الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر وفاة يزيد بن معاوية وجاء الناس نعي يزيد بن معاوية ، وأنه قد مات لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة أربع وستين ، وهو ابن خمس أو ثمان أو تسع وثلاثين سنة ، فكانت ولايته ثلاث سنين وستة أو ثمانية أشهر ، فحينئذ خمدت الحرب وطفئت نار الفتنة ، ويقال : إنهم مكثوا يحاصرون ابن الزبير بعد موت يزيد أربعين ليلة . ويذكر أن ابن الزبير علم بموت يزيد قبل أهل الشام ، فنادى فيهم : يا أهل الشام ، قد أهلك الله طاغيتكم ، فمن أحب منكم أن يدخل فيما دخل فيه الناس فليفعل ، ومن أحب أن يرجع إلى شامه فليرجع . فلم يصدق الشاميون أهل مكة فيما أخبروهم به ، حتى جاء ثابت بن قيس بن المنقع بالخبر اليقين . ويذكر أن حصين بن نمير دعاه ابن الزبير ليحدثه بين الصفين ، فاجتمعا حتى اختلفت رءوس فرسيهما ، وجعلت فرس حصين تنفر ويكفها ، فقال له ابن الزبير : ما لك ؟ فقال : إن الحمام تحت رجلي فرسي تأكل من الروث ، فأكره أن أطأ حمام الحرم . فقال له : تفعل هذا وأنت تقتل المسلمين ؟ ! فقال له حصين : فأذن لنا فلنطف بالكعبة ثم نرجع إلى بلادنا . فأذن لهم فطافوا .

            وذكر ابن جرير أن حصينا وابن الزبير اتعدا ليلة أن يجتمعا ، فاجتمعا بظاهر مكة ، فقال له حصين : إن كان هذا الرجل قد هلك فأنت أحق الناس بهذا الأمر بعده ، فهلم فارحل معي إلى الشام ، فوالله لا يختلف عليك اثنان .

            فيقال : إن ابن الزبير لم يثق منه بذلك ، وأغلظ له في المقال ، فنفر منه ابن نمير ، وقال : أنا أدعوه إلى الخلافة ، وهو يغلظ لي في المقال ؟ ! ثم كر بالجيش راجعا إلى الشام ، وقال : أعده بالملك ويتواعدني بالقتل ؟ ! ثم ندم ابن الزبير على ما كان منه إليه من الغلظة ، فبعث إليه يقول له : أما الشام فلست آتيه ، ولكن خذ لي البيعة على من هناك ، فإني أؤمنكم وأعدل فيكم ، فبعث إليه يقول له : إن من يبتغيها من أهل هذا البيت بالشام لكثير . فرجع فاجتاز بالمدينة ، فطمع فيه أهلها وأهانوهم إهانة بالغة ، وأكرمهم علي بن الحسين ، وأهدى لحصين بن نمير قتا وعلفا ، وارتحلت بنو أمية مع الجيش إلى الشام ، فرجعوا إليه وقد استخلف بدمشق معاوية بن يزيد بن معاوية عن وصية من أبيه له بذلك . والله سبحانه أعلم بالصواب .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية