الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            ذكر شيء من أشعاره التي رويت عنه

            فمن ذلك ما أنشده أبو بكر بن كامل ، عن عبد الله بن إبراهيم ، وذكر أنه للحسين بن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما :


            اغن عن المخلوق بالخالق تغن عن الكاذب والصادق     واسترزق الرحمن من فضله
            فليس غير الله من رازق     من ظن أن الناس يغنونه
            فليس بالرحمن بالواثق     أو ظن أن المال من كسبه
            زلت به النعلان من حالق

            وعن الأعمش أن الحسين بن علي قال :


            كلما زيد صاحب المال مالا     زيد في همه وفي الاشتغال
            قد عرفناك يا منغصة العي     ش ويا دار كل فان وبال
            ليس يصفوا لزاهد طلب الزه     د إذا كان مثقلا بالعيال

            من شعر الحسين في زيارته مقابر الشهداء بالبقيع وعن إسحاق بن إبراهيم قال : بلغني أن الحسين زار مقابر الشهداء بالبقيع فقال :


            ناديت سكان القبور فأسكتوا     وأجابني عن صمتهم ندب الجثى
            قالت أتدري ما صنعت بساكني     مزقت ألحمهم وخرقت الكسا
            وحشوت أعينهم ترابا بعد ما     كانت تأذى باليسير من القذى
            أما العظام فإنني مزقتها     حتى تباينت المفاصل والشوى
            قطعت ذا من ذا ومن هذا كذا     فتركتها رمما يطول بها البلى

            وأنشد بعضهم للحسين ، رضي الله عنه أيضا :


            لئن كانت الدنيا تعد نفيسة     فدار ثواب الله أعلى وأنبل
            وإن كانت الأبدان للموت أنشئت     فقتل سبيل الله بالسيف أفضل
            وإن كانت الأرزاق شيئا مقدرا     فقلة سعي المرء في الكسب أجمل
            وإن كانت الأموال للترك جمعت     فما بال متروك به المرء يبخل

            شعر الحسين في امرأته الرباب بنت أنيف ومما أنشد الزبير بن بكار من شعره في امرأته الرباب بنت أنيف ، ويقال : بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس الكلبي ، أم ابنته سكينة بنت الحسين


            لعمرك إنني لأحب دارا     تحل بها سكينة والرباب
            أحبهما وأبذل جل مالي     وليس للائمي فيها عتاب
            ولست لهم وإن عتبوا مطيعا     حياتي أو يغيبني التراب

            وقد أسلم أبوها على يدي عمر بن الخطاب ، وأمره عمر على قومه ، فلما خرج من عنده خطب إليه علي بن أبي طالب أن يزوج ابنه الحسن أو الحسين من بناته ، فزوج الحسن ابنته سلمى ، والحسين ابنته الرباب ، وزوج عليا ابنته الثالثة ، وهي المحياة بنت امرئ القيس في ساعة واحدة ، فأحب الحسين زوجته الرباب حبا شديدا ، وكان بها معجبا ، يقول فيها الشعر ، ولما قتل بكربلاء كانت معه ، فوجدت عليه وجدا شديدا ، وذكر أنها أقامت على قبره سنة ، ثم انصرفت وهي تقول :


            إلى الحول ثم اسم السلام عليكما     ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

            وقد خطبها بعده خلق كثير من أشراف قريش ، فقالت : ما كنت لأتخذ حمى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووالله لا يؤويني ورجلا بعد الحسين سقف أبدا . ولم تزل عليه كمدة حتى ماتت ، ويقال : إنها إنما عاشت بعده أياما يسيرة . فالله أعلم . وابنتها سكينة بنت الحسين كانت من أجمل النساء ، حتى إنه لم يكن في زمانها أحسن منها . فالله أعلم .

            شعر عبيد الله بن الحر بن يزيد في الحسين وروى أبو مخنف عن عبد الرحمن بن جندب أن عبيد الله بن زياد بعد مقتل الحسين تفقد أشراف أهل الكوفة ، فلم ير عبيد الله بن الحر بن يزيد ، فتطلبه حتى جاءه بعد أيام فقال : أين كنت يابن الحر ؟ قال : كنت مريضا . قال : مريض القلب أم مريض البدن ؟ قال : أما قلبي فلم يمرض ، وأما بدني فقد من الله عليه بالعافية . فقال له ابن زياد : كذبت ، ولكنك كنت مع عدونا . قال : لو كنت مع عدوك لم يخف مكان مثلي ، ولكان الناس شاهدوا ذلك . قال : وغفل عنه ابن زياد غفلة ، فخرج ابن الحر ، فقعد على فرسه ، ثم قال : أبلغوه أني لا آتيه والله طائعا . فقال ابن زياد : أين ابن الحر ؟ قالوا : خرج . فقال : علي به . فخرج الشرط في طلبه ، فأسمعهم غليظ ما يكرهون ، وترضى عن الحسين وأخيه وأبيه ، ثم أسمعهم في ابن زياد غليظا من القول ، ثم امتنع منهم ، وقال في الحسين وأصحابه شعرا :


            يقول أمير غادر حق غادر     ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمه
            فيا ندمي أن لا أكون نصرته     ألا كل نفس لا تسدد نادمه
            وإني لأني لم أكن من حماته     لذو حسرة ما إن تفارق لازمه
            سقى الله أرواح الذين تأزروا     على نصره سقيا من الغيث دائمه
            وقفت على أجداثهم ومجالهم     فكاد الحشا ينفض والعين ساجمه
            لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى     سراعا إلى الهيجا حماة خضارمه
            تآسوا على نصر ابن بنت نبيهم     بأسيافهم آساد غيل ضراغمه
            فإن يقتلوا فكل نفس تقية     على الأرض قد أضحت لذلك واجمه
            وما إن رأى الراءون أفضل منهم     لدى الموت سادات وزهرا قماقمه
            أتقتلهم ظلما وترجو ودادنا     فدع خطة ليست لنا بملائمه
            لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم     فكم ناقم منا عليكم وناقمه
            أهم مرارا أن أسير بجحفل     إلى فئة زاغت عن الحق ظالمه
            فيا بن زياد استعد لحربنا     وموقف ضنك يقصم الظهر قاصمه

            رثاء سليمان ابن قتة للحسين رضي الله عنه وقال الزبير بن بكار : قال سليمان ابن قتة يرثي الحسين ، رضي الله عنه :


            وإن قتيل الطف من آل هاشم     أذل رقابا من قريش فذلت
            فإن تتبعوه عائذ البيت تصبحوا     كعاد تعمت عن هداها فضلت
            مررت على أبيات آل محمد     فألفيتها أمثالها حيث حلت
            وكانوا لنا غنما فعادوا رزية     لقد عظمت تلك الرزايا وجلت
            فلا يبعد الله الديار وأهلها     وإن أصبحت منهم برغمي تخلت
            إذا افتقرت قيس جبرنا فقيرها     وتقتلنا قيس إذا النعل زلت
            وعند غني قطرة من دمائنا     سنجزيهم يوما بها حيث حلت
            ألم تر أن الأرض أضحت مريضة     لقتل حسين والبلاد اقشعرت

            تيم مرة ( [ وقال ] . . . التيمي تيم مرة يرثي الحسين وأهله وكان منقطعا إلى بني [ هاشم ] :


            مررت على أبيات آل محمد     فلم أرها أمثالها يوم حلت
            فلا يبعد الله الديار وأهلها     وإن أصبحت من أهلها قد تخلت
            وإن قتيل الطف من آل هاشم     أذل رقاب المسلمين فذلت




            وكانوا رجاء ثم أضحوا رزية     لقد عظمت تلك الرزايا وجلت
            وعند غني قطرة من دمائنا     سنجزيهم يوما بها حيث حلت
            إذا افتقرت قيس جبرنا فقيرها     تقتلنا قيس إذا النعل زلت

            )

            التالي السابق


            الخدمات العلمية