الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

            إبراهيم القبطي

            إبراهيم القبطي ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يكنى أبا رافع :

            شهد فتح مصر واختط بها ، وروى عنه من أهلها علي بن رباح ، وصار أبو رافع بعد ذلك إلى علي بن أبي طالب ، فولاه بيت مال الكوفة . وتوفي بالكوفة في هذه السنة ، رضي الله عنه .

            الأشعث بن قيس بن معديكرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة

            الأشعث بن قيس بن معديكرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة ، أبو محمد :

            قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كندة ، ثم رجع إلى اليمن ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد فأخذ وحمل إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه مقيدا ، فأسلم ومن عليه وزوجه أخته .

            وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشهد مع سعد قتال الفرس بالعراق ، وكان على راية كندة بصفين مع علي رضي الله عنه ، وحضر قتال الخوارج بالنهروان ، وورد المدائن ثم عاد إلى الكوفة فأقام بها حتى مات في الوقت الذي صالح فيه الحسن معاوية ، وتوفي ابن ثلاث وستين سنة .

            بشير بن عبد المنذر

            بشير بن عبد المنذر ، أو لبابة :

            رده رسول الله صلى الله عليه وسلم من الروحاء حين خرج إلى بدر ، واستعمله على المدينة وضرب له بسهمه وأجره ، فكان كمن شهدها ، وشهد أحدا ، واستخلفه على المدينة حين خرج إلى غزاة السويق ، وكانت معه راية بني عمرو بن عوف في غزاة الفتح ، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع المشاهد ، ولما استشاروه ببني قريظة أشار إليهم أنه الذبح ، ثم ندم فارتبط إلى أسطوانة حتى تاب الله عليه .

            تميم بن أوس بن خارجة بن سويد الداري

            تميم بن أوس بن خارجة بن سويد الداري ، ويكنى أبا رقية :

            وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جماعة الداريين عند منصرفه من تبوك ، فأقاموا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

            عن خالد بن سعيد ، قال: قال تميم الداري : كنت بالشام حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت إلى بعض حاجتي ، فأدركني الليل ، فقلت: أنا في جوار عظيم هذا الوادي الليلة . قال: فلما أخذت مضجعي إذ مناد ينادي لا أراه: عذ بالله فإن الجن لا تجير أحدا على الله ، فقلت: ما تقول؟ قال: قد خرج رسول الله الأمين وصلينا خلفه بالحجون وأسلمنا واتبعناه ووهن كيد الجن ورميت بالشهب ، وانطلق إلى محمد فأسلم ، فلما أصبحت ذهبت إلى دير أيوب فسألت راهبا به وأخبرته الخبر ، فقال: قد صدقوك ، نجده قد خرج من الحرم وهو خير الأنبياء فلا تسبق إليه ، قال: فتكلفت الشخوص حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلمت .

            وعن أبي قلابة ، قال: كان تميم الداري يختم القرآن في سبع ليال .

            قال علماء السير: استأذن تميم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقص على الناس ، فأذن له ، فلما قتل عثمان رضي الله عنه تحول إلى الشام .

            الحارث بن خزمة بن عدي بن أبي بن غنم

            الحارث بن خزمة بن عدي بن أبي بن غنم ، أبو بشير :

            شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي في هذه السنة ، وهو ابن سبع وستين سنة .

            خارجة بن حذافة بن غانم

            خارجة بن حذافة بن غانم :

            شهد الفتح بمصر ، واختط بها ، وكان أمير المدد الذين أمد بهم عمر بن الخطاب . وكان على شرطة مصر في إمرة عمرو بن العاص لمعاوية ، قتله خارجي بمصر في هذه السنة وهو يظن أنه عمرو بن العاص .

            خوات بن جبير

            خوات بن جبير ، أبو عبد الله ، وقيل أبو صالح الأنصاري المديني:

            وهو صاحب ذات النحيين في الجاهلية التي ضرب بها المثل ، فقيل: "أشغل من ذات النحيين" .

