الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ولاية بسر على البصرة

            ولي بسر بن أبي أرطاة البصرة .

            وكان السبب في ذلك أن الحسن لما صالح معاوية أول سنة إحدى وأربعين وثب حمران بن أبان على البصرة فأخذها وغلب عليها ، فبعث إليه معاوية بسر بن أبي أرطاة وأمره بقتل بني زياد بن أبيه ، وكان زياد على فارس قد أرسله إليها علي بن أبي طالب ، فلما قدم بسر البصرة خطب على منبرها وشتم عليا ثم قال : نشدت الله رجلا يعلم أني صادق إلا صدقني أو كاذب إلا كذبني . فقال أبو بكرة : اللهم إنا لا نعلمك إلا كاذبا . قال : فأمر به فخنق . فقام أبو لؤلؤة الضبي فرمى بنفسه عليه فمنعه . وأقطعه أبو بكرة مائة جريب ، وقيل لأبي بكرة : ما حملك على ذلك ؟ فقال : يناشدنا بالله ثم لا نصدقه ؟ .

            فأقام بسر بالبصرة ستة أشهر . وأرسل معاوية إلى زياد : إن في يدك مالا من مال الله فأد ما عندك منه .

            فكتب إليه زياد : إنه لم يبق عندي شيء ، ولقد صرفت ما كان عندي في وجهه ، واستودعت بعضه لنازلة إن نزلت ، وحملت ما فضل إلى أمير المؤمنين رحمة الله عليه . فكتب إليه معاوية :

            أن أقبل ننظر فيما وليت ، فإن استقام بيننا أمر وإلا رجعت إلى مأمنك . فامتنع ، فأخذ بسر أولاد زياد الأكابر ، منهم : عبد الرحمن وعبيد الله وعباد ، وكتب إلى زياد : لتقدمن على أمير المؤمنين أو لأقتلن بنيك . فكتب إليه زياد : لست بارحا من مكاني حتى يحكم الله بيني وبين صاحبك ، وإن قتلت ولدي فالمصير إلى الله ومن ورائنا الحساب ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون . فأراد بسر قتلهم فأتاه أبو بكرة فقال :

            قد أخذت ولد أخي بلا ذنب ، وقد صالح الحسن معاوية على ما أصاب أصحاب علي حيث كانوا ، فليس [ لك ] عليهم ولا على أبيهم سبيل . وأجله أياما حتى يأتيه بكتاب معاوية ، فركب أبو بكرة إلى معاوية ، وهو بالكوفة فلما أتاه قال له :

            يا معاوية إن الناس لم يعطوك بيعتهم على قتل الأطفال ! قال : وما ذاك يا أبا بكرة ؟ قال : بسر يريد قتل بني أخي زياد . فكتب له بتخليتهم . وقد قال معاوية لأبى بكرة : هل من عهد تعهده إلينا ؟ قال : نعم ، أعهد إليك يا أمير المؤمنين أن تنظر لنفسك ورعيتك وتعمل صالحا ، فإنك قد تقلدت عظيما ، خلافة الله في خلقه ، فاتق الله ، فإن لك غاية لا تعدوها ، ومن ورائك طالب حثيث ، وأوشك أن تبلغ المدى ، فيلحق الطالب ، فتصير إلى من يسألك عما كنت فيه ، وهو أعلم به منك ، وإنما هي محاسبة وتوقيف ، فلا تؤثرن على رضا الله شيئا . فأخذ كتابه إلى بسر بالكف عن أولاد زياد ، وعاد فوصل البصرة يوم الميعاد وقد أخرج بسر أولاد زياد مع طلوع الشمس ينتظر بهم الغروب ليقتلهم ، واجتمع الناس لذلك وهم ينتظرون أبا بكرة إذ رفع لهم على نجيب أو برذون يكده ، فوقف عليه ونزل عنه وألاح بثوبه وكبر وكبر الناس معه ، فأقبل يسعى على رجليه فأدرك بسرا قبل أن يقتلهم ، فدفع إليه كتاب معاوية ، فأطلقهم .

            وقد كان معاوية كتب إلى زياد حين قتل علي يتهدده ، فقام خطيبا فقال : العجب من ابن آكلة الأكباد ، وكهف النفاق ، ورئيس الأحزاب يتهددني ، وبيني وبينه ( ابنا ) عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني ابن عباس والحسن بن علي ، في سبعين ألفا واضعي سيوفهم على عواتقهم ! أما والله لئن خلص إلي ليجدني أحمز ضرابا بالسيف . فلما صالح الحسن معاوية وقدم معاوية الكوفة تحصن زياد في القلعة التي يقال لها قلعة زياد .

            ( قول من قال هذا : إن زيادا عنى ابن عباس ، وهم لأن ابن عباس فارق عليا في حياته ) .

            وقيل : إن معاوية أرسل هذا إلى زياد في حياة علي ، فقال زياد هذه المقالة وعنى بها عليا . وكتب زياد إلى علي يخبره بما كتب إليه معاوية ، فأجابه بما هو مشهور .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية