الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [وفي سنة إحدى وتسعين حج الوليد بن عبد الملك]

            قال الواقدي: بسنده عن صالح بن كيسان ، قال: فلما حضر قدوم الوليد أمر عمر بن عبد العزيز عشرين رجلا من قريش يخرجون معه ، فخرجوا فلقوه بالسويداء ، فلما دخل إلى المدينة غدا إلى المسجد ينظر إلى بنائه ، فأخرج الناس منه ، فما ترك فيه أحد ، وبقي سعيد بن المسيب ما يجترئ أحد من الحرس أن يخرجه ، وما عليه إلا ريطتان ما تساويان خمسة دراهم في مصلاه ، فقيل له: لو قمت ، قال: والله لا أقوم حتى يأتي الوقت الذي كنت أقوم فيه ، فقيل له: لو سلمت على أمير المؤمنين ، فقال: لا والله لا أقوم إليه .

            قال عمر بن عبد العزيز: فجعلت أعدل بالوليد في ناحية المسجد رجاء ألا يرى سعيد بن المسيب حتى يقوم ، فحانت من الوليد التفاتة - أو قال: نظرة - إلى القبلة ، فقال من ذلك الجالس؟ أهو الشيخ سعيد بن المسيب؟ فقال عمر: نعم يا أمير المؤمنين ، من حاله ومن حاله ، ولو علم مكانك لقام مسلما عليك ، فدار في المسجد حتى وقف [على القبر ، ثم أقبل حتى وقف] على سعيد بن المسيب ، فقال: كيف أنت أيها الشيخ؟ [فو الله ما تحرك سعيد ولا قام] فقال: بخير والحمد لله ، فكيف أمير المؤمنين وكيف حاله؟ فقال الوليد: بخير والحمد لله فانصرف وهو يقول: لعمر: هذا بقية الناس ، فقال: أجل يا أمير المؤمنين .

            وقسم الوليد بالمدينة رقيقا كثيرا بين الناس ، وآنية من ذهب وفضة وأموالا ثم خطب الوليد على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس في الخطبة الأولى ، وانتصب قائما في الثانية ،

            قال إسحاق بن يحيى : فقلت لرجاء بن حيوة وهو معه : أهكذا تصنعون ؟ قال : نعم ، مكررا ، وهكذا صنع معاوية وهلم جرا . قال : فقلت له : هلا تكلمه ؟ قال : أخبرني قبيصة بن ذؤيب أنه كلم عبد الملك ولم يترك القعود ، وقال : هكذا خطب عثمان . قال فقلت : والله ما خطب إلا قائما . قال رجاء : روي لهم شيء فاقتدوا به . قال إسحاق : ولم نر منهم أشد تجبرا منه . قال الواقدي: وقدم بطيب وكسوة للكعبة .

            قال المدائني: وحج محمد بن يوسف من اليمن ، وحمل هدايا للوليد ، فقالت أم البنين للوليد: اجعل لي هدية محمد بن يوسف ، فأمر بصرفها إليها ، فجاءت أم البنين إلى محمد فيها ، فأبى وقال: حتى ينظر إليها أمير المؤمنين فيرى رأيه ، وكانت هدايا كثيرة فقالت: يا أمير المؤمنين ، إنك أمرت بهدايا محمد أن تصرف إلي ولا حاجة لي فيها ، قال: ولم ، قالت: بلغني أنه غصبها وكلفهم عملها وظلمهم ، وحمل محمد المتاع إلى الوليد ، فقال له: بلغني أنك أصبتها غصبا ، قال: معاذ الله ، فأمر فاستحلف بين الركن والمقام خمسين يمينا أنه ما غصب شيئا منها ولا ظلم أحدا ولا أصابها إلا من طيب ، فحلف فقبلها الوليد ودفعها إلى أم البنين . ومات محمد باليمن ، أصابه داء انقطع منه .

            وكان عمال الأمصار في هذه السنة من تقدم في السنة التي قبلها ، غير مكة ، فإن الواقدي يقول: كان عاملها خالد بن عبد الله القسري . وقال غيره: بل كان عمر بن العزيز

            التالي السابق


            الخدمات العلمية