أما عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي السهمي أبو عبد الله ، ويقال : أبو محمد . أحد رؤساء قريش في الجاهلية ، وهو الذي أرسلوه إلى النجاشي ليرد عليهم من هاجر من المسلمين إلى بلاده ، فلم يجبهم إلى ذلك لعدله ، ووعظ عمرو بن العاص في ذلك ، فيقال : إنه أسلم على يديه . والصحيح أنه إنما أسلم قبل الفتح بستة أشهر هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة العبدري .
جهاد عمرو بن العاص وفضله قال علماء السير : ، وأمده فيها بثمانين منهم أبو بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة ، ومنها إلى صنم هذيل ، وهو سواع فكسره ، وإلى بني فزارة فصدقهم . بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في وجوه منها غزاة ذات السلاسل
، وفي حصار دمشق حتى فتحت . واستعمله أبو بكر على الشام وأمده بخالد بن الوليد فكان أمير الناس يوم أجنادين ويوم فحل
وعن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " . أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص
وعن ابن أبي مليكة قال : قال طلحة بن عبيد الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن عمرو بن العاص من صالحي قريش " . وفي الحديث الآخر " ابنا العاص مؤمنان " وفي الحديث الآخر " نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله " رووه في فضائل عمرو بن العاص
وبعثه عمر إلى مصر فافتتحها واستنابه عليها ، وأقره عليها عثمان بن عفان أربع سنين ، ثم عزله ، وولى عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فاعتزل عمرو بفلسطين ، وبقي في نفسه من عثمان ، رضي الله عنهما ، فلما قتل عثمان سار إلى معاوية ، فشهد مواقفه كلها بصفين وغيرها ، وكان هو أحد الحكمين ، ثم لما أن استرجع معاوية مصر وانتزعها من يد محمد بن أبي بكر الصديق استعمل عمرو بن العاص عليها ، فلم يزل نائبها إلى أن مات في هذه السنة على المشهور ، وقيل : إنه توفي سنة سبع وأربعين . وقيل : سنة ثمان وأربعين . وقيل : سنة إحدى وخمسين . رحمه الله .
وقد كان معدودا من دهاة العرب وشجعانهم وذوي آرائهم ، وله أمثال حسنة وأشعار جيدة . وقد روي أنه قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل . من شعر عمرو بن العاص ومن شعره :
إذا المرء لم يترك طعاما يحبه ولم ينه قلبا غاويا حيث يمما قضى وطرا منه وغادر سبة
إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما
ذكر وفاته : كان عند الموت يقول : كأن على عنقي جبال رضوى ، وكأن في جوفي الشوك ، وكأن نفسي تخرج من ثقب إبرة ، وأعتق كل مملوك له .
عن محمد بن عبيد أبو عبد الرحمن العتبي ، قال : حدثني أبي ، قال :
دخل ابن عباس على عمرو بن العاص يعوده ، فقال : كيف تجدك يا أبا عبد الله ؟ قال : أجدني قد أفسدت ديني بدنياي ، أصلحت من دنياي قليلا وأفسدت من آخرتي كثيرا ، فوددت أن الذي أفسدت هو الذي أصلحت ، أن الذي أصلحت هو الذي أفسدت ، ولو كان ينجيني ترك ما في يدي لتركته ، ولو كنت أدرك ما أطلب طلبت ، فقد صرت كالمنجنيق بين السماء والأرض ، لا يرقى بيد ، ولا يرقى برجل ، فهو متحير بين الحياة والموت ، ويأمل أن يكون في الموت راحته ، ويخاف مما قدمت يده ، فعظني يا ابن أخي ، فقال : يا أبا عبد الله ، إن شئت أن تبكي بكيت ، فلست تدري متى يقع الأمر وأنت تأمرنا بالرحيل وأنت مقيم ، ولو دعوت دعوة لا تلقي صولها إلى يوم القيامة . قال : فغضب عمرو وقال : تؤنسني من نفسي وتؤنسني من رحمة ربي ، اللهم خذ مني حتى ترضى ، فقال ابن عباس : هيهات يا عبد الله سلفت جديدا وتعطي خلقا ، فقال عمرو : ما لي ولك يا ابن عباس ، ما سرحت كلمة إلى ربي إلا أخذت بغيها ، ثم تمثل عمرو :
كم عائد رجلا وليس يعوده إلا لينظر هل يراه يفرق
. حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت ، فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار ، فجعل ابنه يقول : يا أبتاه ، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا ، أما بشرك بكذا ؟ قال : فأقبل بوجهه فقال : إن أفضل ما تعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، إني قد كنت على أطباق ثلاث : لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ولا أحب إلي من أن يكون استمكنت منه فقتلته فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار ، فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : ابسط يمينك فلأبايعك ، فبسط يمينه فقبضت يدي ، فقال : ما لك يا عمرو ، قلت : أردت أن أشترط ، قال : ماذا ؟ قلت : أن يغفر لي ، قال : "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله ، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها ، وأن الحج يهدم ما كان قبله " وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه ، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه فلو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة ، ثم ولينا أشياء بعد ، فلست أدري ما حالي فيها ، فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار ، فإذا دفنتموني فسنوا علي التراب سنا ، ثم أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي
وفي رواية أنه بعد هذا حول وجهه إلى الجدار وجعل يقول : اللهم أمرتنا فعصينا ، ونهيتنا فما انتهينا ، ولا يسعنا إلا عفوك . وفي رواية أنه وضع يده على موضع الغل من عنقه ، ورفع رأسه إلى السماء ، وقال : اللهم لا قوي فأنتصر ، ولا بريء فأعتذر ، ولا مستكبر بل مستغفر ، لا إله إلا أنت . فلم يزل يرددها حتى مات ، رضي الله عنه محمد بن مسلمة وأما محمد بن مسلمة الأنصاري ، فإنه ; فإنه استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة في قول ، وقيل : استخلفه في قرقرة الكدر . وكان فيمن قتل أسلم على يدي مصعب بن عمير قبل أسيد بن حضير وسعد بن معاذ ، شهد بدرا وما بعدها إلا تبوك اليهودي ، وقيل : إنه الذي قتل مرحبا اليهودي يوم خيبر أيضا . وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على نحو من خمس عشرة سرية ، وكان ممن اعتزل تلك الحروب بالجمل وصفين وغيرهما ، واتخذ سيفا من خشب . وقد ورد في حديث قدمناه أنه أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، وخرج إلى الربذة . وكان من سادات الصحابة ، وكان هو بريد عمر إلى عماله ، وهو الذي شاطرهم عن أمره ، وله وقائع عظيمة وصيانة وأمانة بليغة ، رضي الله عنه ، واستعمله عمر على صدقات جهينة ، وقيل : إنه توفي سنة ست أو سبع وأربعين . وقيل غير ذلك . وقد جاوز السبعين ، وترك بعده عشرة ذكور وست بنات ، وكان أسمر شديد السمرة طويلا أصلع ، رضي الله عنه . كعب بن الأشرف
عبد الله بن سلام ، يكنى أبا يوسف : عبد الله بن سلام
وكان اسمه [الحصين ] ، فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله ، وهو من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم .
عن عبد الله بن سلام قال :
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس نحوه وقالوا : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : وجئت أنظر إليه ، فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، فأول شيء قال : "يا أيها الناس ، أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام " .
في هذه السنة . توفي عبد الله بن سلام بالمدينة
عبد الرحمن بن عسيلة أبو عبد الله الصنابحي عبد الرحمن بن عسيلة ، أبو عبد الله الصنابحي :
أسند عن أبي بكر الصديق ، ومعاذ ، وعبادة في آخرين . وكان عبادة يقول : من سره أن ينظر إلى رجل كأنما رقي به فوق سبع سماوات فعمل على ما رأى فلينظر إلى هذا .