وممن ذكر أنه توفي في هذه السنة - أعني سنة ستين - بن رحضة بن المؤمل بن خزاعي ، أبو عمرو ، وأول مشاهده المريسيع ، وكان في الساقة يومئذ ، وهو الذي رماه أهل الإفك بأم المؤمنين ، رضي الله عنهما ، فبرأه الله وإياها مما قالوا ، وكان من سادات المسلمين ، وكان ينام نوما شديدا حتى إنه كان ربما طلعت عليه الشمس وهو نائم لا يستيقظ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صفوان بن المعطل " . وقد قتل صفوان شهيدا . إذا استيقظت فصل
، أبو عبد الرحمن بلال بن الحارث بلال بن الحارث
وهو من بني قرة بن مازن ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مزينة ومعه عمرو بن عوف يستنفرانهم حين أراد أن يغزو مكة ، وحمل بلال أحد ألوية مزينة الثلاثة التي عقدها لهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ، وكان يسكن جبل مزينة ويأتي المدينة كثيرا .
وتوفي في هذه السنة وهو ابن ثمانين سنة .
خراش بن أمية بن ربيعة ، أبو نضلة : خراش بن أمية بن ربيعة
شهد المريسيع والحديبية ، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قريش على جمل له يقول : إنما جئنا معتمرين ولم نأت لقتال ، فعرفوا جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرادوا قتال خراش فمنعه من هناك من قومه ، فرجع وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لقي ، وقال : ابعث أمنع مني ، فدعا عمر فقال : يا رسول الله ، قد عرفت قريش عداوتي لها ، وليس بها من بني عدي من يمنعني ، فإن أحببت دخلت عليهم ، فلم يقل لهم النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، فقال عمر : لكني أدلك على رجل أعز مني بمكة وأكثر عشيرة ، وأمنع : عثمان ، فدعاه ، فبعثه إليهم .
وخراش هو الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، وحلقه أيضا في عمرة الجعرانة ، وما زال يغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قبض ، ومات في آخر خلافة معاوية .
404
عبد الله بن ثوب أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب ، أبو مسلم الخولاني :
عن شرحبيل بن مسلم الخولاني قال :
بينا الأسود بن قيس العنسي باليمن فأرسل إلى أبي مسلم فقال له : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم قال : فتشهد أني رسول الله ؟ قال : ما أسمع ، قال : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم . قال : فتشهد أني رسول الله . قال : ما أسمع قال : فأمر بنار عظيمة فأججت ، فطرح فيها أبو مسلم فلم تضره ، فقال له أهل مملكته : إن تركت هذا في بلادك أفسدها عليك . فأمره بالرحيل ، فقدم المدينة وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر ، فقام إلى سارية من سواري المسجد يصلي ، فبصر به عمر بن الخطاب فقال : من أين الرجل ؟ قال : من اليمن . قال : فما فعل عدو الله بصاحبنا الذي حرقه بالنار فلم تضره ؟ فقال : ذاك عبد الله بن ثوب . قال : نشدتك بالله أنك هو . قال : اللهم نعم . قال : فقبل ما بين عينيه ، ثم جاء به حتى أجلسه بينه وبين أبي بكر ، وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الرحمن عليه السلام .
وعن عثمان بن عطاء ، عن أبيه قال :
كان أبو مسلم الخولاني إذا انصرف من المسجد إلى أهله كبر على باب منزله ، فتكبر امرأته ، فإذا كان في صحن داره كبر فتجيبه امرأته . فانصرف ذات ليلة ، فكبر عند باب داره ، فلم يجبه أحد ، فلما كان في الصحن كبر ، فلم يجبه أحد ، فلما كان في باب بيته [كبر ] فلم يجبه أحد ، وكان إذا دخل بيته أخذت امرأته رداءه ونعليه ، ثم أتته بطعامه . قال : فدخل ، فإذا البيت فيه سراج ، وإذا امرأته جالسة منكسة تنكث بعود معها ، فقال لها : ما لك ؟ قالت : أنت لك منزلة من معاوية ، وليس لنا خادم ، فلو سألته فأخدمنا وأعطاك . فقال : اللهم من أفسد علي امرأتي فأعم بصره . قال : وكانت قد جاءتها امرأة قبل ذلك فقالت : زوجك له منزلة من معاوية ، فلو قلت له كتب إلى معاوية بخدمة ويعطيه عشتم . قال : فبينا تلك المرأة جالسة في بيتها أنكرت بصرها ، فقالت : ما لسراجكم طفئ ؟ قالوا : لا فعرفت ذنبها ، فأقبلت إلى أبي مسلم تبكي وتسأله أن يدعو لها الله عز وجل أن يرد عليها بصرها . فرحمها أبو مسلم ، فدعا الله عز وجل فرد عليها بصرها . وفي رواية : فرجعت .
النعمان بن بشير : النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس
أمه عمرة بنت رواحة أخت عبد الله بن رواحة ، وهو أول من ولد من الأنصار بالمدينة بعد الهجرة ، وحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة ، فتلمظ بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " [انظروا ] إلى الأنصار وحبها للتمر " .
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والنعمان بن بشير ابن ثماني سنين . وروى [عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ، وكان ممن نصر عثمان ، وقدم بقميصه الذي قتل فيه على معاوية ، وبعثه معاوية على الكوفة أميرا ، فأقام بها واليا عليها سبعة أشهر ، ثم آل الأمر إلى أن دعا لابن الزبير فقتله أهل حمص في هذه السنة .
وعن الهيثم بن عدي قال :
لما عزل النعمان بن بشير عن الكوفة ولاه معاوية حمص ، فوفد عليه أعشى همدان ، فقال له : ما أقدمك أبا المصبح قال : جئت لتصلني ، وتحفظ قرابتي ، وتقضي ديني . فأطرق النعمان ، ثم رفع رأسه ثم قال : والله ما [عندي ] شيء . ثم قال : هيه ، كأنه ذكر شيئا ، فقام فصعد المنبر ثم قال : يا أهل حمص - وهم في الديوان عشرون ألفا - هذا ابن عم لكم من أهل القرآن والشرف ، قدم عليكم يسترفدكم ، فما ترون فيه ؟ فقالوا : أصلح الله الأمير ، احكم له . فأبى عليهم . قالوا : فإنا قد حكمنا له على أنفسنا من كل رجل في العطاء بدينار من دينارين تعجلها له من بيت المال أربعون ألف دينار . فقبضها وأنشأ يقول :
فلم أر للحاجات عند انكماشها كنعمان نعمان الندى ابن بشير إذا قال أوفى بالمقال ولم يكن
كمدل إلى الأقوام حبل غرور متى أنجد النعمان لا أك شاكرا
ولا خير من لا يقتدي بشكور
( وفيها له صحبة ) . مات جرهد الأسلمي