الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            غزوة القسطنطينية

            في سنة تسع وأربعين، وقيل :

            سنة خمسين ، سير معاوية جيشا كثيفا إلى بلاد الروم للغزاة وجعل عليهم سفيان بن عوف وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم ، فتثاقل واعتل ، فأمسك عنه أبوه ، فأصاب الناس في غزاتهم جوع ومرض شديد ، فأنشأ يزيد يقول :


            ما إن أبالي بما لاقت جموعهم بالغزقذونة من حمى ومن موم     إذا اتكأت على الأنماط مرتفقا
            بدير مران عندي أم كلثوم



            وأم كلثوم امرأته ، وهي ابنة عبد الله بن عامر .

            فبلغ معاوية شعره فأقسم عليه ليلحقن بسفيان إلى أرض الروم ليصيبه ما أصاب الناس ، فسار ومعه جمع كثير أضافهم إليه أبوه ، وكان في هذا الجيش ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري وغيرهم وعبد العزيز بن زرارة الكلابي ، فأوغلوا في بلاد الروم حتى بلغوا القسطنطينية ، فاقتتل المسلمون والروم في بعض الأيام واشتدت الحرب بينهم ، فلم يزل عبد العزيز يتعرض للشهادة فلم يقتل ، فأنشأ يقول :


            قد عشت في الدهر أطوارا على طرق     شتى فصادفت منها اللين والبشعا
            كلا بلوت فلا النعماء تبطرني     ولا تجشمت من لأوائها جزعا
            لا يملأ الأمر صدري قبل موقعه     ولا أضيق به ذرعا إذا وقعا



            ثم حمل على من يليه فقتل فيهم وانغمس بينهم ، فشجره الروم برماحهم حتى قتلوه ، رحمه الله ، فبلغ خبر قتله معاوية فقال لأبيه :

            والله هلك فتى العرب ! فقال : ابني أو ابنك ؟ قال : ابنك ، فآجرك الله . فقال :


            فإن يكن الموت أودى به     وأصبح مخ الكلابي زيرا
            فكل فتى شارب كأسه     فإما صغيرا وإما كبيرا



            ثم رجع يزيد والجيش إلى الشام وقد ثبت في " صحيح البخاري " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول جيش يغزون مدينة قيصر مغفور لهم " فكان هذا الجيش أول من غزاها ، وما وصلوا إليها حتى بلغوا الجهد .

            وفيها توفي أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري ، وقيل : لم يمت في هذه الغزوة ، بل بعدها سنة إحدى أو ثنتين أو ثلاث وخمسين . وقد دفن بالقرب من سورها ، فأهلها يستسقون به

            التالي السابق


            الخدمات العلمية