الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وفي هذه السنة توفي زيد بن ثابت الأنصاري أحد كتاب الوحي ، وهو الذي كتب هذا المصحف الإمام الذي بالشام ، عن أمر عثمان بن عفان ، وهو خط جيد قوي جدا فيما رأيته ، وقد كان زيد بن ثابت من أشد الناس ذكاء ، تعلم لسان يهود وكتابهم في خمسة عشر يوما . قال أبو الحسن بن البراء : تعلم الفارسية من رسول كسرى في ثمانية عشر يوما ، وتعلم الحبشية والرومية والقبطية من خدام رسول الله صلى الله عليه وسلم .

            قال الواقدي : وأول مشاهده الخندق ، وهو ابن خمس عشرة سنة . وعن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، قال : قال زيد بن ثابت :

            كانت وقعة بغاث وأنا ابن ست سنين ، وكانت قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين ، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن إحدى عشرة سنة ، وأتي بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : غلام من الخزرج قد قرأ ست عشرة سورة ، فلم أجز في بدر ولا أحد ، وأجزت في الخندق
            .

            وعن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه :

            أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب يهود ، وقال : "إني لا آمنهم أن يبدلوا كتابي " . فقال : فتعلمته في بضع عشر .

            قال ابن سعد : وقال محمد بن عمر كان زيد يكتب كتاب العربية وكتاب العبرانية ، وأول مشهد شهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ، وكان ممن ينقل التراب يومئذ ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أعلمهم بالفرائض زيد " واستعمله عمر على القضاء .

            وعن ابن إسحاق ، أنه سمع مسروقا يقول :

            أتيت المدينة فسألت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا زيد بن ثابت من الراسخين في العلم .

            وعن ابن عباس : أنه أخذ لزيد بن ثابت بالركاب ، فقال : تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : هكذا يفعل بعلمائنا وكبرائنا .

            وعن ثابت بن عبيد ، قال :

            كان زيد بن ثابت من أفكه الناس في بيته ، وأزمته إذا خرج إلى الرجال .

            وعن محمد بن سيرين ، قال :

            خرج زيد بن ثابت يوم الجمعة فاستقبله الناس راجعين ، فدخل دارا ، فقيل له : فقال : من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله .

            وعن زيد بن ثابت ، قال :

            أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة ، فقال : إن القتل قد استحر بقراء القرآن ، وإني أخشى أن يذهب كثيرا من القرآن ، فإني أرى أن يجمع القرآن ، وأنت رجل شاب عاقل لا نتهمك ، وقد كنت تكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، فتتبع القرآن فأجمعه . قال زيد : فوالله لو كلفني نقل جبل أنقله حجرا حجرا ما كان أثقل علي مما أمرني به ، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والعسب والأكتاف وصدور الرجال ، فوجدت آخر سورة التوبة مع خريمة بن ثابت : لقد جاءكم رسول من أنفسكم الآيتين .

            قال علماء السير : أتى خريمة بن ثابت بهاتين الآيتين ، قال زيد : من يشهد معك ، قال : عمر أنا . وكان أبو بكر قد قال : إذا أتاكم أحد بشيء من القرآن تنكرانه فشهد عليه رجلان ، فأثبتاه . ولما نسخ عثمان المصاحف أمر أبي بن كعب أن يملي وزيدا أن يكتب ، وكان عمر رضي الله عنه يستخلف زيدا على المدينة إذا سافر ، ولما حوصر عثمان كان زيد يذب عنه ، ودخل عليه فقال : هذه الأنصار يقولون جئنا لننصر الله مرتين ، فقال عثمان : أما القتال فلا .

            توفي زيد بالمدينة في هذه السنة وهو ابن ستة وخمسين سنة ، ومات قبل أن تصفر الشمس ، فلم يخرج حتى أصبح ، فصلى عليه مروان .

            وقيل : إنه توفي سنة خمس وخمسين . وقيل : سنة إحدى وخمسين . وقال ابن عباس : لقد مات اليوم علم كثير ، وقال أبو هريرة : مات خير هذه الأمة . سلمة بن سلامة بن وقش وفيها مات سلمة بن سلامة بن وقش ، عن سبعين سنة ، وقد شهد بدرا وما بعدها ، ولا عقب له .

            عاصم بن عدي وعاصم بن عدي الأنصاري البلوي ، وكان بدريا ، وقيل : لم يشهدها بل رده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وضرب له بسهمه، وقد استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى بدر على قباء وأهل العالية ، وشهد أحدا وما بعدها ، وتوفي عن خمس عشرة ومائة وقيل غير ذلك، وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ومالك بن الدخشم إلى مسجد الضرار فحرقاه .

            حفصة بنت عمر بن الخطاب وفيها توفيت حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين ، وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت خنيس بن حذافة السهمي ، وهاجرت معه إلى المدينة ، فتوفي عنها بعد بدر ، فلما انقضت عدتها عرضها أبوها على عثمان بعد وفاة زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبى أن يتزوجها ، فعرضها على أبي بكر فلم يرد عليه شيئا ، فما كان عن قريب حتى خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجها ، فعاتب عمر أبا بكر بعد ذلك في ذلك ، فقال له أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد ذكرها ، فما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو تركها لتزوجتها .

            وقد روينا في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها . وفي رواية أن جبريل أمره بمراجعتها ، وقال : إنها صوامة قوامة ، وهي زوجتك في الجنة . وقد أجمع الجمهور أنها توفيت في شعبان من هذه السنة عن ستين سنة . وقيل : إنها توفيت أيام عثمان . والأول أصح . والله أعلم . قيل : ماتت في خلافة عثمان بالمدينة . ثابت بن الضحاك بن خليفة الكلابي وفيها توفي ثابت بن الضحاك بن خليفة الكلابي ، وهو من أصحاب الشجرة ، وهو أخو أبي جبيرة بن الضحاك .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية