وفي هذه السنة توفي زيد بن ثابت الأنصاري أحد كتاب الوحي  ، وهو الذي كتب هذا المصحف الإمام الذي بالشام  ، عن أمر عثمان بن عفان ، وهو خط جيد قوي جدا فيما رأيته ، وقد كان زيد بن ثابت من أشد الناس ذكاء ، تعلم لسان يهود وكتابهم في خمسة عشر يوما   . قال أبو الحسن بن البراء : تعلم الفارسية من رسول كسرى في ثمانية عشر يوما ، وتعلم الحبشية والرومية والقبطية  من خدام رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
قال الواقدي : وأول مشاهده الخندق ، وهو ابن خمس عشرة سنة . وعن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، قال : قال زيد بن ثابت : 
كانت وقعة بغاث وأنا ابن ست سنين ، وكانت قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين ، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن إحدى عشرة سنة ، وأتي بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : غلام من الخزرج قد قرأ ست عشرة سورة ، فلم أجز في بدر ولا أحد ، وأجزت في الخندق  . 
وعن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه : 
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب يهود ، وقال : "إني لا آمنهم أن يبدلوا كتابي " . فقال : فتعلمته في بضع عشر . 
قال ابن سعد : وقال محمد بن عمر كان زيد يكتب كتاب العربية وكتاب العبرانية ، وأول مشهد شهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ، وكان ممن ينقل التراب يومئذ ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أعلمهم بالفرائض زيد " واستعمله عمر على القضاء . 
وعن ابن إسحاق ، أنه سمع مسروقا يقول : 
أتيت المدينة فسألت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا زيد بن ثابت  من الراسخين في العلم . 
وعن ابن عباس : أنه أخذ لزيد بن ثابت بالركاب ، فقال : تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : هكذا يفعل بعلمائنا وكبرائنا  . 
وعن ثابت بن عبيد ، قال : 
كان زيد بن ثابت من أفكه الناس في بيته ، وأزمته إذا خرج إلى الرجال  . 
وعن محمد بن سيرين ، قال : 
خرج زيد بن ثابت يوم الجمعة فاستقبله الناس راجعين ، فدخل دارا ، فقيل له : فقال : من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله  . 
وعن زيد بن ثابت ، قال : 
أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة ، فقال : إن القتل قد استحر بقراء القرآن ، وإني أخشى أن يذهب كثيرا من القرآن ، فإني أرى أن يجمع القرآن ، وأنت رجل شاب عاقل لا نتهمك ، وقد كنت تكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، فتتبع القرآن فأجمعه . قال زيد : فوالله لو كلفني نقل جبل أنقله حجرا حجرا ما كان أثقل علي مما أمرني به ، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والعسب والأكتاف وصدور الرجال ، فوجدت آخر سورة التوبة مع خريمة بن ثابت : لقد جاءكم رسول من أنفسكم  الآيتين . 
قال علماء السير : أتى خريمة بن ثابت بهاتين الآيتين ، قال زيد : من يشهد معك ، قال : عمر أنا . وكان أبو بكر قد قال : إذا أتاكم أحد بشيء من القرآن تنكرانه فشهد عليه رجلان ، فأثبتاه  . ولما نسخ عثمان المصاحف أمر أبي بن كعب أن يملي وزيدا أن يكتب ، وكان عمر رضي الله عنه يستخلف زيدا على المدينة إذا سافر ، ولما حوصر عثمان كان زيد يذب عنه ، ودخل عليه فقال : هذه الأنصار يقولون جئنا لننصر الله مرتين ، فقال عثمان : أما القتال فلا . 
توفي زيد بالمدينة في هذه السنة وهو ابن ستة وخمسين سنة ، ومات قبل أن تصفر الشمس ، فلم يخرج حتى أصبح ، فصلى عليه مروان . 
وقيل : إنه توفي سنة خمس وخمسين . وقيل : سنة إحدى وخمسين . وقال ابن عباس : لقد مات اليوم علم كثير ، وقال أبو هريرة : مات خير هذه الأمة  . سلمة بن سلامة بن وقش وفيها مات سلمة بن سلامة بن وقش ، عن سبعين سنة  ، وقد شهد بدرا وما بعدها ، ولا عقب له . 
عاصم بن عدي وعاصم بن عدي الأنصاري البلوي  ، وكان بدريا ، وقيل : لم يشهدها بل رده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وضرب له بسهمه، وقد استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى بدر على قباء وأهل العالية ، وشهد أحدا وما بعدها ، وتوفي عن خمس عشرة ومائة وقيل غير ذلك، وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ومالك بن الدخشم إلى مسجد الضرار فحرقاه . 
حفصة بنت عمر بن الخطاب وفيها توفيت حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين  ، وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت خنيس بن حذافة السهمي ، وهاجرت معه إلى المدينة ، فتوفي عنها بعد بدر ، فلما انقضت عدتها عرضها أبوها على عثمان  بعد وفاة زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبى أن يتزوجها ، فعرضها على أبي بكر  فلم يرد عليه شيئا ، فما كان عن قريب حتى خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجها ، فعاتب عمر أبا بكر بعد ذلك في ذلك ، فقال له أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد ذكرها ، فما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو تركها لتزوجتها . 
وقد روينا في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها  . وفي رواية أن جبريل أمره بمراجعتها ، وقال : إنها صوامة قوامة ، وهي زوجتك في الجنة  . وقد أجمع الجمهور أنها توفيت في شعبان من هذه السنة عن ستين سنة . وقيل : إنها توفيت أيام عثمان . والأول أصح . والله أعلم . قيل : ماتت في خلافة عثمان بالمدينة . ثابت بن الضحاك بن خليفة الكلابي وفيها توفي ثابت بن الضحاك بن خليفة الكلابي ، وهو من أصحاب الشجرة ، وهو أخو أبي جبيرة بن الضحاك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					