            أسلم خوات وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم [إلى بدر ] ، فأصابه بالروحاء حجر ، فكسر ، فرده النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وضرب له بأجره وبسهمه فكان كمن شهدها .

            وذكر البخاري في تاريخه: عن ابن عيينة أنه شهد بدرا .

            وقد شهد أحدا والمشاهد بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

            فأما قصة ذات النحيين:

            عن عثمان بن واقد ، قال: قال خوات بن جبير: كنت صاحب ذات النحيين في الجاهلية - والنحي الزق الصغير - وإني أتيت سوق عكاظ فإذا أنا بجارية معها نحيان من سمن كأنها فلقة قمر ، فقلت لها: من أنت؟ قالت:

            أنا سلمى بنت يعار الخثعمية ، فقلت: لعل سمنك هذا مشوبا؟ فقالت: سبحان الله ، أو تشيب الحرة؟ فقلت لها: انزلي إلى بطن الوادي لأذوق سمنك ، فنزلت فأخذت إحدى النحيين فذقته ، ثم قلت لها: ما هذا بمشوب ، ثم دفعته إليها في يدها مفتوحا ، ثم أخذت الآخر فذقته ثم دفعته إليها في يدها اليسرى ، ثم شددت عليها فقضيت منها حاجتي ، وكرهت أن ترسله ، وكان قوت أهلها ، فذهبت مثلا: "أشغل من ذات النحيين" ثم أسلمت وهاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فبينما أنا في بعض طريق المدينة إذا أنا ببغي من بغايا الجاهلية قد كانت لي خلا فحجبني إسلامي عنها ، ودعتني نفسي إليها ، فلم أزل ألتفت إليها حتى تلقاني جدار بني جذرة ، فسالت الدماء وهشم وجهي ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم على تلك الحالة ، فقال: "مهيم" فأخبرته ، فقال: "فلا تعد ، إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا عجل له عقوبته في الدنيا" .

            ثم مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ليال وأنا جالس مع نسوان من نسوان أهل المدينة تناشدنني وتضاحكنني وتمازحنني ، قال: فعلمت أنه قد رآني ، قال: فمضى ولم يقل شيئا ، فلما أن كان من الغد غدوت عليه ، فلما رآني قال: "يا خوات أما آن لذلك البعير أن يرجع عن شروده" قال: قلت: والله يا رسول الله ما شرد منذ أسلمت ، قال: "صدقت ولكن لا تعد إلى ذلك المجلس فإنه مجلس الشيطان"
            .

            [قال ابن الجوزي رحمه الله]: قد فسر هذا الحديث أبو عبيدة الهروي وقال: عرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصته مع ذات النحيين . قال: وأراد بقوله: "شروده" أنه لما فعل ذلك شرد في الأرض خوفا ، وليس هذا بشيء ، فإنه ما كان ليعيره بشيء كان في الجاهلية ، وإنما لامه على مجالسته النسوان بعد الإسلام . وقد روى ذلك لنا في حديث أبين من هذا .

            عن زيد بن أسلم يحدث أن خوات بن جبير ، قال: نزلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران ، فخرجت من خبائي ، فإذا [أنا] بنسوة يتحدثن فأعجبنني فرجعت ، فاستخرجت حلة لي من عيبتي فلبستها ، ثم جلست إليهن ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبته ، فقال لي: "يا عبد الله ما يجلسك إليهن"؟ قال: فهبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت: يا رسول الله جمل لي شرود أبتغي له قيدا قال: فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعته ، فألقى إلي رداءه ودخل الأراك فقضى حاجته وتوضأ ، ثم جاء فقال: " أبا عبد الله ، ما فعل شراد جملك؟ " قال: فتعجلت إلى المدينة ، فاجتنبت المسجد ومجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما طال ذلك علي تحينت ساعة خلوة للمسجد فجعلت أصلي ،

            فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض حجره فجاء فصلى ركعتين خفيفتين ثم جلس ، وطولت رجاء أن يذهب ويدعني ، فقال: "طول يا أبا عبد الله ما شئت ، فلست بنازح حتى تنصرف" فقلت: والله لأعتذرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبرئن صدره .

            قال: فانصرفت ، فقلت: السلام عليك يا رسول الله ، فقال: "أبا عبد الله ما فعل شراد الجمل؟ " فقلت: يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت ، فقال: "رحمك الله" مرتين أو ثلاثا ، ثم أمسك عني فلم يعد
            .

            توفي خوات بن جبير بالمدينة في هذه السنة وهو ابن أربع وسبعين سنة ، وكان ربعة من الرجال . لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب

            لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب ، أبو عقيل الشاعر :

            كان يقال لأبيه ربيعة المقترين ، لجوده وسخائه ، قدم في وفد فأسلموا ورجعوا إلى بلادهم وذلك بعد وفاة أخيه أربد وعامر بن الطفيل ، ثم هاجر وحسن إسلامه ، ونزل الكوفة في أيام عمر ، وكان من الشعراء المجودين في الجاهلية وفي الإسلام . وقال له المغيرة : أنشدني ما قلت من الشعر في الجاهلية والإسلام ، فقال: قد أبدلني الله بذلك سورة البقرة وآل عمران . وقال أبو عبيدة: لم يقل لبيد في الإسلام إلا بيتا واحدا ، وهو هذا:


            الحمد لله إذ لم يأتني أجلي حتى لبست من الإسلام سربالا

            قال عمرو بن شيبة ، حدثني عبد الله بن محمد بن حكيم ، قال: كان لبيد من أجواد العرب ، وكان قد آلى ألا تهب الصبا إلا أطعم ، وكان له جفنتان يغدى بهما ويراح في كل يوم على أهل مسجد قومه ، فهبت الصبا يوما والوليد بن عقبة على الكوفة ، فصعد الوليد المنبر فخطب الناس ، ثم قال: إن أخاكم لبيد بن ربيعة نذر في الجاهلية ألا تهب الصبا إلا أطعم ، وهذا يوم من أيامه ، وقد هبت الصبا فأعينوه ، وأنا أول من فعل ، ثم نزل عن المنبر ، فأرسل إليه بمائة بكرة ، وكتب إليه بأبيات قالها:


            ما أرى الجزار يشحذ شفرتيه     إذا هبت رياح أبي عقيل
            أشم الأنف أصيد عامري     طويل الباع كالسيف الصقيل

            فقال لابنته: أجيبيه ، فلعمري لقد عشت برهة وما أنحني بجواب شاعر ، فقالت:


            إذا هبت رياح أبي عقيل     دعونا عند هبتها الوليدا
            أشم الأنف أروع عبشميا     أعان على مروءته لبيدا
            بأمثال الهضاب كأن ركبا     عليها من بني حام قعودا
            أبا وهب جزاك الله خيرا     نحرناها وأطعمنا الثريدا
            فعد إن الكريم له معاد     وظني بابن أروى أن تعودا

            فقال لبيد : لقد أحسنت لولا أنك استطعمته ، فقالت: إن الملوك لا تستحي من مسألتهم ، فقال: وأنت في هذا يا بنية أشعر .

            ولما بلغ لبيد سبعا وسبعين سنة ، قال:


            باتت تشكى إلي النفس مجهشة     وقد حملتك سبعا بعد سبعينا
            فإن تراءى ثلاثا تبلغي أملا     وفي البلاد وفاء للثمانينا

            فلما بلغ التسعين ، قال:


            كأني قد جاوزت تسعين بعد ما     خلعت بها عن منكبي ردائيا

            فلما بلغ مائة وعشرا قال:

            أليس في مائة قد عاشها رجل     وفي تكامل عشر بعدها عمر

            فلما جاوزها قال:

            ولقد سئمت من الحياة وطولها     وسؤال هذا الناس كيف لبيد



            أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط

            أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط :

            أسلمت بمكة ، وبايعت قبل الهجرة ، وهي أول من هاجر من النساء بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، هاجرت في هدنة الحديبية .

            وعن ربيعة بن عثمان وقدامة ، قالا: لا نعلم قرشية خرجت من بين أبويها مسلمة مهاجرة إلا أم كلثوم . قالت: كنت أخرج إلى بادية لنا فيها أهلي فأقيم بها الثلاث والأربع ، وهي ناحية التنعيم ، ثم أرجع إلى أهلي فلا ينكرون ذهابي البادية ، حتى أجمعت المسير ، فخرجت يوما من مكة كأني أريد البادية ، فلما رجع من تبعني إذا رجل من خزاعة [قال: أين تريدين؟ قلت: وما مسألتك ومن أنت؟ قال رجل من خزاعة ] اطمأننت إليه لدخول خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده - فقلت: إني امرأة من قريش ، وإني أريد اللحوق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا علم لي بالطريق ، فقال: أنا صاحبك حتى أوردك المدينة ، ثم جاءني ببعير فركبته فكان يقود بي البعير ، ولا والله ما يكلمني بكلمة حتى إذا أناخ البعير تنحى عني ، فإذا نزلت جاء إلى البعير فقيده بالشجر ، وتنحى إلى فيء شجرة حتى إذا كان الرواح خدج البعير فقربه وولى عني ، فإذا ركبت أخذ برأسه فلم يلتفت وراءه حتى أنزل ، فلم يزل كذلك حتى قدمنا المدينة ، فجزاه الله من صاحب خيرا .

            فدخلت على أم سلمة وأنا متنقبة ، فما عرفتني حتى كشفت النقاب فالتزمتني وقالت: هاجرت إلى الله وإلى رسوله؟ قلت: نعم ، وأنا أخاف أن يردني كما رد أبا جندل وأبا بصير ، وحال الرجال ليس كحال النساء ، والقوم مصبحي قد طالت غيبتي عنهم اليوم خمسة أيام منذ فارقتهم ، وهم يتحينون قدر ما كنت أغيب ثم يطلبوني فإن لم يجدوني رحلوا .

            فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة ، فأخبرته خبر أم كلثوم ، فرحب بها وسهل ، فقلت: إني فررت إليك بديني فامنعني ولا تردني إليهم يفتنوني ويعذبوني ولا صبر لي على العذاب ، إنما أنا امرأة وضعف النساء على ما تعرف ، وقد رأيتك رددت رجلين حتى امتنع أحدهما ، فقال: "إن الله عز وجل نقض العهد في النساء" وحكم في ذلك بحكم رضوه كلهم وكان يرد النساء ، فقدم أخواها الوليد وعمارة من الغد ، فقالا: أوف لنا بشرطنا وما عاهدتنا عليه ، فقال: "قد نقض الله ذلك" فانصرفا .

            قال ابن الجوزي: ومعنى نقض العهد في النساء ، نزول الامتحان في حقهن ، وذلك أنه كان يقول للمرأة: والله ما أخرجك إلا حب الله ورسوله والإسلام ، ولا خرجت لزوج ولا مال ، فإذا قالت ذلك تركت ولم ترد .

            وكانت أم كلثوم عذراء ، فتزوجها زيد بن حارثة ، فلما قتل عنها ، تزوجها الزبير فولدت له ، ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له ، ثم تزوجها عمرو بن العاص فماتت عنده . شرحبيل بن السمط الكندي وجهجاه الغفاري

            وفيها مات شرحبيل بن السمط الكندي ، وهو من أصحاب معاوية . قيل له صحبة .

            وفي أول خلافة علي مات جهجاه الغفاري له صحبة . قرظة بن كعب الأنصاري وحسان بن ثابت

            وفي خلافة علي مات قرظة بن كعب الأنصاري بالكوفة ، ( وقيل : بل مات في إمارة المغيرة على الكوفة لمعاوية ) ، شهد أحدا وغيرها وشهد سائر المشاهد مع علي . وفيها مات حسان بن ثابت .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية