الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي

            وممن قتل مع ابن الزبير  في سنة ثلاث وسبعين بمكة من الأعيان :

            عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي ، أبو صفوان المكي

            وكان أكبر ولد أبيه ، أدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى عن عمر وجماعة من الصحابة ، وحدث عنه خلق من التابعين ، وكان سيدا شريفا مطاعا حليما ، يحتمل الأذى ، لو سبه عبد أسود ، ما استنكف عنه ، ولم يقصده أحد في شيء فرده خائبا ، ولا سمع بمفازة إلا حفر جبا ، أو عمل فيها بركة ، ولا عقبة إلا سهلها .

            وقيل : إن المهلب بن أبي صفرة قدم على ابن الزبير من العراق ، فأطال الخلوة معه ، فجاء ابن صفوان فقال : من هذا الذي شغلك منذ اليوم ؟ قال : هذا سيد العرب من أهل العراق . فقال : ينبغي أن يكون المهلب . فقال المهلب لابن الزبير : ومن هذا الذي يسأل عني يا أمير المؤمنين ؟ قال : هذا سيد قريش بمكة . فقال : ينبغي أن يكون عبد الله بن صفوان . وكان ابن صفوان كريما جدا .

            وقال الزبير بن بكار بسنده : إن معاوية قدم حاجا فتلقاه الناس ، فكان عبد الله بن صفوان في جملة من تلقاه ، فجعل يساير معاوية ، وجعل أهل الشام يقولون : من هذا الذي يساير أمير المؤمنين ؟ فلما انتهى إلى مكة إذا الجبل أبيض من الغنم ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هذه غنم أجزرتكها ; تقسمها بين الجند . فإذا هي ألفا شاة ، فقالوا : ما رأينا أكرم من ابن عم أمير المؤمنين .

            ثم كان ابن صفوان من جملة من صبر مع ابن الزبير حين حصره الحجاج ، فقال له ابن الزبير : إني قد أقلتك بيعتي ، فاذهب حيث شئت . فقال : إني إنما قاتلت عن ديني . ثم صبر نفسه ، حتى قتل وهو متعلق بأستار الكعبة في هذه السنة ، رحمه الله وأكرم مثواه .

            عبد الله بن مطيع بن الأسود بن حارثة

            عبد الله بن مطيع بن الأسود بن حارثة القرشي العدوي المدني

            ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحنكه ، ودعا له بالبركة ، وروى عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يقتل قرشي بعد اليوم صبرا إلى يوم القيامة .

            وعنه ابناه : إبراهيم ، و محمد ، والشعبي ، وعيسى بن طلحة بن عبيد الله ، ومحمد بن أبي موسى .

            قال الزبير بن بكار : كان ابن مطيع من كبار رجال قريش جلدا وشجاعة ، وأخبرني عمي مصعب أنه كان على قريش يوم الحرة ، وقتل مع ابن الزبير بمكة ، وهو الذي يقول :


            أنا الذي فررت يوم الحرة والشيخ لا يفر إلا مرة     لأجبرن كرة بفرة

            رحمه الله .

            عوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي الغطفاني

            عوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي الغطفاني

            صحابي جليل ، شهد مؤتة مع خالد بن الوليد والأمراء قبله ، وشهد الفتح ، وكانت معه راية قومه يومئذ ، وشهد فتح الشام ، وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث ، وروى عنه جماعة من التابعين ، وأبو هريرة ، وقد مات قبله ، وقال الواقدي ، وخليفة بن خياط ، وأبو عبيد ، وغير واحد : توفي سنة ثلاث وسبعين بالشام .

            أسماء بنت أبي بكر الصديق

            أسماء بنت أبي بكر الصديق  

            والدة عبد الله بن الزبير ، يقال لها : ذات النطاقين ،  وإنما سميت بذلك عام الهجرة حين شقت نطاقها ، وربطت به سفرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حين خرجا إلى غار ثور للهجرة . وأمها قيلة ، وقيل : قتيلة بنت عبد العزى من بني عامر بن لؤي .

            أسلمت أسماء قديما ، وهم بمكة في أول الإسلام ، وهاجرت هي وزوجها الزبير ، وهي حامل متم بولدها عبد الله ، فوضعته بقباء ، أول مقدمهم المدينة ، ثم ولدت للزبير بعد ذلك عروة ، و المنذر ، ثم لما كبرت طلقها الزبير ، وقيل : بل قال له عبد الله ابنه : إن مثلي لا توطأ أمه . فطلقها الزبير ، وقيل : بل اختصمت هي والزبير ، فجاء عبد الله ليصلح بينهما ، فقال الزبير : إن دخلت فهي طالق . فدخلت فبانت ، فالله أعلم .

            وقد عمرت أسماء دهرا صالحا وأضرت في آخر عمرها ، وقيل : بل كانت صحيحة البصر ، لم يسقط لها سن ، وأدركت قتل ولدها في هذه السنة كما ذكرنا ، ثم ماتت بعده بخمسة أيام . وقيل : بعشرة . وقيل : بعشرين . وقيل : ببضعة وعشرين يوما . وقيل : عاشت بعده مائة يوم . وهو الأشهر ، وبلغت من العمر مائة سنة ، ولم يسقط لها سن ، ولم ينكر لها عقل ، رحمها الله ورضي عنها ، وقد روت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث طيبة مباركة ، رضي الله عنها ورحمها .

            وممن توفي فيها غير من تقدم ذكره مع ابن الزبير :

            عبد الله بن سعد بن خيثمة الأنصاري

            له صحبة ، وشهد اليرموك ، وكان كثير العبادة والغزو .

            عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي أبو محمد

            له صحبة ورواية ، توفي بالمدينة .

            مالك بن مسمع بن غسان البصري

            مالك بن مسمع بن غسان البصري

            كان شديد الاجتهاد في العبادة والزهادة .

            ثابت بن الضحاك الأنصاري

            ثابت بن الضحاك الأنصاري

            له صحبة ورواية ، توفي بالمدينة ، يقال له : أبو زيد الأشهلي ، وهو من أهل البيعة تحت الشجرة ، قال يحيى بن أبي كثير : أخبرني أبو قلابة ، أن ثابت بن الضحاك أخبره أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله .

            زينب بنت أبي سلمة المخزومية

            زينب بنت أبي سلمة المخزومية

            ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولدتها أمها بالحبشة ، ولها رواية وصحبة .

            توبة بن الحمير

            توبة بن الحمير

            وهو الذي يقال له : مجنون ليلى . كان توبة يشن الغارات على بني الحارث بن كعب ، فرأى ليلى ، فهواها وتهتك بها ، وهام بها محبة وعشقا ، وقال فيها الأشعار الكثيرة القوية الرائقة ، التي لم يسبق إليها ، ولم يلحق فيها ; لكثرة ما فيها من المعاني والحكم ، وقد قيل له مرة : هل كان بينك وبين ليلى ريبة قط ؟ فقال : برئت من شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم إن كنت قط حللت سراويلي على محرم .

            وقد دخلت ليلى على عبد الملك بن مروان تشكو ظلامة ، فقال لها : ماذا رأى منك توبة حتى عشقك هذا العشق كله ؟ فقالت : والله يا أمير المؤمنين ، لم يكن بيني وبينه قط ريبة ، ولا خنا ، وإنما العرب تعشق وتعف ، وتقول الأشعار في من تهوى وتحب ، مع العفة والصيانة لأنفسها عن الدناءات . فأزال ظلامتها وأجازها . توفي توبة في هذه السنة ، وقيل : إن ليلى جاءت إلى قبره فبكت عليه حتى ماتت ، والله أعلم . مالك بن مسمع

            ومالك بن مسمع أبو غسان البكري ، وقيل : مات سنة أربع وستين ، وولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

            سلم بن زياد بن أبيه

            وتوفي سلم بن زياد بن أبيه قبل بشر بن مروان .

            معبد بن خالد الجهني

            وفيها مات معبد بن خالد الجهني وهو ابن ثمانين سنة ، وله صحبة .

            عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله

            وفيها قتل عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله مع ابن الزبير ، وهو ابن أخي طلحة بن عبيد الله ، وله صحبة .

            صفوان بن محرز المازني

            صفوان بن محرز المازني:  

            كان من كبار العباد الصالحين . وأسند عن ابن عمر ، وأبي موسى ، وعمران بن حصين في آخرين . أخبرنا المعلى بن زياد الفردوسي ، قال: كان لصفوان سرب يبكي فيه .

            وعن هشام بن حسان ، عن الحسن ، قال: لقيت أقواما كانوا فيما أحل الله لهم أزهد منكم [فيما حرم الله عليكم] ولقد لقيت أقواما كانوا من حسناتهم أشفق ألا تقبل منهم من سيئاتكم ، ولقد صحبت أقواما كان أحدهم يأكل على الأرض وينام على الأرض ، منهم صفوان بن محرز المازني ، كان يقول: إذا آويت إلى أهلي وأصبت رغيفا أكلته ، فجزى الله الدنيا عن أهلها خيرا ، والله ما زاد على رغيف حتى فارق الدنيا ، فيظل صائما ويفطر على رغيف ويشرب عليه من الماء حتى يتروى ، ثم يقوم فيصلي حتى يصبح ، فإذا صلى الفجر أخذ المصحف فوضعه في حجره يقرأ حتى يترجل النهار ، ثم يقوم فيصلي حتى ينتصف النهار ، فإذا انتصف النهار رمى بنفسه على الأرض فنام إلى الظهر ، وكانت تلك نومته حتى فارق الدنيا ، وكان إذا صلى الظهر قام فصلى إلى العصر ، فإذا صلى العصر وضع المصحف في حجره ، فلا يزال يقرأ حتى تصفر الشمس . عبد الله بن عمر بن الخطاب

            عبد الله بن عمر بن الخطاب ، أبو عبد الرحمن:  

            أسلم بمكة مع أبيه وهو صغير قبل أن يبلغ ، وهاجر مع أبيه ، وشهد غزوة الخندق وما بعدها ، وحضر يوم القادسية ويوم جلولاء وما بينهما من وقائع الفرس .

            وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عبد الله رجل صالح" وقال جابر بن عبد الله: ما أدركنا أحدا إلا وقد مالت به الدنيا إلا ابن عمر .

            وقالت عائشة: ما رأيت أحدا ألزم للأمر الأول من ابن عمر .



            وقال سعيد بن المسيب: لو شهدت لأحد أنه من أهل الجنة لشهدت لعبد الله بن عمر .

            وقال طاوس: ما رأيت رجلا أورع من ابن عمر ، وكان يقول في سجوده: قد تعلم أنه ما يمنعني من مزاحمة قريش على هذه الدنيا إلا خوفك .

            وعن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، قال: اجتمع في الحجر أربعة: مصعب ، وعروة ، وعبد الله بنو الزبير ، وعبد الله بن عمر ، فقالوا: تمنوا ، فقال عبد الله بن الزبير: أما أنا فأتمنى الخلافة ، وقال عروة: أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عني العلم . وقال مصعب: أما أنا فأتمنى إمرة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين . وقال عبد الله بن عمر: وأما أنا فأتمنى المغفرة . قال: فنالوا ما تمنوا ، ولعل ابن عمر قد غفر له .

            وعن الشعبي ، قال: لقد رأيت عجبا ، كنا بفناء الكعبة أنا وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان ، فقال القوم بعدما فرغوا من حديثهم: ليقم رجل منكم فليأخذ بالركن اليماني وليسأل الله حاجته ، فإنه يعطى سؤله ، قم يا عبد الله بن الزبير فإنك أول مولود في الهجرة  ، فقام فأخذ بالركن اليماني ، ثم قال: اللهم إنك عظيم ترجى لكل عظيم أسألك بحرمة وجهك وحرمة عرشك [وحرمة بيتك] وحرمة نبيك عليه السلام ألا تميتني من الدنيا حتى توليني الحجاز ، ويسلم علي بالخلافة . وجاء حتى جلس .

            فقالوا: قم يا مصعب ، فقام فأخذ بالركن اليماني ، فقال: اللهم إنك رب كل شيء وإليك يصير كل شيء ، أسألك بقدرتك على كل شيء ألا تميتني من الدنيا حتى توليني العراق وتزوجني سكينة بنت الحسين ، وجاء حتى جلس .

            فقالوا: قم يا عبد الملك ، فقام فأخذ بالركن اليماني ، فقال: اللهم رب السموات السبع ورب الأرض ذات النبت بعد القفر ، أسألك ما سألك عبادك المطيعين لأمرك ، وأسألك بحرمة وجهك ، وأسألك بحقك على جميع خلقك ، وبحق الطائفين حول بيتك ألا تميتني من الدنيا حتى توليني شرق الأرض وغربها ، ولا ينازعني أحد إلا أتيت برأسه ، ثم جاء حتى جلس .

            ثم قالوا: قم يا عبد الله بن عمر ، فقام حتى أخذ بالركن اليماني ثم قال: اللهم إنك رحمان رحيم ، أسألك برحمتك التي سبقت غضبك ، وأسألك بقدرتك على جميع خلقك ألا تميتني من الدنيا حتى توجب لي الجنة .

            قال الشعبي: فما ذهبت عيناي من الدنيا حتى رأيت كل رجل منهم قد أعطي ما سأل ، وبشر عبد الله بن عمر بالجنة ، ورئيت له .

            وعن حمزة بن عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، قال: خطرت هذه الآية: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون [3: 92] فذكرت ما أعطاني فما وجدت شيئا أحب إلي من جاريتي رميثة ، فقلت: هي حرة لوجه الله ، فلولا أني لا أعود في شيء جعلته لله نكحتها ، فأنكحها نافعا ، فهي أم ولده .



            عن نافع ، قال: كان ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه إلى الله عز وجل  ، قال نافع: كان رقيقه قد عرفوا ذلك منه ، فربما شمر أحدهم فيلزم المسجد ، فإذا رآه على تلك الحالة الحسنة أعتقه ، فيقول له أصحابه: يا أبا عبد الرحمن ، والله ما بهم إلا أن يخدعوك ، فيقول ابن عمر: من خدعنا بالله انخدعنا له .

            قال نافع: ولقد رأيتنا ذات عشية وراح ابن عمر على نجيب له قد أخذه بمال ، فلما أعجبه مسيره أناخه مكانه ثم نزل عنه ، فقال: يا نافع ، انزعوا زمامه ورحله وحللوه وأشعروه وأدخلوه في البدن .

            قال نافع: ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان ، وما زاد . وكان يحيي الليل صلاة ، فإذا جاء السحر استغفر إلى الصباح ، وكان يحيي ما بين الظهر إلى العصر . وكان البر لا يعرف في عمر ولا ابن عمر حتى يقولا أو يعملا .

            وقال: عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، قال: كان زج رمح رجل من أصحاب الحجاج قد أصاب رجل ابن عمر ، فاندمل الجرح ، فلما صدر الناس انتقض على ابن عمر فدخل الحجاج يعوده ، فقال: من أصابك؟ قال: أنت قتلتني ، قال: وفيم؟ قال: حملت السلاح في حرم الله فأصابني بعض أصحابك ، فلما حضرته الوفاة أوصى ألا يدفن في الحرم ، فغلب فدفن في الحرم وصلى عليه الحجاج .

            وعن حنبل بن إسحاق ، قال: حدثني أبو عبد الله ، قال: مات عبد الله بن عمر سنة ثلاث وسبعين   .

            وكذلك قال أبو نعيم الفضل بن دكين وابن بكير .

            وقيل: إنه مات في سنة أربع وسبعين .

            وعن سعيد بن عفير قال: في سنة أربع [وسبعين] مات عبد الله بن عمر بمكة ، فدفن بذي طوى في مقبرة المهاجرين ، وقيل: إنه دفن بفج وهو ابن أربع وثمانين .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية