الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر قتل عروة ابن أدية وغيره من الخوارج وفي سنة ثمان وخمسين اشتد عبيد الله بن زياد على الخوارج

            فقتل منهم صبرا جماعة كثيرة ، وفي الحرب جماعة أخرى ، وممن قتل منهم صبرا عروة بن أدية .

            وسبب ذلك أن ابن زياد خرج في رهان له ، فلما جلس ينتظر الخيل اجتمع الناس وفيهم عروة بن أدية ، فأقبل على ابن زياد ، فقال : خمس كن في الأمم [قبلنا ] ، فقد صرن فينا : أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين وذكر خصلتين نسيهما الراوي ، فلما قال ذلك ظن ابن زياد أنه لم يجترئ على مثل ذلك إلا ومعه جماعة من أصحابه ، فقام فركب وترك رهانه ، فقيل لعروة : ما صنعت ، والله ليقتلنك . فتوارى ، فطلبه ابن زياد فهرب وأتى الكوفة ، فأخذ وقدم به على ابن زياد ، فقطع يديه ورجليه وقتله ، وقتل ابنته .

            وأما أخوه أبو بلال مرداس فكان عابدا مجتهدا عظيم القدر في الخوارج ، وشهد صفين مع علي فأنكر التحكيم ، وشهد النهروان مع الخوارج ، وكانت الخوارج كلها تتولاه ، ورأى على ابن عامر قباء أنكره فقال : هذا لباس الفساق ! فقال أبو بكرة : لا تقل هذا للسلطان فإن من أبغض السلطان أبغضه الله ، وكان لا يدين بالاستعراض ، ويحرم خروج النساء ، ويقول لا نقاتل إلا من قاتلنا ولا نجبي إلا من حمينا .

            وكانت البثجاء ، امرأة من بني يربوع ، تحرض على ابن زياد وتذكر تجبره وسوء سيرته ، وكانت من المجتهدات ، فذكرها ابن زياد ، فقال لها أبو بلال : إن التقية لا بأس بها فتغيبي فإن هذا الجبار قد ذكرك . قالت : أخشى أن يلقى أحد بسببي مكروها .

            فأخذها ابن زياد فقطع يديها ورجليها ، فمر بها أبو بلال في السوق فعض على لحيته وقال : أهذه أطيب نفسا بالموت منك يا مرداس ؟ ما ميتة أموتها أحب إلي من ميتة البثجاء ! ومر أبو بلال ببعير قد طلي بقطران فغشي عليه ثم أفاق فتلا : سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار .

            ثم إن ابن زياد ألح في طلب الخوارج فملأ منهم السجن وأخذ الناس بسببهم وحبس أبا بلال قبل أن يقتل أخاه عروة ، فرأى السجان عبادته فأذن له كل ليلة في إتيان أهله ، فكان يأتيهم ليلا ويعود مع الصبح ، وكان صديق لمرداس يسامر ابن زياد ، فذكر ابن زياد الخوارج ليلة فعزم على قتلهم ، فانطلق صديق مرداس إليه فأعلمه الخبر ، وبات السجان بليلة سوء خوفا أن يعلم مرداس فلا يرجع ، فلما كان الوقت الذي كان يعود فيه إذا به قد أتى ، فقال له السجان : أما بلغك ما عزم عليه الأمير ؟ قال : بلى قال : ثم جئت ؟ قال : نعم لم يكن جزاؤك مني مع إحسانك إلي أن تعاقب .

            وأصبح عبيد الله فقتل الخوارج ، فلما أحضر مرداس قام السجان ، وكان ظئرا لعبيد الله ، فشفع فيه وقص عليه قصته ، فوهبه له وخلى سبيله .

            ثم إنه خاف ابن زياد فخرج في أربعين رجلا إلى الأهواز ، فكان إذا اجتاز به مال أخذ منه عطاءه وعطاء أصحابه ثم يرد الباقي ، فلما سمع ابن زياد خبرهم بعث إليهم جيشا عليهم أسلم بن زرعة الكلابي سنة ستين ، وقيل : أبو حصين التميمي ، وكان الجيش ألفي رجل ، فلما وصلوا إلى أبي بلال ناشدهم الله أن يقاتلوه فلم يفعلوا ، ودعاهم أسلم إلى معاودة الجماعة ، فقالو : أتردوننا إلى ابن زياد الفاسق ؟ فرمى أصحاب أسلم رجلا من أصحاب أبي بلال فقتلوه ، فقال أبو بلال : قد بدءوكم بالقتال .

            فشد الخوارج على أسلم وأصحابه شدة رجل واحد فهزموهم فقدموا البصرة ، فلام ابن زياد أسلم وقال : هزمك أربعون وأنت في ألفين ، لا خير فيك ! فقال : لأن تلومني وأنا حي خير من أن تثني علي وأنا ميت . فكان الصبيان إذا رأوا أسلم صاحوا به : أما أبو بلال وراءك ! فشكا ذلك إلى ابن زياد ، فنهاهم فانتهوا .

            ( وقال رجل من الخوارج :


            أألفا مؤمن منكم زعمتم ويقتلهم بآسك أربعونا     كذبتم ليس ذاك كما زعمتم
            ولكن الخوارج مؤمنونا

            [

            هي الفئة القليلة قد علمتم     على الفئة الكثيرة ينصرونا

            ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية