[وفي سنة إحدى وتسعين حج الوليد بن عبد الملك]
قال الواقدي: بسنده عن صالح بن كيسان ، قال: فلما حضر قدوم الوليد أمر عمر بن عبد العزيز عشرين رجلا من قريش يخرجون معه ، فخرجوا فلقوه بالسويداء ، فلما دخل إلى المدينة غدا إلى المسجد ينظر إلى بنائه ، فأخرج الناس منه ، فما ترك فيه أحد ، وبقي سعيد بن المسيب ما يجترئ أحد من الحرس أن يخرجه ، وما عليه إلا ريطتان ما تساويان خمسة دراهم في مصلاه ، فقيل له: لو قمت ، قال: والله لا أقوم حتى يأتي الوقت الذي كنت أقوم فيه ، فقيل له: لو سلمت على أمير المؤمنين ، فقال: لا والله لا أقوم إليه .
قال عمر بن عبد العزيز: فجعلت أعدل بالوليد في ناحية المسجد رجاء ألا يرى سعيد بن المسيب حتى يقوم ، فحانت من الوليد التفاتة - أو قال: نظرة - إلى القبلة ، فقال من ذلك الجالس؟ أهو الشيخ سعيد بن المسيب؟ فقال عمر: نعم يا أمير المؤمنين ، من حاله ومن حاله ، ولو علم مكانك لقام مسلما عليك ، فدار في المسجد حتى وقف [على القبر ، ثم أقبل حتى وقف] على سعيد بن المسيب ، فقال: كيف أنت أيها الشيخ؟ [فو الله ما تحرك سعيد ولا قام] فقال: بخير والحمد لله ، فكيف أمير المؤمنين وكيف حاله؟ فقال الوليد: بخير والحمد لله فانصرف وهو يقول: لعمر: هذا بقية الناس ، فقال: أجل يا أمير المؤمنين .
وقسم الوليد بالمدينة رقيقا كثيرا بين الناس ، وآنية من ذهب وفضة وأموالا ثم خطب الوليد على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس في الخطبة الأولى ، وانتصب قائما في الثانية ،
قال إسحاق بن يحيى : فقلت لرجاء بن حيوة وهو معه : أهكذا تصنعون ؟ قال : نعم ، مكررا ، وهكذا صنع معاوية وهلم جرا . قال : فقلت له : هلا تكلمه ؟ قال : أخبرني قبيصة بن ذؤيب أنه كلم عبد الملك ولم يترك القعود ، وقال : هكذا خطب عثمان . قال فقلت : والله ما خطب إلا قائما . قال رجاء : روي لهم شيء فاقتدوا به . قال إسحاق : ولم نر منهم أشد تجبرا منه . قال الواقدي: وقدم بطيب وكسوة للكعبة .
قال المدائني: وحج محمد بن يوسف من اليمن ، وحمل هدايا للوليد ، فقالت أم البنين للوليد: اجعل لي هدية محمد بن يوسف ، فأمر بصرفها إليها ، فجاءت أم البنين إلى محمد فيها ، فأبى وقال: حتى ينظر إليها أمير المؤمنين فيرى رأيه ، وكانت هدايا كثيرة فقالت: يا أمير المؤمنين ، إنك أمرت بهدايا محمد أن تصرف إلي ولا حاجة لي فيها ، قال: ولم ، قالت: بلغني أنه غصبها وكلفهم عملها وظلمهم ، وحمل محمد المتاع إلى الوليد ، فقال له: بلغني أنك أصبتها غصبا ، قال: معاذ الله ، فأمر فاستحلف بين الركن والمقام خمسين يمينا أنه ما غصب شيئا منها ولا ظلم أحدا ولا أصابها إلا من طيب ، فحلف فقبلها الوليد ودفعها إلى أم البنين . ومات محمد باليمن ، أصابه داء انقطع منه .
وكان عمال الأمصار في هذه السنة من تقدم في السنة التي قبلها ، غير مكة ، فإن الواقدي يقول: كان عاملها خالد بن عبد الله القسري . وقال غيره: بل كان عمر بن العزيز