الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر خروج الخوارج

            سبب خروج الخوارج عن علي رضي الله عنه

            وذلك أن الأشعث بن قيس مر على ملأ من بني تميم ، فقرأ عليهم الكتاب ، فقام إليه عروة ابن أدية - وهي أمه ، وهو عروة بن حدير من بني ربيعة بن حنظلة ، وهو أخو أبي بلال مرداس بن حدير - فقال : أتحكمون في دين الله الرجال ؟ ثم ضرب بسيفه عجز دابة الأشعث ، فغضب الأشعث وقومه ، وجاء الأحنف بن قيس وجماعة من رؤساء بني تميم يعتذرون إلى الأشعث من ذلك . قال الهيثم بن عدي والخوارج يزعمون أن أول من حكم عبد الله بن وهب الراسبي ، والصحيح الأول . وقد أخذ هذه الكلمة من هذا الرجل طوائف من أصحاب علي من القراء وقالوا : إن الحكم إلا لله . فسموا المحكمية . وتفرق الناس إلى بلادهم من صفين ، فرجع علي إلى الكوفة على طريق هيت ، ورجع معاوية إلى الشام بأصحابه ، فلما دخل علي الكوفة سمع رجلا يقول : ذهب علي ورجع في غير شيء . فقال علي : للذين فارقناهم آنفا خير من هؤلاء . ثم أنشأ يقول :


            أخوك الذي إن أجرضتك ملمة من الدهر لم يبرح لبثك واجما     وليس أخوك بالذي إن تشعبت
            عليك الأمور ظل يلحاك لائما

            ثم مضى فجعل يذكر الله حتى دخل قصر الإمارة من الكوفة ، ولما كان قد قرب من دخول الكوفة انخزل من جيشه قريب من اثني عشر ألفا وهم الخوارج ، وأبوا أن يساكنوه في بلده ، ونزلوا بمكان يقال له : حروراء . وأنكروا عليه أشياء فيما يزعمون أنه ارتكبها ، فبعث إليهم علي ، رضي الله عنه ، عبد الله بن عباس فناظرهم ، فرجع أكثرهم وبقي بقيتهم ، فقاتلهم علي وأصحابه ، كما سيأتي بيانه وتفصيله قريبا إن شاء الله تعالى . والمقصود أن هؤلاء الخوارج هم المشار إليهم في الحديث المتفق عليه أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : تمرق مارقة على حين فرقة من الناس - وفي رواية : " من المسلمين " . وفي رواية : " من أمتي " - " فيقتلها أولى الطائفتين بالحق " . وعن أبي سعيد أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس ، سيماهم التحليق ، هم شر الخلق - أو من شر الخلق - يقتلهم أدنى الطائفتين من الحق . قال أبو سعيد : وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق .

            فهذا الحديث من دلائل النبوة ; لأنه قد وقع الأمر طبق ما أخبر الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، وفيه الحكم بإسلام الطائفتين ; أهل الشام وأهل العراق ، لا كما يزعمه فرقة الرافضة ، أهل الجهل والجور ، من تكفيرهم أهل الشام . وفيه أن أصحاب علي أدنى الطائفتين إلى الحق ، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة ، أن عليا هو المصيب وإن كان معاوية مجتهدا في قتاله له وقد أخطأ ، وهو مأجور إن شاء الله ، ولكن عليا هو الإمام المصيب إن شاء الله تعالى ، فله أجران كما ثبت في " صحيح البخاري " ، من حديث عمرو بن العاص ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية