الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ترجمة عمرو بن سعيد الأشدق

            هو عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس ، أبو أمية القرشي الأموي ، المعروف بالأشدق ، يقال : إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه أنه قال : ما نحل والد ولدا أحسن من أدب حسن . وحديثا آخر في العتق .

            وروى عن عمر ، و عثمان ، و علي وعائشة ، وحدث عنه بنوه ؛ أمية وسعيد ، و موسى وغيرهم . واستنابه معاوية على المدينة ، وكذلك يزيد بن معاوية بعد أبيه . صفة عمرو بن سعيد الأشدق وكان من سادات المسلمين ، ومن الكرماء المشهورين ، يعطي الكثير ، ويتحمل العظائم ، وكان وصي أبيه من بين بنيه ، وكان أبوه - كما قدمنا - من المشاهير الكرماء ، والسادة النجباء . قال عمرو : ما شتمت رجلا منذ كنت رجلا ، ولا كلفت من قصدني أن يسألني ; لهو أمن علي مني عليه .

            وقال سعيد بن المسيب : خطباء الناس في الجاهلية : الأسود بن عبد المطلب ، وسهيل بن عمرو ، وخطباء الناس في الإسلام : معاوية وابنه ، وسعيد بن العاص وابنه ، وعبد الله بن الزبير .

            وقد قال الإمام أحمد بسنده أخبرني من سمع أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بني أمية حتى يسيل رعافه . قال : فأخبرني من رأى عمرو بن سعيد بن العاص رعف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سال رعافه .

            وهو الذي كان يبعث البعوث إلى مكة بعد وقعة الحرة أيام يزيد بن معاوية لقتال ابن الزبير ، فنهاه أبو شريح الخزاعي ، وذكر له الحديث الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم مكة فقال : نحن أعلم بذلك منك يا أبا شريح ، إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بخربة . ثم إن مروان دخل إلى مصر بعدما دعا إلى بيعة نفسه ، واستقر له الشام ودخل معه عمرو بن سعيد ففتح مصر ، وقد كان وعد عمرا أن يكون ولي العهد من بعد عبد الملك ، وأن يكون قبل ذلك نائبا بدمشق ، فلما قويت شوكة مروان رجع عن ذلك ، وجعل الأمر من بعد عبد الملك لولده عبد العزيز ، وخلع عمرو بن سعيد من ذلك ، فما زال ذلك في نفسه ، حتى كانت هذه السنة ، وعزم عبد الملك على الدخول إلى العراق لقتال مصعب بن الزبير ، فرجع من جيشه ودخل عمرو دمشق وتحصن بها ، وأجابه أهلها ، فاتبعه عبد الملك فحاصره ، ثم استنزله على أمان صوري ، ثم قتله كما قدمنا .

            وكان ذلك في هذه السنة على المشهور عند الأكثرين . وقال الواقدي ، و أبو سعيد بن يونس : سنة سبعين . فالله أعلم . ومن الغريب ما ذكره هشام بن محمد الكلبي بسند له : أن رجلا سمع في المنام قائلا يقول على سور دمشق قبل أن يخرج عمرو بن سعيد بالكلية ، وقبل قتله بمدة ، هذه الأبيات :


            ألا يا لقومي للسفاهة والوهن وللفاجر الموهون والرأي ذي الأفن     ولابن سعيد بينما هو قائم
            على قدميه خر للوجه والبطن     رأى الحصن منجاة من الموت فالتجا
            إليه فزارته المنية في الحصن



            قال : فأتى الرجل عبد الملك فأخبره ، فقال : ويحك ، سمعها منك أحد ؟ قال : لا . قال : ضعها تحت قدميك . ثم بعد ذلك خلع عمرو الطاعة ، وقتله عبد الملك بن مروان

            التالي السابق


            الخدمات العلمية