، عليه السلام . وفاة الحسن بن علي بن أبي طالب هو الحسن بن علي بن أبي طالب
أبو محمد القرشي الهاشمي ، ، ولد للنصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة ، فحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بريقه ، وسماه حسنا ، وهو أكبر ولد أبويه ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه حبا شديدا حتى كان يقبل زبيبته وهو صغير ، وربما مص لسانه واعتنقه وداعبه ، وربما جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد في الصلاة فيركب على ظهره ، فيقره على ذلك ويطيل السجود من أجله ، وربما صعد معه إلى المنبر . سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ابن ابنته فاطمة الزهراء وريحانته ، وأشبه خلق الله به في وجهه
وقد ثبت في الحديث أنه ، عليه السلام ، إنما أموالكم وأولادكم فتنة ، إني رأيت هذين يمشيان ويعثران ، فلم أملك أن نزلت إليهما " . ثم قال : " إنكم لمن روح الله ، وإنكم لتبخلون وتجبنون " . بينما هو يخطب إذ رأى الحسن والحسين مقبلين ، فنزل إليهما فاحتضنهما ، وأخذهما معه إلى المنبر ، وقال : " صدق الله
شبه الحسن بن علي بالنبي صلى الله عليه وسلم وحبه له وقد ثبت في " صحيح البخاري " بسنده عن عقبة بن الحارث ، أن أبا بكر صلى بهم العصر - بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليال - ثم خرج هو وعلي يمشيان ، فرأى الحسن يلعب مع الغلمان فاحتمله على عنقه ، وجعل يقول : بأبي بأبي شبه النبي ، ليس شبيها بعلي . قال : وعلي يضحك .
وقال إسماعيل بن أبي خالد ، سمعت أبا جحيفة يقول : وعن ابن أبي مليكة قال : كانت فاطمة تنقز الحسن بن علي ، وتقول : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان الحسن بن علي يشبهه .
يا بأبي شبه النبي ليس شبيها بعلي
وعن علي قال : . وعن أسامة بن زيد قال : الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس ، والحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسفل من ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه ، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ، ثم يضمنا ثم يقول : " اللهم ارحمهما فإني أرحمهما " . وفي رواية " اللهم إني أحبهما فأحبهما " .وعن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحسن بن علي : " اللهم إني أحبه فأحبه ، وأحب من يحبه " . وعن أبي هريرة قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سوق من أسواق المدينة فانصرف وانصرفت معه ، فجاء إلى فناء فاطمة ، فنادى الحسن فقال : " أي لكع ، أي لكع ، أي لكع " . فلم يجبه أحد فانصرف وانصرفت معه ، فجاء إلى فناء عائشة فقعد . قال : فجاء الحسن بن علي . قال أبو هريرة ظننا أن أمه حبسته لتجعل في عنقه السخاب ، فلما دخل التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتزم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : ثلاث مرات . وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أحبه فأحبه ، وأحب من يحبه " . " ، ومن أبغضهما فقد أبغضني " من أحب الحسن والحسين فقد أحبني وقد ورد عن عائشة وأم سلمة أمي المؤمنين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتمل على الحسن والحسين وأمهما وأبيهما ، فقال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " .
وعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " من سره أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة ، فلينظر إلى الحسن بن علي . وعن يعلى بن مرة قال . جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء أحدهما قبل الآخر ، فجعل يده في رقبته ، ثم ضمه إلى إبطه ، ثم جاء الآخر فجعل يده الأخرى في رقبته ، ثم ضمه إلى إبطه ، ثم قبل هذا ، ثم قبل هذا ، ثم قال : " اللهم إني أحبهما فأحبهما " . ثم قال : " أيها الناس ، إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة "
وفي حديث عبد الله بن شداد ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم إحدى صلاتي العشي ، فسجد سجدة أطال فيها السجود ، فلما سلم قال الناس له في ذلك ، قال : " إن ابني - يعني الحسن - ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته " .
وروى أحمد ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " . حب الصحابة للحسن بن علي وقد كان الصديق يجله ويعظمه ويكرمه ويحبه ويتفداه ، وكذلك عمر بن الخطاب ; فروى الواقدي عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن أبيه ، أن عمر لما عمل الديوان فرض للحسن والحسين مع أهل بدر في خمسة آلاف . وكذلك كان عثمان بن عفان يكرم الحسن والحسين ويحبهما . وقد كان الحسن بن علي يوم الدار - وعثمان بن عفان محصور - عنده ومعه السيف متقلدا به يجاحف عن عثمان ، فخشي عثمان عليه ، فأقسم عليه ليرجعن إلى منزلهم تطييبا لقلب علي وخوفا عليه ، رضي الله عنهم .
وكان علي يكرم الحسن إكراما زائدا ، ويعظمه ويبجله ، وقد قال له يوما : يا بني ، ألا تخطب حتى أسمعك ؟ فقال : إني أستحي أن أخطب وأنا أراك . فذهب علي فجلس حيث لا يراه الحسن ، ثم قام الحسن في الناس خطيبا وعلي يسمع ، فأدى خطبة بليغة فصيحة ، فلما انصرف جعل علي يقول : ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم [ آل عمران : 34 ] . وقد كان ابن عباس يأخذ الركاب للحسن والحسين إذا ركبا ، ويرى هذا من نعم الله عليه . وكانا إذا طافا بالبيت يكاد الناس يحطمونهما مما يزدحمون عليهما للسلام عليهما ، رضي الله عنهما وأرضاهما .
وكان ابن الزبير يقول : والله ما قامت النساء عن مثل الحسن بن علي .
عبادة الحسن بن علي وقال غيره : كان الحسن إذا صلى الغداة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويجلس إليه من يجلس من سادات الناس يتحدثون عنده ، ثم يقوم فيدخل على أمهات المؤمنين فيسلم عليهن . وربما أتحفنه ، ثم ينصرف إلى منزله . يجلس في مصلاه يذكر الله حتى ترتفع الشمس
ولما نزل لمعاوية عن الخلافة من ورعه صيانة لدماء المسلمين ، كان له على معاوية في كل عام جائزة ، وكان يفد إليه ، فربما أجازه بأربعمائة ألف درهم ، وراتبه في كل سنة مائة ألف ، فانقطع سنة عن الذهاب ، وجاء وقت الجائزة ، فاحتاج الحسن إليها - وكان من أكرم الناس - فأراد أن يكتب إلى معاوية ليبعث بها إليه ، فلما نام تلك الليلة رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، فقال له : " يا بني ، أتكتب إلى مخلوق بحاجتك ؟ ! " وعلمه دعاء يدعو به ، فترك الحسن ما كان هم به من الكتابة ، فذكره معاوية وافتقده ، وقال : ابعثوا إليه بمائتي ألف ، فلعل له ضرورة في تركه القدوم علينا . فحملت إليه من غير سؤال .
قال صالح بن أحمد : سمعت أبي يقول الحسن بن علي مدني ثقة . حكاه ابن عساكر في " تاريخه " . قالوا : وإن الجنائب لتقاد بين يديه . وعن محمد بن علي قال : قال الحسن بن علي : إني لأستحيي من ربي ، عز وجل ، أن ألقاه ولم أمش إلى بيته . فمشى عشرين مرة من المدينة على رجليه . وقاسم الله ماله ثلاث مرات ، وخرج من ماله مرتين ، وحج خمسا وعشرين مرة ماشيا
قالوا : وكان يقرأ في بعض خطبه سورة " إبراهيم " . وكان يقرأ كل ليلة سورة " الكهف " قبل أن ينام ، يقرؤها من لوح يدور معه حيث كان من بيوت نسائه ، فيقرؤه بعد ما يدخل في الفراش قبل أن ينام ، رضي الله عنه .
كرم الحسن بن علي وقد كان من الكرم على جانب عظيم . قال محمد بن سيرين : ربما أجاز الحسن بن علي الرجل الواحد بمائة ألف .
وقال سعيد بن عبد العزيز : سمع الحسن بن علي إلى جانبه رجلا يدعو الله أن يملكه عشرة آلاف درهم ، فقام إلى منزله فبعث بها إليه .
وذكروا أن الحسن رأى غلاما أسود يأكل من رغيف لقمة ، ويطعم كلبا هناك لقمة ، فقال له : ما حملك على هذا ؟ ! فقال : إني أستحي منه أن آكل ولا أطعمه . فقال له الحسن : لا تبرح من مكانك حتى آتيك . فذهب إلى سيده ، فاشتراه واشترى الحائط الذي هو فيه ، فأعتقه وملكه الحائط ، فقال الغلام : يا مولاي ، قد وهبت الحائط للذي وهبتني له .
زواج الحسن بن علي قالوا : وكان كثير التزوج ، وكان لا يفارقه أربع حرائر ، وكان مطلاقا مصداقا . يقال : إنه أحصن بسبعين امرأة . وذكروا أنه طلق امرأتين في يوم واحدة من بني أسد وأخرى فزارية ، وبعث إلى كل واحدة منهما بعشرة آلاف وبزقاق من عسل ، وقال للغلام : اسمع ما تقول كل واحدة منهما . فأما الفزارية فقالت : جزاه الله خيرا . ودعت له ، وأما الأسدية فقالت
:
متاع قليل من حبيب مفارق
فرجع الغلام إليه بذلك ، فارتجع الأسدية وترك الفزارية . وقد كان علي يقول لأهل الكوفة : لا تزوجوه فإنه مطلاق . فيقولون : والله يا أمير المؤمنين لو خطب إلينا كل يوم لزوجناه منا من شاء ابتغاء في صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وذكروا أنه نام مع امرأته خولة بنت منظور الفزاري - وقيل : هند بنت سهيل - فوق إجار ، فعمدت المرأة فربطت رجله بخمارها إلى خلخالها ، فلما استيقظ قال لها : ما هذا ؟ فقالت : خفت أن تقوم من وسن النوم فتسقط ، فأكون أشأم سخلة على العرب . فأعجبه ذلك منها ، واستمر بها سبعة أيام بعد ذلك .
وقال أبو جعفر الباقر : جاء رجل إلى الحسين بن علي فاستعان به في حاجة ، فوجده معتكفا ، فاعتذر إليه ، فذهب إلى الحسن فاستعان به ، فقضى حاجته وقال : . لقضاء حاجة أخ لي في الله أحب إلي من اعتكاف شهر
وعن ابن سيرين قال : كان الحسن بن علي لا يدعو إلى طعامه أحدا ; يقول : هو أهون من أن يدعى إليه أحد .
وعن محمد بن سيرين قال : تزوج الحسن بن علي امرأة ، فبعث إليها بمائة جارية ، مع كل جارية ألف درهم .
وقال جويرية بن أسماء : لما مات الحسن بكى عليه مروان في جنازته ، فقال له الحسين : أتبكيه وقد كنت تجرعه ما تجرعه ؟ ! فقال : إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا . وأشار بيده إلى الجبل .
وعن عمير بن إسحاق قال : ما تكلم عندي أحد كان أحب إلي إذا تكلم ألا يسكت من الحسن بن علي ، وما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة ; فإنه كان بين الحسين بن علي وبين عمرو بن عثمان خصومة ، فقال الحسن : ليس له عندنا إلا ما رغم أنفه . فهذه أشد كلمة فحش سمعتها منه قط .
وقيل للحسن بن علي : إن أبا ذر يقول : الفقر أحب إلي من الغنى ، والسقم أحب إلي من الصحة . فقال : رحم الله أبا ذر ، أما أنا فأقول : من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن أن يكون في غير الحالة التي اختار الله له ، وهذا حد . الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء
وقال أبو بكر محمد بن كيسان الأصم : قال الحسن ذات يوم لأصحابه : إني أخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني ، وكان عظيم ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه ، كان خارجا من سلطان بطنه ، فلا يشتهي ما لا يجد ، ولا يكثر إذا وجد ، وكان خارجا من سلطان فرجه ، فلا يستخف له عقله ولا رأيه ، وكان خارجا من سلطان الجهلة ، فلا يمد يدا إلا على ثقة المنفعة ، كان لا يسخط ولا يتبرم ، كان إذا جامع العلماء يكون على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلم ، وكان إذا غلب على الكلام لم يغلب على الصمت ، كان أكثر دهره صامتا ، فإذا قال بذ القائلين ، وكان لا يشارك في دعوى ، ولا يدخل في مراء ، ولا يدلي بحجة حتى يرى قاضيا ، يقول ما يفعل ، ويفعل ما لا يقول تفضلا وتكرما ، كان لا يغفل عن إخوانه ، ولا يستخص بشيء دونهم ، كان لا يلوم أحدا فيما يقع العذر بمثله ، كان إذا ابتدأه أمران لا يرى أيهما أقرب إلى الحق ، نظر فيما هو أقرب إلى هواه فخالفه . وعن الحارث الأعور ، أن عليا سأل ابنه - يعني الحسن - عن أشياء من المروءة ، فقال : يا بني ، ما السداد ؟ قال : يا أبة ، السداد دفع المنكر بالمعروف . قال : فما الشرف ؟ قال : اصطناع العشيرة وحمل الجريرة . قال : فما المروءة ؟ قال : العفاف وإصلاح المرء ماله . قال : فما الدقة ؟ قال : النظر في اليسير ومنع الحقير . قال : فما اللؤم ؟ قال : إحراز المرء نفسه وبذله عرسه . قال : فما السماحة ؟ قال : البذل في العسر واليسر . قال : فما الشح ؟ قال : أن ترى ما في يديك شرفا وما أنفقته تلفا . قال : فما الإخاء ؟ قال : الوفاء في الشدة والرخاء . قال : فما الجبن ؟ قال : الجرأة على الصديق والنكول عن العدو . قال : فما الغنيمة ؟ قال : الرغبة في التقوى ، والزهادة في الدنيا هي الغنيمة الباردة . قال : فما الحلم ؟ قال : كظم الغيظ وملك النفس . قال : فما الغنى ؟ قال : رضا النفس بما قسم الله لها وإن قل ، فإنما الغنى غنى النفس . قال : فما الفقر ؟ قال : شره النفس في كل شيء . قال : فما المنعة ؟ قال : شدة البأس ومقارعة أشد الناس . قال : فما الذل ؟ قال : الفزع عند المصدوقة . قال : فما الجرأة ؟ قال : موافقة الأقران . قال : فما الكلفة ؟ قال : كلامك فيما لا يعنيك . قال : فما المجد ؟ قال : أن تعطي في الغرم وأن تعفو عن الجرم . قال : فما العقل ؟ قال : حفظ القلب كل ما استرعيته . قال : فما الخرق ؟ قال : معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك . قال : فما الثناء ؟ قال : إتيان الجميل وترك القبيح . قال : فما الحزم ؟ قال : طول الأناة ، والرفق بالولاة ، والاحتراس من الناس بسوء الظن ، هو الحزم . قال : فما الشرف ؟ قال : موافقة الإخوان ، وحفظ الجيران . قال : فما السفه ؟ قال : اتباع الدناة ، ومصاحبة الغواة . قال : فما الغفلة ؟ قال : تركك المسجد وطاعتك المفسد . قال : فما الحرمان ؟ قال : تركك حظك وقد عرض عليك . قال : فما السيد ؟ قال : الأحمق في المال ، المتهاون بعرضه ; يشتم فلا يجيب ، المتحزن بأمر العشيرة ، هو السيد . قال : ثم قال علي : يا بني ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " " . ثم قال علي : يا بني ، لا تستخفن برجل تراه أبدا ، فإن كان أكبر منك فعد أنه أبوك ، وإن كان مثلك فهو أخوك ، وإن كان أصغر منك فاحسب أنه ابنك . فهذا ما ساءل علي ابنه عن أشياء من المروءة . قال القاضي أبو الفرج : ففي هذا الخبر من الحكمة وجزيل الفائدة ما ينتفع به من راعاه وحفظه ووعاه ، وعمل به ، وأدب نفسه بالعمل عليه ، وهذبها بالرجوع إليه ، وتتوفر فائدته بالوقوف عنده ، وفيما رواه أمير المؤمنين وأضعافه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لا غنى لكل لبيب عليم ، ومدره حكيم عن حفظه وتأمله ، والمسعود من هدي لتقبله ، والمجدود من وفق لامتثاله وتقبله . لا فقر أشد من الجهل ، ولا مال أعود من العقل ، ولا وحدة أوحش من العجب ، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ، ولا عقل كالتدبير ، ولا حسب كحسن الخلق ، ولا ورع كالكف ، ولا عبادة كالتفكر ، ولا إيمان كالحياء ، ورأس الإيمان الصبر ، وآفة الحديث الكذب ، وآفة العلم النسيان ، وآفة الحلم السفه ، وآفة العبادة الفترة ، وآفة الظرف الصلف ، وآفة الشجاعة البغي ، وآفة السماحة المن ، وآفة الجمال الخيلاء ، وآفة الحب الفخر
قلت : ولكن إسناد هذا الأثر وما فيه من الحديث المرفوع ضعيف ، ومثل هذه الألفاظ في عبارتها ما يدل ما في بعضها من النكارة على أنه ليس بمحفوظ . والله أعلم .
وقال علي بن العباس الطبراني : كان على خاتم الحسن بن علي مكتوب :
قدم لنفسك ما استطعت من التقى إن المنية نازل بك يا فتى
أصبحت ذا فرح كأنك لا ترى أحباب قلبك في المقابر والبلى
تنازل الحسن عن الخلافة وعن سفينة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . فقال رجل كان حاضرا في المجلس : قد دخلت من هذه الثلاثين ستة شهور في خلافة معاوية . فقال : من هاهنا أتيت ، تلك الشهور كانت البيعة للحسن بن علي ، بايعه أربعون ألفا أو اثنان وأربعون ألفا . الخلافة من بعدي ثلاثون سنة "
وقال صالح بن أحمد : سمعت أبي يقول : في الخلافة وصالح معاوية ، ولم يسفك في أيامه محجمة من دم . بايع الحسن تسعون ألفا ، فزهد
وعن ابن شوذب قال : لما قتل علي سار الحسن في أهل العراق ، وسار معاوية في أهل الشام فالتقوا ، فكره الحسن القتال ، وبايع معاوية على أن جعل العهد للحسن من بعده . قال فكان أصحاب الحسن يقولون : يا عار المؤمنين . قال : فيقول لهم : العار خير من النار .
وعن محمد بن سيرين قال : لما دخل معاوية الكوفة وبايعه الحسن بن علي قال أصحاب معاوية لمعاوية : مر الحسن بن علي أن يخطب ; فإنه حديث السن عيي ، فلعله يتلعثم فيتضع في قلوب الناس . فأمره ، فقام فاختطب ، فقال في خطبته : أيها الناس ، والله لو ابتغيتم بين جابلق وجابرس رجلا جده نبي غيري وغير أخي لم تجدوه ، وإنا قد أعطينا بيعتنا لمعاوية ، ورأينا أن حقن دماء المسلمين خير من إهراقها ، والله ما أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين . وأشار إلى معاوية ، فغضب من ذلك وقال : ما أردت من هذه ؟ قال : أردت منها ما أراد الله منها . فصعد معاوية وخطب بعده . وعن يزيد بن خمير قال : سمعت عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي يحدث عن أبيه قال : قلت للحسن بن علي : إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة . فقال : كانت جماجم العرب بيدي ، يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت ، فتركتها ابتغاء وجه الله ، ثم أثيرها بأتياس أهل الحجاز ؟ !
وعن زيد بن أسلم قال : دخل رجل على الحسن بن علي المدينة وفي يده صحيفة ، فقال : ما هذه ؟ فقال : من معاوية يعد فيها ويتوعد . قال : قد كنت على النصف منه . قال : أجل ، ولكن خشيت أن يجيء يوم القيامة سبعون ألفا ، أو ثمانون ألفا ، أو أكثر أو أقل ، كلهم تنضح أوداجهم دما ، كلهم يستعدي الله فيم هريق دمه ؟ .
مرض ووفاة الحسن بن علي وعن عمران بن عبد الله قال : رأى الحسن بن علي في منامه أنه مكتوب بين عينيه قل هو الله أحد ففرح بذلك ، فبلغ ذلك سعيد بن المسيب فقال : إن كان رأى هذه الرؤيا فقل ما بقي من أجله . قال : فلم يلبث الحسن بعد ذلك إلا أياما حتى مات .
وعن عمير بن إسحاق قال : دخلت أنا ورجل من قريش على الحسن بن علي فقام فدخل المخرج ، ثم خرج فقال : لقد لفظت طائفة من كبدي أقلبها بهذا العود ، ولقد سقيت السم مرارا ، وما سقيت مرة هي أشد من هذه . قال : وجعل يقول لذلك الرجل : سلني قبل أن لا تسألني . فقال : ما أسألك شيئا ، يعافيك الله . قال : فخرجنا من عنده ، ثم عدنا إليه من الغد وقد أخذ في السوق ، فجاء حسين حتى قعد عند رأسه ، فقال : أي أخي ، من صاحبك ؟ قال : تريد قتله ؟ قال : نعم . قال : لئن كان صاحبي الذي أظن ، لله أشد نقمة - وفي رواية : فالله أشد بأسا وأشد تنكيلا - وإن لم يكنه ما أحب أن تقتل بي بريئا . وعن أم بكر بنت المسور قالت : كان الحسن سقي مرارا ، كل ذلك يفلت منه ، حتى كانت المرة الآخرة التي مات فيها ، فإنه كان يختلف كبده ، فلما مات أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهرا .
وعن عائشة قالت : حد نساء بني هاشم على الحسن بن علي سنة .
وعن عبد الله بن حسن قال : كان الحسن بن علي كثير نكاح النساء ، وكان قل ما يحظين عنده ، وكان قل امرأة يتزوجها إلا أحبته وصبت به ، فيقال : إنه كان سقي ، ثم أفلت ، ثم سقي فأفلت ، ثم كانت الآخرة توفي فيها ، فلما حضرته الوفاة قال الطبيب وهو يختلف إليه : هذا رجل قد قطع السم أمعاءه . فقال الحسين : يا أبا محمد ، أخبرني من سقاك ؟ قال : ولم يا أخي ؟ قال : أقتله والله قبل أن أدفنك ، أو لا أقدر عليه ، أو يكون بأرض أتكلف الشخوص إليه . فقال : يا أخي ، إنما هذه الدنيا ليال فانية ، دعه حتى ألتقي أنا وهو عند الله . وأبى أن يسميه . وقد سمعت بعض من يقول : كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما .
وعن أم موسى ، أن جعدة بنت الأشعث بن قيس سقت الحسن السم ، فاشتكى منه شكاة . قال : فكان يوضع تحته طست ويرفع آخر نحوا من أربعين يوما .
وروى بعضهم أن يزيد بن معاوية بعث إلى جعدة بنت الأشعث أن سمي الحسن وأنا أتزوجك بعده . ففعلت ، فلما مات الحسن بعثت إليه ، فقال : إنا والله لم نرضك للحسن أفنرضاك لأنفسنا ؟ وعندي أن هذا ليس بصحيح ، وعدم صحته عن أبيه معاوية بطريق الأولى والأحرى ، وقد قال كثير عزة في ذلك :
يا جعد بكيه ولا تسأمي بكاء حق ليس بالباطل
لن تستري البيت على مثله في الناس من حاف ولا ناعل
أعنى الذي أسلمه أهله للزمن المستخرج الماحل
كان إذا شبت له ناره يرفعها بالنسب الماثل
كيما يراها بائس مرمل أو فرد قوم ليس بالآهل
يغلي بني اللحم حتى إذا أنضج لم يغل على آكل
وقال أبو نعيم : لما اشتد بالحسن بن علي الوجع جزع ، فدخل عليه رجل فقال له : يا أبا محمد ، ما هذا الجزع ؟ ما هو إلا أن تفارق روحك جسدك فتقدم على أبويك علي وفاطمة ، وعلى جديك النبي صلى الله عليه وسلم وخديجة ، وعلى أعمامك حمزة وجعفر ، وعلى أخوالك القاسم والطيب ومطهر وإبراهيم ، وعلى خالاتك رقية وأم كلثوم وزينب . قال : فسري عنه . وفي رواية أن القائل له ذلك الحسين ، وأن الحسن قال له : يا أخي ، إني أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل في مثله ، وأرى خلقا من خلق الله لم أر مثله قط . قال : فبكى الحسين . رضي الله عنهما . وعن أبي عتيق قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : شهدنا حسن بن علي يوم مات ، فكادت الفتنة تقع بين الحسين بن علي ومروان بن الحكم ، وكان الحسن قد عهد إلى أخيه أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن خاف أن يكون في ذلك قتال أو شر فليدفن بالبقيع . فأبى مروان أن يدعه ، ومروان يومئذ معزول يريد أن يرضي معاوية بذلك ، فلم يزل مروان عدوا لبني هاشم حتى مات . قال جابر : فكلمت يومئذ حسين بن علي فقلت : يا أبا عبد الله ، اتق الله ; فإن أخاك كان لا يحب ما ترى ، فادفنه بالبقيع مع أمه . ففعل .
وفي رواية أن الحسن بعث يستأذن عائشة في ذلك ، فأذنت له ، فلما مات لبس الحسين السلاح وتسلح بنو أمية ، وقالوا : لا ندعه يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أيدفن عثمان بالبقيع ، ويدفن الحسن بن علي في الحجرة ؟ فلما خاف الناس وقوع الفتنة أشار سعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وجابر وابن عمر على الحسين أن لا يقاتل ، فامتثل ودفن أخاه قريبا من قبر أمه بالبقيع ، رضي الله عنه .
وعن أبي حازم قال : رأيت الحسين بن علي قدم يومئذ سعيد بن العاص فصلى على الحسن . وقال : لولا أنها سنة ما قدمته .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني مساور مولى بني سعد بن بكر قال : رأيت أبا هريرة قائما على مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات الحسن بن علي وهو ينادي بأعلى صوته : يا أيها الناس ، مات اليوم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فابكوا .
وقد اجتمع الناس لجنازته ، حتى ما كان البقيع يسع أحدا من الزحام ، وقد بكاه الرجال والنساء سبعا ، واستمر نساء بني هاشم ينحن عليه شهرا ، وحدت نساء بني هاشم عليه سنة .
وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : قتل علي وهو ابن ثمان وخمسين سنة ، ومات لها حسن ، وقتل لها الحسين . رضي الله عنهم .
وعن أبي بكر بن حفص قال : توفي سعد والحسن بن علي في أيام بعد ما مضى من إمارة معاوية عشر سنين .
وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : توفي الحسن وهو ابن سبع وأربعين . وكذا قال غير واحد ، وهو أصح .
والمشهور أنه مات سنة تسع وأربعين كما ذكرنا ، وقال آخرون : مات سنة خمسين . وقيل : سنة إحدى وخمسين أو ثمان وخمسين .