الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            هدم الكعبة وبنائها في أيام ابن الزبير

            قال أبو جعفر بن جرير : وفي سنة أربع وستين هدم ابن الزبير الكعبة وذلك لأنه مال جدارها مما رميت به من حجارة المنجنيق ، فهدم الجدران حتى وصل إلى أساس إبراهيم ، وكان الناس يطوفون ويصلون من وراء ذلك ، وجعل الحجر الأسود في تابوت في سرقة من حرير ، وادخر ما كان في الكعبة من حلي وثياب وطيب عند الخزان ، حتى أعاد ابن الزبير بناءها على ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يبنيها عليه من الشكل .

            وقال الواقدي : لما أراد ابن الزبير هدم البيت شاور الناس في هدمها ، فأشار عليه جابر بن عبد الله وعبيد بن عمير بذلك ، وقال ابن عباس : أخشى أن يأتي بعدك من يهدمها ، فلا تزال تهدم حتى يتهاون الناس بحرمتها ، ولكن أرى أن تصلح ما وهى منها ، وتدع بيتا أسلم الناس عليه ، وأحجارا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها . فقال ابن الزبير : لو احترق بيت أحدكم ما رضي حتى يجدده ، فكيف ببيت ربكم ؟ ! ثم إن ابن الزبير استخار الله ثلاثة أيام ، ثم غدا في اليوم الرابع ، فبدأ ينقض الركن إلى الأساس ، فلما وصلوا إلى الأساس وجدوا أصلا بالحجر مشبكا كأصابع اليدين ، فدعا ابن الزبير خمسين رجلا وأشهدهم على ذلك ، ثم بنى البيت وأدخل الحجر فيه ، وجعل للكعبة بابين موضوعين بالأرض ; باب يدخل منه وباب يخرج منه ، ووضع الحجر الأسود بيده ، وشده بفضة ; لأنه كان قد تصدع ، وجعل طول الكعبة سبعة وعشرين ذراعا ، وكان طولها سبعة عشر ذراعا فاستقصره ، وزاد في وسع الكعبة عشرة أذرع ، ولطخ جدرانها بالمسك ، وسترها بالديباج ، ثم اعتمر من مساجد عائشة ، وطاف بالبيت ، وصلى وسعى ، وأزال ما كان حول البيت وفي المسجد من الحجارة والزبالة ، وما كان حولها من الدماء ، وكانت الكعبة قد وهت من أعلاها إلى أسفلها من حجارة المنجنيق ، واسود الركن ، وانصدع الحجر الأسود من النار التي كانت حول الكعبة .

            سبب تجديد عبد الله بن الزبير للكعبة وكان سبب تجديد ابن الزبير لها ما ثبت في " الصحيحين " وغيرهما من المسانيد والسنن ، من طرق ، عن عائشة أم المؤمنين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة ولأدخلت فيها الحجر ، فإن قومك قصرت بهم النفقة ، ولجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا ، يدخل الناس من أحدهما ويخرجون من الآخر ، ولألصقت بابها بالأرض ، فإن قومك رفعوا بابها ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا " . فبناها ابن الزبير على ذلك كما أخبرته به خالته عائشة أم المؤمنين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجزاه الله خيرا . ثم لما غلبه الحجاج بن يوسف في سنة ثلاث وسبعين ، وقتله وصلبه هدم الحائط الشمالي وأخرج الحجر كما كان أولا ، وأدخل الحجارة التي هدمها إلى جوف الكعبة فرضها فيها ، فارتفع الباب ، وسد الغربي ، وتلك آثاره إلى الآن ، وذلك بأمر عبد الملك بن مروان له في ذلك ، ولم يكن بلغه الحديث ، فلما بلغه الحديث بعد ذلك قال : وددنا أنا تركناه وما تولى من ذلك .

            وقد هم المهدي بن المنصور العباسي أن يعيدها على ما بناها ابن الزبير ، واستشار الإمام مالك بن أنس في ذلك ، فقال : إني أكره أن يتخذها الملوك ملعبة . يعني يتلاعبون في بنائها بحسب آرائهم ، فهذا يرى رأي ابن الزبير ، وهذا يرى رأي عبد الملك بن مروان . والله سبحانه وتعالى أعلم .

            وقيل : كانت عمارتها سنة خمس وستين . ويمكن أن يكون النقض في سنة والبناء في السنة الأخرى .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية