الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر من توفي في سنة أربع ومائة من الأكابر

            حيان بن شريح حيان بن شريح :

            كان صاحب خراج مصر لعمر بن عبد العزيز ، حدث عنه يزيد بن أبي حبيب ، وعبد الملك بن جنادة ، توفي في هذه السنة .

            ربعي بن حراش بن جحش ربعي بن حراش بن جحش بن عمرو بن عبد الله بن بجاد العبسي الكوفي :

            روى عن عمر ، وعلي ، وحذيفة ، وأبي بكرة ، وعمران بن حصين . حدث عنه الشعبي ، ومنصور بن المعتمر ، وحصين بن عبد الرحمن وغيرهم . وكان ثقة صدوقا .

            عن صالح بن أحمد بن عبد الله العجلي ، قال: حدثني أبي ، قال:

            ربعي بن خراش كوفي ثقة . ويقال إنه لم يكذب كذبة قط . كان له ابنان عاصيان في زمن الحجاج ، فقيل للحجاج: إن أباهما لم يكذب كذبة قط ، لو أرسلت إليه فسألته عنهما ، فأرسل إليه فقال: أين ابناك؟ قال: هما في البيت ، فقال: قد عفونا عنهما بصدقك .

            وعن الحارث الغنوي ، قال :

            آلى ربعي بن حراش ألا تفتر أسنانه ضاحكا حتى يعلم أين مصيره ، فما ضحك إلا عند موته ، وآلى أخوه ربعي بن حراش بعده ألا يضحك حتى يعلم أفي الجنة هو أم في النار .

            قال الحارث الغنوي : فلقد أخبرني غاسله أنه لم يزل متبسما على سريره ونحن نغسله حتى فرغنا منه .

            توفي ربعي بن حراش في هذه السنة ، وقيل في سنة إحدى .

            زياد بن أبي زياد زياد بن أبي زياد ، مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة القرشي ، واسم أبي زياد ميسرة .

            وكان زياد عبدا ، وكان عمر بن عبد العزيز يستزيده ويكرمه ، وبعث إلى مولاه ليبيعه إياه ، فأبى وأعتقه .

            وروى عن أنس بن مالك ، قال مالك بن أنس : كان زياد عابدا معتزلا لا يزال يذكر الله ويلبس الصوف .

            عن يعقوب بن عبد الرحمن القاري ، قال: قال محمد بن المنكدر :

            إني خلفت زياد بن أبي زياد وهو يخاصم نفسه في المسجد يقول: اجلسي ، أين تريدين أن تخرجي إلى أحسن من هذا المسجد؟ انظري إلى ما فيه ، تريدين أن تنظري إلى دار فلان وفلان . قال: وكان يقول لنفسه: مالك من الطعام يا نفس إلا هذا الخبز والزيت ، ومالك من الثياب إلا هذين الثوبين ، ومالك من النساء إلا هذه العجوز ، أتحبين أن تموتي؟ فقالت: أنا أصبر على هذا العيش .

            عبد الله بن يزيد ، أبو قلابة الجرمي عبد الله بن يزيد ، أبو قلابة الجرمي :

            كان فقيها عالما بالفقه ، بصيرا بالقضاء ، فلما طلب للقضاء هرب ومرض ، فدخل عليه عمر بن عبد العزيز يعوده ، فقال له: يا أبا قلابة ، تشدد ولا تشمت بنا المنافقين .

            ومات بالشام في هذه السنة .

            عن أيوب السختياني ، قال: قال لي أبو قلابة :

            احفظ عني ثلاث خصال: إياك وأبواب السلطان ، ومجالسة أهل الأهواء ، والزم سوقك فإن الغنى من العافية .

            وعن عثمان بن الهيثم ، قال:

            كان رجل بالبصرة من بني سعيد ، وكان قائدا من قواد عبيد الله بن زياد ، فسقط من السطح فانكسرت رجلاه ، فدخل عليه أبو قلابة يعوده ، فقال له: أرجو أن يكون لك خيرة ، فقال: يا أبا قلابة ، وأي خيرة في كسر رجلي جميعا ، قال: ما ستر الله عنك أكثر ، فلما كان بعد ثلاث ورد عليه كتاب عبيد الله بن زياد أن يخرج فيقاتل الحسين بن علي رضي الله عنهما فقال للرسول: قد أصابني ما ترى ، فما كان إلا سبعا حتى وافى الخبر بقتل الحسين ، فقال الرجل: رحم الله أبا قلابة ، لقد صدق أنه كان خيرة لي .

            عامر بن شراحيل عامر بن شراحيل - وقيل: عامر بن عبد الله بن شراحيل - أبو عمرو الشعبي :

            من شعب همدان ، كوفي ، وأمه من سبي جلولاء ، ولد لست سنين خلت من خلافة عمر بن الخطاب هو وأخ له توأما . وسمع علي بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين ، وعبد الله بن جعفر ، وابن عباس ، وابن عمر ، وابن عمرو ، وابن الزبير ، وأسامة ، وجابر ، والبراء ، وأنس ، وأبا هريرة ، وعدي بن حاتم ، وسمرة ، وعمرو بن حريث ، والمغيرة ، وزيد بن أرقم ، وغيرهم .

            وكان مفتيا في العلوم وحافظا ثقة ، وقال: ما كتبت سوداء في بيضاء ، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته ، وما أحببت أن يعيده علي ، وما أروي شيئا أقل من الشعر ، ولو شئت لأنشدتكم شهرا لا أعيد . ولقد نسيت من العلم ما لو حفظه رجل لكان به عالما ، وليتني أفلت من ذلك كفافا لا علي ولا لي .

            وسمعه عمر يحدث بالمغازي ، فقال: لكأن هذا الفتى شهد معنا .

            وقال أبو مخلد: ما رأيت أفقه من الشعبي ، ولما بلغ عبد العزيز بن مروان عقل الشعبي وعلمه وطيب مجالسته كتب إلى أخيه عبد الملك أن يؤثره بالشعبي ، ففعل وكتب إليه: إني أوثرك به على نفسي ، لا يلبث عندك إلا شهرا . وكان عبد العزيز بمصر فأقام عنده نحوا من أربعين يوما ثم رده .

            عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه ، قال: وجه عبد الملك بن مروان عامرا الشعبي إلى ملك الروم في بعض الأمر فاستكثره ، فقال له: من أهل بيت الملك أنت؟ قال: لا ، فلما أراد الرجوع إلى عبد الملك حمله رقعة لطيفة وقال: إذا رجعت إلى صاحبك فأبلغه جميع ما يحتاج إلى معرفة من ناحيتنا ، وادفع إليه هذه الرقعة ، فلما صار الشعبي إلى عبد الملك ذكر له ما احتاج إلى ذكره ، ونهض من عنده ، فلما خرج ذكر الرقعة فرجع ، فقال: يا أمير المؤمنين ، إنه حملني إليك رقعة نسيتها حين خرجت ، وكانت في آخر ما حملني ، فدفعها إليه ونهض فقرأها عبد الملك فأمر برده ، فقال: أعلمت ما في هذه الرقعة؟ قال:

            لا ، قال: فيها: عجبت من العرب كيف ملكت غير هذا ، أفتدري لم كتب إلي بهذا؟

            فقال: لا ، قال: حسدني بك فأراد أن يغريني بقتلك ، فقال الشعبي: لو كان ذاك يا أمير المؤمنين ما استكثرني . فبلغ ملك الروم ذلك ، فذكر عبد الملك فقال: لله أبوه ، والله ما أردت إلا ذلك .

            كان الشعبي قد خرج مع القراء على الحجاج ثم دخل عليه فاعتذر فقبل عذره ، وولي القضاء .

            وعن زكريا بن يحيى ، قال:

            دخلت على الشعبي وهو يشتكي فقال له: كيف تجدك؟ قال: أجدني وجعا مجهودا ، اللهم إني أحتسب نفسي عندك فإنها أعز الأنفس عندي .

            توفي في هذه السنة . قاله الأكثرون . وقيل: في سنة سبع . وفي مقدار عمره قولان ، أحدهما: سبع وتسعون ، والثاني: اثنتان وثمانون .

            وفيها مات عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري . وفيها توفي يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة . وفيها مات عامر بن سعد بن أبي وقاص . وفيها توفي موسى بن طلحة بن عبيد الله . وعمير مولى ابن عباس يكنى أبا عبد الله .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية