الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            تياذوق الطبيب الحاذق

            وفيها توفي من الأعيان

            تياذوق الطبيب الحاذق

            له مصنفات في فنه ، وكان حظيا عند الحجاج ، مات في حدود سنة تسعين بواسط .

            عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة وسنان بن سلمة بن المحبق

            وفيها توفي عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ، وسنان بن سلمة بن المحبق ، أحد الشجعان المذكورين ، أسلم يوم الفتح ، وتولى غزو الهند ، وطال عمره .

            محمد بن يوسف الثقفي

            وتوفي في هذه السنة محمد بن يوسف الثقفي أخو الحجاج ، وكان أميرا على اليمن وكان يلعن عليا على المنابر . قيل : إنه أمر حجرا المدري أن يلعن عليا . فقال : بل لعن الله من يلعن عليا ، ولعنة الله على من لعنه الله . وقيل : إنه ورى في لعنه . فالله أعلم .

            عبد الله بن الزبير بن سليم الأسدي

            عبد الله بن الزبير بن سليم الأسدي ، الشاعر أبو كثير

            ويقال : أبو سعد . وهو مشهور ، وفد على عبد الله بن الزبير فامتدحه ، فلم يعطه شيئا ، فقال : لعن الله ناقة حملتني إليك . فقال ابن الزبير : إن وصاحبها . يقال : إنه مات في زمن الحجاج . أنس بن مالك الأنصاري

            فيها مات أنس بن مالك الأنصاري ، وقيل : وتسعين ، وقيل : ثلاث وتسعين ، وكان عمره ستا وتسعين سنة ، وقيل : مائة وست سنين ، وقيل : وسبع ، وقيل : وثلاث .

            نصر بن عاصم الليثي النحوي

            وفيها توفي نصر بن عاصم الليثي النحوي ، أخذ النحو عن أبي الأسود الدؤلي . رفيع أبو العالية الرياحي

            رفيع أبو العالية الرياحي:

            أعتقته امرأة من بني رياح . قال: كنت مملوكا لأعرابية ، فدخلت المسجد معها ، فوافينا الإمام على المنبر ، فقبضت على يدي وقالت: اللهم أذخره عندك ذخيرة ، اشهدوا يا أهل المسجد أنه سائبة لله ، ثم ذهبت ، فما تراءينا بعد .

            أسند أبو العالية عن أبي بكر ، وعمر ، وعلي ، وأبي ، وأبي موسى ، وأبي هريرة ، وابن عباس . وكان عالما ثقة .

            وعن عاصم ، قال: كان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام . أبو الخير الكلاعي اليزني

            مرثد بن عبد الله ، أبو الخير الكلاعي اليزني:

            يروي عن أبي أيوب الأنصاري ، وزيد بن ثابت ، وعقبة بن عامر ، ومالك بن هبيرة ، وعمرو بن العاص ، وغيرهم .

            وكان مفتي أهل مصر في أيامه .

            خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان

            خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان:

            كان من رجالات قريش والمعدودين من كبرائهم سخاء وفصاحة وعقلا . وكان قد شغل نفسه بعمل الكيمياء ، فضاع زمانه . وكان مروان بن الحكم قد تزوج أمه أم خالد لأجل أن الناس كانوا ينظرون إلى خالد لمكان أبيه ، وكان مروان يطمعه في بعض الأمر ثم بدا له فعقد لابنيه عبد الملك وعبد العزيز ، وأخذ يضع من خالد حتى شتمه يوما وذكر أمه بالقبح - على ما ذكرنا في أخبار مروان بن الحكم - فكان ذلك سبب قتل مروان .

            وعن أبي عبيدة معمر بن المثنى ، قال:

            حج عبد الملك بن مروان وحج معه خالد بن يزيد بن معاوية ، وكان من رجالات قريش المعدودين وعلمائهم . وكان عظيم القدر عند عبد الملك . فبينا هو يطوف بالبيت إذ بصر برملة بنت الزبير بن العوام فعشقها عشقا شديدا ، ووقعت بقلبه وقوعا متمكنا . فلما أراد عبد الملك القفول هم خالد بالتخلف عنه ، فوقع بقلب عبد الملك تهمه ، فبعث إليه يسأله عن أمره ، فقال: يا أمير المؤمنين ، رملة بنت الزبير رأيتها تطوف بالبيت قد أذهبت عقلي ، والله ما أبديت لك ما بي حتى عيل صبري ، فلقد عرضت النوم على عيني فلم تقبله ، والسلو على قلبي فامتنع منه ، فأطال عبد الملك التعجب من ذلك وقال: ما كنت أقول إن الهوى يستأسر مثلك ، فقال: وإني لأشد تعجبا من تعجبك مني ، ولقد كنت أقول إن الهوى لا يتمكن إلا من صنفين من الناس: الشعراء ، والأعراب . فأما الشعراء فإنهم ألزموا قلوبهم الفكر في النساء والغزل ، فمال طمعهم إلى النساء ، فضعفت قلوبهم عن دفع الهوى فاستسلموا له منقادين . وأما الأعراب ، فإن أحدهم يخلو بامرأته فلا يكون الغالب عليه غير حبه لها ، ولا يشغله شيء عنه ، فضعفوا عن دفع الهوى ، فتمكن منهم . وجملة أمري ما رأيت نظرة حالت بيني وبين الحرم ، وحسنت عندي ركوب الإثم مثل نظرتي هذه . فتبسم عبد الملك وقال: أو كل هذا قد بلغ بك ، فقال: والله ما عرفتني هذه البلية قبل وقتي هذا ، فوجه عبد الملك إلى آل الزبير يخطب رملة على خالد ، فذكروا لها ذلك فقالت: لا والله ، أو يطلق نساءه ، فطلق امرأتين كانتا عنده ، إحداهما من قريش والأخرى من الأزد ، وظعن بها إلى الشام . وفيها يقول:


            أليس يزيد الشوق في كل ليلة وفي كل يوم من حبيبتنا قربا     خليلي ما من ساعة تذكرانها
            من الدهر إلا فرجت عني الكربا     أحب بني العوام طرا لحبها
            ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا     تجول خلاخيل النساء ولا أرى
            لرملة خلخالا يجول ولا قلبا

            وقد زاد بعض أعدائه في هذه الأبيات:


            فإن تسلمي نسلم وإن تتنصري     يخط رجال بين أعينهم صلبا

            فلما سمع البيت قال من قاله: لعنة الله [عليه] وعلى من يجيبه .

            قال: الزبير بن بكار ،

            دخلت رملة بنت الزبير على عبد الملك بن مروان ، وكانت عند خالد بن يزيد بن معاوية ، فقال لها: يا رملة ، غرني عروة منك ، فقالت: لم يغررك ولكن نصحك ، إنك قتلت مصعبا أخي ، فلم يأمني عليك . وكان عبد الملك أراد أن يتزوجها ، فقال له عروة: لا أرى ذلك لك . وكان الحجاج قد بعث إلى خالد: ما كنت أراك تخطب إلى آل الزبير حتى تشاورني ، فكيف خطبت إلى قوم ليسوا بأكفائك ، وهم الذين نازعوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيحة . فقال لرسوله: ارجع فقل له: ما كنت أرى أن الأمور بلغت بك إلى أن أؤامرك في خطبة النساء ، وأما قولك: نازعوا أباك وشهدوا عليه بالقبيح ، فإنها قريش تتقارع ، فإذا أقر الله الحق مقره تعاطفوا وتراحموا . وأما قولك:

            ليسوا لك بأكفاء . فقبحك الله يا حجاج ما أقل علمك بأنساب قريش ، أيكون العوام كفؤا لعبد المطلب بن هاشم حتى يتزوج صفية ويتزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خديجة ، ولا تراهم أكفاء لأبي سفيان .

            ولما قدم الحجاج على عبد الملك مر بخالد فقال له رجل: من هذا؟ فقال خالد كالمستهزئ به: هذا عمرو بن العاص فرجع الحجاج إليه فقال: ما أنا بعمرو بن العاص ولكني ابن الغطاريف من ثقيف ، والعقائل من قريش ، ولقد ضربت بسيفي هذا أكثر من مائة ألف كلهم يشهد أن أباك وأنت وجدك من أهل النار ، ثم لم آخذ لذلك عندك شكرا .

            وقيل كانت وفاته في هذا العام، وقيل في سنة أربع وثمانين، وقيل توفي سنة ثنتين وثمانين . والصحيح الأول .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية