إن على الباب رجلين ينالان من عائشة . فأمر علي القعقاع بن عمرو أن يجلد كل واحد منهما مائة ، وأن يخرجهما من ثيابهما .

            وقد سألت عائشة عمن قتل معها من المسلمين ومن قتل من عسكر علي ، فجعلت كلما ذكر لها واحد ترحمت عليه ودعت له .

            تجهيز علي عائشة رضي الله عنهما من البصرة

            ولما أرادت أم المؤمنين عائشة الخروج من البصرة بعث إليها علي ، رضي الله عنه ، بكل ما ينبغي من مركب وزاد ومتاع وغير ذلك ، وأذن لمن نجا ممن جاء في جيشها أن يرجع معها ، إلا أن يحب المقام ، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات . وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر ، فلما كان اليوم الذي ارتحلت فيه ، جاء علي فوقف على الباب وحضر الناس معه وخرجت من الدار في الهودج ، فودعت الناس ودعت لهم وقالت : يا بني لا يعتب بعضنا على بعض ، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها ، وإنه على معتبتي لمن الأخيار . فقال علي : صدقت والله ما كان بيني وبينها إلا ذاك وإنها لزوجة نبيكم ، صلى الله عليه وسلم ، في الدنيا والآخرة ، وسار علي معها مودعا ومشيعا أميالا وسرح بنيه معها بقية ذلك اليوم - وكان يوم السبت مستهل رجب سنة ست وثلاثين - وقصدت في مسيرها ذلك إلى مكة ، فأقامت بها إلى أن حجت عامها ذلك ، ثم رجعت إلى المدينة ، رضي الله عنها

            وأما مروان بن الحكم فإنه لما فر استجار بمالك بن مسمع فأجاره ووفى له ، ولهذا كان بنو مروان يكرمون مالكا ويشرفونه . ويقال : إنه نزل دار بني خلف فلما خرجت عائشة ، خرج معها ، فلما سارت هي إلى مكة سار هو إلى المدينة علم من بين مكة والمدينة والبصرة بوقعة الجمل يوم الوقعة

            قالوا : وقد علم من بين مكة والمدينة والبصرة بالوقعة يوم الوقعة ، وذلك مما كانت النسور تخطفه من الأيدي والأقدام فيسقط منها هنالك ، حتى إن أهل المدينة علموا بذلك يوم الجمل قبل أن تغرب الشمس ، وذلك أن نسرا مر بهم ومعه شيء فسقط منه فإذا هو كف فيه خاتم نقشه : عبد الرحمن بن عتاب .

            ذكر قصد الخوارج سجستان

            في هذه السنة بعد الفراغ من وقعة الجمل خرج حسكة بن عتاب الحبطي ، وعمران بن الفضيل البرجمي في صعاليك من العرب حتى نزلوا زالق من سجستان ، وقد نكث أهلها ، فأصابوا منها مالا ، ثم أتوا زرنج وقد خافهم مرزبانها فصالحهم ودخلوها ، فقال الراجز :


            بشر سجستان بجوع وحرب بابن الفضيل وصعاليك العرب     لا فضة تغنيهم ولا ذهب


            فبعث علي عبد الرحمن بن جزء الطائي ، فقتله حسكة ، فكتب علي إلى عبد الله بن العباس يأمره أن يولي سجستان رجلا ويسيره إليها في أربعة آلاف ، فوجه ربعي بن كاس العنبري ، ومعه الحصين بن أبي الحر العنبري ، فلما ورد سجستان قاتلهم حسكة وقتلوه ، وضبط ربعي البلاد ، وكان فيروز حصين ينسب إلى الحصين بن أبي الحر هذا ، وهو من سجستان . تولية علي قيس بن سعد نيابة الديار المصرية

            وفي هذه السنة أعني سنة ست وثلاثين ، ولى علي بن أبي طالب أمير المؤمنين نيابة الديار المصرية لقيس بن سعد بن عبادة ، وكان على نيابتها في أيام عثمان عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فلما توجه أولئك الأحزاب من خوارج المصريين إلى عثمان ليقتلوه وكان الذي جهزهم إليه مع عبد الله بن سبأ - المعروف بابن السوداء - محمد بن أبي حذيفة بن عتبة ، وكان لما قتل أبوه باليمامة قد أوصى به إلى عثمان ، فكفله ورباه في حجره ومنزله ، وأحسن إليه إحسانا كثيرا ، ونشأ في عبادة وزهادة ، وسأل من عثمان أن يوليه عملا ، فقال له : متى ما صرت أهلا لذلك وليتك . فتعتب في نفسه على عثمان ، فسأل من عثمان أن يخرج إلى الغزو فأذن له ، فقصد الديار المصرية وحضر مع أميرها عبد الله بن سعد بن أبي سرح غزوة الصواري ، كما قدمنا . وشرع ينتقص عثمان ، رضي الله عنه ، وساعده على ذلك محمد بن أبي بكر الصديق ، فكتب بذلك ابن أبي سرح إلى عثمان يشكوهما إليه ، فلم يعبأ بهما عثمان شيئا ، ولم يزل ذلك دأب محمد بن أبي حذيفة حتى استنفر أولئك إلى عثمان ، فلما بلغه أنهم قد حصروا عثمان ، تغلب على الديار المصرية ، وأخرج منها ابن أبي سرح ، وصلى بالناس فيها ، فلما كان ابن أبي سرح ببعض الطريق جاءه الخبر بقتل عثمان ، فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون . وبلغه أن عليا قد بعث على إمرة مصر قيس بن سعد بن عبادة ، فشمت بمحمد بن أبي حذيفة إذ لم يمتع بملك الديار المصرية سنة . وسار عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى الشام إلى معاوية ، فأخبره بما كان من أمره بديار مصر ، وأن محمد بن أبي حذيفة قد استحوذ عليها ، فسار معاوية وعمرو بن العاص إليه ليخرجاه منها ; لأنه من أكبر الأعوان على قتل عثمان ، مع أنه كان قد رباه وكفله وأحسن إليه ، فعالجا دخول مصر فلم يقدرا ، فلم يزالا يخدعانه حتى خرج إلى العريش في ألف رجل فتحصن بها ، وجاءه عمرو بن العاص فنصب عليه المنجنيق حتى نزل في ثلاثين من أصحابه فقتلوا .

            ذكره محمد بن جرير

            دخول قيس إلى مصر ومبايعة أهل مصر لعلي

            ثم سار إلى مصر قيس بن سعد بولاية من علي ، فدخلها في سبعة نفر ، فرقي المنبر وقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين ، سلام عليكم ، فإني أحمد الله إليكم كثيرا الذي لا إله إلا هو ، أما بعد ، فإن الله بحسن صنيعه وتقديره وتدبيره اختار الإسلام دينا لنفسه وملائكته ورسله ، وبعث به الرسل إلى عباده ، وخص به من انتخب من خلقه ، فكان مما أكرم الله به هذه الأمة وخصهم به من الفضيلة أن بعث محمدا ، صلى الله عليه وسلم ، يعلمهم الكتاب والحكمة والفرائض والسنة ; لكيما يهتدوا ، وجمعهم لكيلا يتفرقوا ، وزكاهم لكي يتطهروا ، ووفقهم لكيلا يجوروا ، فلما قضى من ذلك ما عليه قبضه الله إليه ، صلوات الله وسلامه عليه وبركاته ورحمته ، ثم إن المسلمين استخلفوا بعده أميرين صالحين ، عملا بالكتاب ، وأحسنا السيرة ولم يعدوا السنة ، ثم توفاهما الله تعالى ، فرحمهما الله ، ثم ولى بعدهما وال أحدث أحداثا ، فوجدت الأمة عليه مقالا فقالوا ، ثم نقموا عليه فغيروا ، ثم جاءوني فبايعوني ، فأستهدي الله بهداه ، وأستعينه على التقوى ، ألا وإن لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة رسول الله ، والقيام عليكم بحقه ، والنصح لكم بالغيب - والله المستعان وحسبنا الله ونعم الوكيل - وقد بعثت إليكم قيس بن سعد بن عبادة ، فوازروه وكانفوه وأعينوه على الحق ، وقد أمرته بالإحسان إلى محسنكم ، والشدة على مريبكم ، والرفق بعوامكم وخواصكم ، وهو ممن أرضى هديه وأرجو صلاحه ونصيحته ، أسأل الله لنا ولكم عملا زاكيا ، وثوابا جزيلا ، ورحمة واسعة ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

            وكتب عبيد الله بن أبي رافع في صفر سنة ست وثلاثين .

            قال : ثم قام قيس بن سعد فخطب الناس ودعاهم إلى البيعة لعلي ، فقام الناس فبايعوه ، واستقامت له طاعة بلاد مصر سوى قرية منها يقال لها : خربتا . فيها أناس قد أعظموا قتل عثمان ، وكانوا سادة الناس ووجوههم ، وكانوا في نحو من عشرة آلاف - منهم بسر بن أبي أرطاة ، ومسلمة بن مخلد ، ومعاوية بن حديج ، وجماعة من الأكابر - وعليهم رجل يقال له : يزيد بن الحارث المدلجي . وبعثوا إلى قيس بن سعد فوادعهم ، وكذلك مسلمة بن مخلد الأنصاري تأخر عن البيعة فتركه قيس ووادعه .

            مطالبة معاوية قيس بأخذ دم عثمان رضي الله عنهم

            ثم كتب معاوية بن أبي سفيان بعد أن استوثق له أمر الشام بحذافيره إلى أقصى بلاد الروم والسواحل - وجزيرة قبرس أيضا تحت حكمه يأتيه حملها - وبعض بلاد الجزيرة ; كالرها وحران وقرقيسياء وغيرها ، وقد أتاه الذين هربوا يوم الجمل من العثمانية ، وقد أراد الأشتر انتزاع هذه البلاد من نواب معاوية ، فبعث إليه عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ففر منه الأشتر وهرب ، واستقر أمر معاوية على تلك البلاد ، فلما استوسقت له البلاد كما ذكرنا ، كتب إلى قيس بن سعد يدعوه إلى القيام بطلب دم عثمان ، وأن يكون مؤازرا له على ما هو بصدده من القيام في ذلك ، ووعده أن يكون نائبه على العراقين إذا تم له الأمر ما دام سلطانا .

            فلما بلغه الكتاب - وكان قيس رجلا حازما - لم يخالفه ولم يوافقه ، بل بعث يلاطف معه الأمر ; وذلك لبعده عن علي وقربه من بلاد الشام وما مع معاوية من الجنود ، فسالمه قيس وتاركه ولم يوافقه على ما دعاه إليه ، ولا خالفه عليه . فكتب معاوية إليه : إنه لا يسعك معي تسويفك بي ، وخديعتك لي ، ولا بد أن أعلم أنك سلم لي أو عدو - وكان معاوية حازما أيضا . فكتب إليه - قيس لما صمم عليه : إني مع علي ; إذ هو أحق بالأمر منك . فلما بلغ ذلك معاوية ، يئس منه ورجع عنه .

            مطالبة علي بغزو أهل خربتا

            ثم أشاع بعض أهل الشام أن قيسا يكاتبهم في الباطن ويمالئهم على أهل العراق . وروى ابن جرير أنه جاءهم من جهته كتاب مزور بمبايعة قيس معاوية . فالله أعلم بصحته .

            فلما جاء الكتاب إلى علي اتهمه ، وكتب إليه أن يغزو أهل خربتا الذين تخلفوا عن البيعة ، فبعث يعتذر إليه بأنهم كثير عددهم ، وهم وجوه الناس ، وكتب إليه : إن كنت إنما أمرتني بهذا لتختبرني ; لأنك اتهمتني في طاعتك ، فابعث على عملك بمصر غيري . فبعث علي الأشتر النخعي ، فسار إليها فلما بلغ القلزم شرب شربة من عسل فكان فيها حتفه . فبلغ ذلك أهل الشام فقالوا : إن لله جندا من عسل .

            تولية علي محمد بن أبي بكر على ديار مصر

            فلما بلغ عليا مهلك الأشتر ، بعث محمد بن أبي بكر على إمرة مصر ، وقد قيل - وهو الأصح - : إنه إنما ولاه مصر بعد قيس بن سعد فارتحل قيس إلى المدينة ، ثم ركب هو وسهل بن حنيف إلى علي فاعتذر إليه قيس بن سعد فعذره علي ، وشهدا معه صفين ، كما سنذكره . فلم يزل محمد بن أبي بكر قائم الأمر مهنيا بالديار المصرية ، حتى كانت وقعة صفين ، وبلغ أهل مصر صبر معاوية ومن معه من أهل الشام في قتال أهل العراق ، وصاروا إلى التحكيم ، فعند ذلك طمع أهل مصر في محمد بن أبي بكر ، واجترءوا عليه وبارزوه بالعداوة ، فكان من أمره ما سنذكره .

            ذكر قدوم عمرو بن العاص على معاوية ومتابعته له

            قيل : كان عمرو بن العاص قد سار عن المدينة ، قبل أن يقتل عثمان ، نحو فلسطين .

            وسبب ذلك أنه لما أحيط بعثمان قال : يا أهل المدينة لا يقيم أحد فيدركه قتل هذا الرجل إلا ضربه الله بذل ، من لم يستطع نصره فليهرب . فسار ، وقيل غير ذلك - وقد تقدم - ، وسار معه ابناه عبد الله ومحمد ، فسكن فلسطين ، فمر به راكب من المدينة ، فقال له عمرو : ما اسمك ؟ قال : حصيرة . قال عمرو : حصر الرجل ! فما الخبر ؟ قال : تركت عثمان محصورا . ثم مر به راكب آخر بعد أيام فقال له عمرو : ما اسمك ؟ قال : قتال . قال : قتل الرجل ! فما الخبر ؟ قال قتل عثمان ، ولم يكن شيء إلى أن سرت . ثم مر به راكب من المدينة ، فقال له عمرو : ما اسمك ؟ قال : حرب . قال عمرو : يكون حرب ، وقال له : ما الخبر ؟ فقال : بايع الناس عليا . فقال سلم بن زنباع : يا معشر العرب كان بينكم وبين العرب باب فكسر ، فاتخذوا بابا غيره . فقال عمرو : ذلك الذي نريده . ثم ارتحل عمرو راجلا معه ابناه يبكي كما تبكي المرأة وهو يقول : واعثماناه ! أنعي الحياء والدين ! حتى قدم دمشق ، وكان قد علم الذي يكون فعمل عليه ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد بعثه إلى عمان ، فسمع من حبر هناك شيئا عرف مصداقه ، فسأله عن وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن يكون بعده ، فأخبره بأبي بكر وأن مدته قصيرة ، ثم يأتي بعده رجل من قومه مثله تطول مدته ، ويقتل غيلة ، ثم يلي بعده رجل من قومه تطول مدته ، ويقتل عن ملإ ، قال : ذلك أشد ، ثم يلي بعده رجل من قومه ينتشر الناس عليه ، ويكون على رأسه حرب شديدة ، ثم يقتل قبل أن يجتمع الناس عليه ، ثم يلي بعده أمير الأرض المقدسة ، فيطول ملكه ، وتجتمع عليه أهل تلك الفرقة ، ثم يموت .

            وقيل : إن عمرا لما بلغه قتل عثمان قال : أنا أبو عبد الله ، أنا قتلته ، وأنا بوادي السباع ، إن يل هذا الأمر طلحة فهو فتى العرب سيبا ، وإن يله ابن أبي طالب فهو أكره من يليه إلي . فبلغه بيعة علي ، فاشتد عليه ، وأقام ينتظر ما يصنع الناس ، فأتاه مسير عائشة ، وطلحة ، والزبير ، فأقام ينتظر ما يصنعون ، فأتاه الخبر بوقعة الجمل ، فأرتج عليه أمره ، فسمع أن معاوية بالشام لا يبايع عليا ، وأنه يعظم شأن عثمان ، وكان معاوية أحب إليه من علي ، فدعا ابنيه عبد الله ومحمدا فاستشارهما وقال : ما تريان ؟ أما علي فلا خير عنده ، وهو يدل بسابقته ، وهو غير مشركي في شيء من أمره . فقال له ابنه عبد الله : توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وهم عنك راضون ، فأرى أن تكف يدك وتجلس في بيتك حتى يجتمع الناس [ على إمام فتبايعه ] . وقال له ابنه محمد : أنت ناب من أنياب العرب ولا أرى أن [ يجتمع هذا الأمر ] وليس لك فيه صوت . فقال عمرو : أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو خير لي في آخرتي وأسلم لي في ديني ، وأما أنت يا محمد فأمرتني بما هو خير لي في دنياي ، وشر لي في آخرتي . ثم خرج ومعه ابناه حتى قدم على معاوية .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية