الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وتوفي في سنة اثنتين وتسعين من الأعيان

            مالك بن أوس بن الحدثان النصري أبو سعيد المدني

            مختلف في صحبته . وقال بعضهم : ركب الخيل في الجاهلية ، ورأى أبا بكر . وقال محمد بن سعد : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يحفظ منه شيئا . وأنكر ذلك ابن معين والبخاري وأبو حاتم وقالوا : لا تصح له صحبة . والله أعلم . مات في هذه السنة ، وقيل : في التي قبلها . فالله أعلم .

            طويس المغني طويس المغني

            اسمه عيسى بن عبد الله ، أبو عبد المنعم المدني ، مولى بني مخزوم ، كان بارعا في صناعته ، وكان طويلا مضطربا أحول العين ، وكان مشئوما; لأنه ولد يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفطم يوم توفي الصديق ، واحتلم يوم قتل عمر ، وتزوج يوم قتل عثمان ، وولد له يوم قتل الحسين بن علي . وقيل : ولد له يوم قتل علي . حكاه ابن خلكان وغيره . وكانت وفاته في هذه السنة عن ثنتين وثمانين سنة بالسويداء ، وهي على مرحلتين من المدينة .

            الأخطل

            كان شاعرا مطبقا ، فاق أقرانه في الشعر . أنس بن مالك أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار: أبو حمزة

            ويقال : أبو ثمامة الأنصاري النجاري ، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه ، وأمه أم حرام مليكة بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام ، زوجة أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري . روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث جمة ، وأخبر بعلوم مهمة ، وروى عن أبي بكر وعمر وعثمان وابن مسعود وغيرهم ، وحدث عنه خلق من التابعين . قال أنس : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين ، وتوفي وأنا ابن عشرين سنة .

            وقال محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن أبيه عن ثمامة قال : قيل لأنس : أشهدت بدرا؟ فقال : وأين أغيب عن بدر لا أم لك؟ قال الأنصاري : شهدها يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي : لم يذكر ذلك أحد من أصحاب المغازي . قلت : الظاهر أنه إنما شهد ما بعد ذلك من المغازي . والله أعلم .

            وقد ثبت أن أمه أتت به وفي رواية : عمه زوج أمه أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، هذا أنس خادم لبيب يخدمك . فوهبته له ، فقبله ، وسألته أن يدعو له فقال : اللهم أكثر ماله وولده ، وأدخله الجنة وثبت عنه أنه قال : كناني رسول الله صلى الل? عليه وسلم ببقلة كنت أجتنيها . وقد استعمله أبو بكر ، ثم عمر على عمالة البحرين وشكراه في ذلك .

            وقد ثبت عنه أنه قال : خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما ضربني ، ولا سبني ، ولا عبس في وجهي ، ولا قال لي لشيء : لم لا فعلت كذا؟ وقيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له ، فقال : اللهم كثر ماله وولده ، وطول حياته وكان أنس رضي الله عنه كثير الصلاة والصيام والعبادة .

            وقد انتقل بعد النبي صلى الله عليه وسلم فسكن البصرة ، وكان له بها أربع دور ، وقد ناله أذى من جهة الحجاج ، وذلك في فتنة ابن الأشعث; توهم الحجاج منه أنه داخل في الأمر ، وأنه أفتى فيه ، فختمه الحجاج في عنقه : هذا عتيق الحجاج . وقد شكاه أنس كما قدمنا إلى عبد الملك ، فكتب إلى الحجاج يعنفه ، ففزع الحجاج من ذلك وصالح أنسا . وقد وفد أنس على الوليد بن عبد الملك في أيام ولايته ، قيل : في سنة ثنتين وتسعين ، وهو يبني جامع دمشق .

            قال مكحول : رأيت أنسا يمشي في مسجد دمشق ، فقمت إليه فسألته عن الوضوء من الجنازة ، فقال : لا وضوء . وقال الأوزاعي : حدثني إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر قال : قدم أنس على الوليد ، فقال له الوليد : ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر به الساعة؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أنتم والساعة كهاتين

            وقال الزهري : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك؟ قال : لا أعرف مما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا هذه الصلاة ، وقد صنعتم فيها ما صنعتم . وفي رواية : وهذه الصلاة قد ضيعت . يعني ما كان يفعله خلفاء بني أمية من تأخير الصلاة إلى آخر وقتها الموسع; كانوا يواظبون على التأخير إلا عمر بن عبد العزيز في أيام خلافته .

            وعن أنس قال : جاءت بي أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام ، فقالت : يا رسول الله ، أنيس فادع الله له . فقال : اللهم أكثر ماله وولده ، وأدخله الجنة . قال : فقد رأيت اثنتين ، وأنا أرجو الثالثة . وفي رواية : قال أنس : فوالله إن مالي لكثير حتى نخلي وكرمي ليثمر في السنة مرتين ، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة . وفي رواية : وإن ولدي لصلبي مائة وستة . ولهذا الحديث طرق كثيرة ، وألفاظ منتشرة جدا ، وفي رواية : قال أنس : وأخبرتني ابنتي أمينة : أنه دفن لصلبي إلى حين مقدم الحجاج عشرون ومائة .

            وقال ثابت لأنس : هل مست يدك كف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم . قال : فأعطنيها أقبلها . وقال محمد بن سعد بسنده عن المنهال بن عمرو ، قال : كان أنس صاحب نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإداوته . وقال محمد بن سعد : وعن المثنى بن سعيد الذارع قال : سمعت أنس بن مالك يقول : ما من ليلة إلا وأنا أرى فيها حبيبي صلى الله عليه وسلم . ثم يبكي .

            وقال أبو داود بسنده عن أنس قال : إني لأرجو أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقول : يا رسول الله ، خويدمك .

            وقال الإمام أحمد بسنده عن أنس قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة ، قال : أنا فاعل قلت : فأين أطلبك يوم القيامة يا نبي الله؟ قال : اطلبني أول ما تطلبني على الصراط . قلت : فإذا لم ألقك؟ قال : فأنا عند الميزان . قلت : فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال : فأنا عند الحوض ، لا أخطئ هذه الثلاث مواطن يوم القيامة .

            وقال شعبة ، عن ثابت قال : قال أبو هريرة : ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم سليم ، يعني أنس بن مالك . وقال أنس بن سيرين : كان أحسن الناس صلاة في الحضر والسفر . وقال أنس : يا ثابت خذ مني; فإني أخذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل ، ولست تجد أوثق مني .

            وقال معتمر بن سليمان ، عن أبيه : سمعت أنسا يقول : ما بقي أحد صلى القبلتين غيري .

            بسنده عن أبا حباب ، سمعت الجريري يقول : أحرم أنس من ذات عرق ، فما سمعناه متكلما إلا بذكر الله عز وجل حتى أحل . فقال لي : يا ابن أخي ، هكذا الإحرام .

            وقال صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف : دخل علينا أنس يوم الجمعة ، ونحن في بعض أبيات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم نتحدث فقال : مه . فلما أقيمت الصلاة قال : إني أخاف أن أكون قد أبطلت جمعتي بقولي لكم : مه .

            وقال ابن أبي الدنيا بسنده عن ثابت قال : كنت مع أنس فجاء قهرمانه ، فقال : يا أبا حمزة ، عطشت أرضنا . قال : فقام أنس ، فتوضأ وخرج إلى البرية ، فصلى ركعتين ثم دعا ، فرأيت السحاب يلتئم ، ثم مطرت حتى ملأت كل شيء ، فلما سكن المطر بعث أنس بعض أهله فقال : انظر أين بلغت السماء ، فنظر فلم تعد أرضه إلا يسيرا .

            وقال الإمام أحمد بسنده عن محمد قال : كان أنس إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ففرغ منه قال : أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

            وقال الأنصاري ، عن ابن عون ، عن محمد قال : بعث أمير من الأمراء إلى أنس شيئا من الفيء ، فقال : أخمس؟ قال : لا . فلم يقبله .

            وقال النضر بن شداد ، عن أبيه : مرض أنس ، فقيل له : ألا ندعو لك الطبيب؟ فقال : الطبيب أمرضني .

            وقال حنبل بن إسحاق بسنده عن علي بن يزيد ، قال : كنت في القصر مع الحجاج وهو يعرض الناس ليالي ابن الأشعث ، فجاء أنس بن مالك فقال الحجاج : هي يا خبيث ، جوال في الفتن ، مرة مع علي ، ومرة مع ابن الزبير ، ومرة مع ابن الأشعث ، أما والذي نفس الحجاج بيده لأستأصلنك كما تستأصل الصمغة ، ولأجردنك كما يجرد الضب . قال : يقول أنس : من يعني الأمير؟ قال : إياك أعني ، أصم الله سمعك . قال : فاسترجع أنس ، وشغل الحجاج ، فخرج أنس فتبعناه إلى الرحبة ، فقال : لولا أني ذكرت ولدي وخفته عليهم لكلمته بكلام في مقامي هذا لا يستحييني بعده أبدا .

            وقد ذكر أبو بكر بن عياش أن أنسا بعث إلى عبد الملك يشكو إليه الحجاج ، ويقول في كتابه : إني خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، والله لو أن اليهود والنصارى أدركوا رجلا خدم نبيهم لأكرموه . وذكر له أذية الحجاج له ، فلما قرأ عبد الملك كتابه حصل عنده أمر عظيم ، فكتب إليه يقول : ويلك ، لقد خشيت أن لا يصلح على يدي أحد . وذكر له كلاما فيه غلظة ، ويقول فيه : إذا جاءك كتابي فقم إلى أنس ، واعتذر له . فجاء كتاب عبد الملك إلى الحجاج بالغلظة في ذلك ، فهم أن ينهض إلى أنس ، فأشار إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر الذي قدم بالكتاب أن لا يذهب إلى أنس ، وأشار على أنس أن يبادر إلى الحجاج بالمصالحة وكان إسماعيل صديق الحجاج فجاء أنس ، فقام إليه الحجاج يتلقاه ، وقال : إنما مثلي ومثلك ، كما قيل : إياك أعني واسمعي يا جارة . أردت أن لا يبقى لأحد علي منطق .

            وقال ابن قتيبة : كتب عبد الملك إلى الحجاج لما قال لأنس ما قال : يا ابن المستفرمة بحب الزبيب ، لقد هممت أن أركلك ركلة تهوي بها إلى نار جهنم ، قاتلك الله أخيفش العينين ، أقيبل الرجلين ، أسود الجاعرتين . ومعنى قوله : المستفرمة بحب الزبيب ، أي : تضيق فرجها عند الجماع به . ومعنى : أركلك ، أي : أرفسك برجلي .

            وقال أحمد بن صالح العجلي : لم يبتل أحد من الصحابة إلا رجلين; معيقيب كان به الجذام ، وأنس بن مالك; كان به وضح . وقال الحميدي بسنده عن أبي جعفر قال : رأيت أنسا يأكل ، فرأيته يلقم لقما عظاما ، ورأيت به وضحا شديدا .

            وقال أبو يعلى بسنده عن أيوب قال : ضعف أنس عن الصوم فصنع جفنة من ثريد ، ودعا ثلاثين مسكينا فأطعمهم ، وقال شعبة ، عن موسى السنبلاني ، قلت لأنس : أنت آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : قد بقي قوم من الأعراب ، فأما من أصحابه فأنا آخر من بقي .

            وقيل له في مرضه : ألا ندعو لك طبيبا؟ فقال : الطبيب أمرضني . وجعل يقول : لقنوني لا إله إلا الله . وهو محتضر ، فلم يزل يقولها حتى قبض ، وكانت عنده عصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها فدفنت معه .

            قال عمر بن شبة وغير واحد : مات وله مائة وسبع سنين . وقال الإمام أحمد في مسنده بسنده عن حميد ، أن أنسا عمر مائة سنة غير سنة .

            قال الواقدي : وهو آخر من مات من الصحابة بالبصرة ، وكذا قال علي بن المديني والفلاس وغير واحد .

            وقد اختلف المؤرخون في سنة وفاته; فقيل : سنة تسعين . وقيل : إحدى وتسعين . وقيل : ثنتين وتسعين . وقيل : ثلاث وتسعين . وهذا هو المشهور ، وعليه الجمهور ، والله أعلم .

            وقال الإمام أحمد : حدثني أبو نعيم قال : توفي أنس بن مالك ، وجابر بن زيد في جمعة واحدة سنة ثلاث وتسعين . وقال قتادة : لما مات أنس قال مورق العجلي : ذهب اليوم نصف العلم . قيل له : وكيف ذاك يا أبا المعتمر؟ قال : كان الرجل من أهل الأهواء ، إذا خالفونا في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلنا لهم : تعالوا إلى من سمعه منه .

            إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي ، من تيم الرباب ، يكنى أبا أسماء:

            روى عن أبيه ، والحارث بن سويد في آخرين ، فكان عالما عابدا .

            عن العوام بن حوشب ، قال:

            ما رأيت رجلا قط خيرا من إبراهيم التيمي ، وما رأيته رافعا بصره إلى السماء في صلاة ولا غيرها ، وسمعته يقول: إن الرجل ليظلمه ، فأرحمه .

            وعن إسحاق بن إبراهيم ، أنه سمع سفيان بن عيينة يقول: قال إبراهيم:

            مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها ، وأعانق أبكارها ، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها ، وأعالج سلاسلها وأغلالها ، فقلت لنفسي: أي نفسي ، أي شيء تريدين؟ قالت: أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحا قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي .

            وعن علي بن محمد ، قال: كان سبب حبس إبراهيم التيمي أن الحجاج طلب إبراهيم النخعي ، فجاء الذي يطلبه ، فقال: أريد إبراهيم ، فقال إبراهيم التيمي: أنا إبراهيم ، وهو يعلم أنه أراد النخعي ، فلم يستحل أن يدله عليه ، فجاء به إلى الحجاج فأمر بحبسه ، ولم يكن لهم في الحبس ظل من الشمس ، ولا كن من البرد ، وكان كل اثنين في سلسلة ، فتغير إبراهيم ، فجاءته أمه في الحبس فلم تعرفه حتى كلمها ، فمات في السجن فرأى الحجاج قائلا يقول: مات في هذه الليلة رجل من أهل الجنة ، فلما أصبح قال: هل مات الليلة أحد بواسط؟ قالوا: نعم ، إبراهيم التيمي ، قال: حلم نزعة من نزعات الشيطان ، وأمر به فألقي على الكناسة ، وذلك في هذه السنة .

            وضاح اليمن وضاح اليمن:

            عن إسحاق بن الضيف ، عن أبي مسهر ، قال:

            كان وضاح اليمن نشأ هو وأم البنين صغيرين ، فأحبها وأحبته ، وكان لا يصبر عنها حتى إذا بلغت حجبت عنه ، وطال بهما البلاء ، فحج الوليد بن عبد الملك فبلغه جمال أم البنين وأدبها فتزوجها ونقلها إلى الشام .

            قال: فذهب عقل وضاح عليها وجعل يذوب وينحل فلما طال عليه البلاء خرج إلى الشام ، فجعل يطوف بقصر الوليد بن عبد الملك في كل يوم لا يجد حيلة حتى رأى يوما جارية صفراء ، فما زال حتى أنس بها ، فقال لها: هل تعرفين أم البنين؟ فقالت: إنك تسأل عن مولاتي ، فقال: إنها لابنة عمي ، فإنها تسر بمكاني وموضعي لو أخبرتها ، قالت: إني أخبرها فمضت الجارية فأخبرت أم البنين ، فقالت ويلك ، أحي هو؟ قالت: نعم ، قالت: قولي له كن مكانك حتى يأتيك رسولي . فلن أدع الاحتيال لك ، فاحتالت إلى أن أدخلته إليها في صندوق ، فمكث عندها حينا فإذا أمنت أخرجته ، فقعد معها وإذا خافت عين رقيب أدخلته الصندوق .

            فأهدي يوما للوليد بن عبد الملك جوهر ، فقال لبعض خدمه: خذ هذا الجوهر فامض به إلى أم البنين وقل لها: أهدي هذا إلى أمير المؤمنين ، فوجه به إليك .

            فدخل الخادم من غير استئذان ووضاح معها ، فلمحه ولم تشعر أم البنين ، فبادر إلى الصندوق فدخله ، فأدى الرسالة ، إليها ، وقال لها: هبي لي من هذا الجوهر حجرا ، فقالت: لا أم لك ، وما تصنع أنت بهذا؟ فخرج وهو عليها حنق فجاء الوليد فخبره الخبر ووصف له الصندوق الذي رآه دخله ، فقال: كذبت ، لا أم لك . ثم نهض الوليد مسرعا فدخل إليها وهي في ذلك البيت وفيه صناديق ، فجاء حتى جلس على ذلك الصندوق الذي وصف له الخادم ، فقال لها: يا أم البنين ، هبي لي صندوقا من صناديقك هذه ، فقالت:

            يا أمير المؤمنين ، هي لك وأنا لك فقال لها: ما أريد غير هذا الذي تحتي ، فقالت: يا أمير المؤمنين ، إن فيه شيئا من أمور النساء ، قال: ما أريد غيره ، قالت: هو لك . فأمر به فحمل ودعا بغلامين وأمرهما بحفر بئر ، فحفرا حتى إذا بلغا الماء وضع فمه على الصندوق وقال: أيها الصندوق ، قد بلغنا عنك شيء فإن كان حقا فقد دفنا خبرك ودرسنا أثرك ، وإن كان كذبا فما علينا من دفن صندوق من حرج ، ثم أمر به فألقي في الحفرة ، وأمر بالخادم فقذف في ذلك المكان فوقه ، وطم عليهما المكان . فكانت أم البنين توجد في ذلك المكان تبكي إلى أن وجدت فيه يوما مكبوبة على وجهها ميتة .

            وقد روى نحو هذه الحكاية هشام بن محمد بن السائب: أن أم البنين كانت عند يزيد بن عبد الملك ، وإن قصة وضاح اليمن جرت له وهي عند يزيد .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية