وفاة عقبة بن الحجاج ودخول بلج الأندلس
في سنة ثلاث وعشرين ومائة توفي عقبة بن الحجاج السلولي أمير الأندلس ، فقيل : بل ثار به أهل الأندلس فخلعوه وولوا بعده عبد الملك بن قطن ، وهي ولايته الثانية ، وكانت ولايته في صفر من هذه السنة ، وكانت البربر قد فعلت بإفريقية ما ذكرناه سنة سبع عشرة ومائة ، وقد حصروا بلج بن بشر العبسي حتى ضاق عليه وعلى من معه الأمر واشتد الحصر ، وهم صابرون إلى هذه السنة ، فأرسل إلى عبد الملك بن قطن يطلب منه أن يرسل إليه مراكب يجوز فيها هو ومن معه إلى الأندلس ، وذكر ما أنزل عليه من الشدة وأنهم أكلوا دوابهم . فامتنع عبد الملك من إدخالهم الأندلس ووعدهم بإرسال المدد إليهم ، فلم يفعل .
فاتفق أن البربر قويت بالأندلس ، فاضطر عبد الملك إلى إدخال بلج ومن معه ، وقيل : إن عبد الملك استشار أصحابه في جواز بلج فخوفوه من ذلك ، فقال : أخاف أمير المؤمنين أن يقول : أهلكت جندي ، فأجازهم وشرط عليهم أن يقيموا سنة ويرجعوا إلى إفريقية ، فأجابوه إلى ذلك ، وأخذ رهائنهم وأجازهم .
فلما وصلوا إليه رأى هو والمسلمون ما بهم من سوء الحال والفقر والعري لشدة الحصار عليهم ، فكسوهم وأحسنوا إليهم ، وقصدوا جمعا من البربر بشدونة فقاتلوهم فظفروا بالبربر فأهلكوهم وغنموا مالهم ودوابهم وسلاحهم ، فصلحت أحوال أصحاب بلج وصار لهم دواب يركبونها .
ورجع عبد الملك بن قطن إلى قرطبة وقال لبلج ومن معه ليخرجوا من الأندلس ، فأجابوه إلى ذلك ، فطلبوا منه مراكب يسيرون فيها من غير الجزيرة الخضراء لئلا يلقوا البرابر الذين حصروهم . فامتنع عبد الملك وقال : ليس لي مراكب إلا في الجزيرة . فقالوا : إنا لا نرجع نتعرض إلى البربر ولا نقصد الجهة التي هم فيها لأننا نخاف أن يقتلونا في بلادهم . فألح عليهم في العود ، فلما رأوا ذلك ثاروا به وقاتلوه ، فظفروا به وأخرجوه من القصر ، وذلك أوائل ذي القعدة من هذه السنة .
فلما ظفر بلج بعبد الملك أشار عليه أصحابه بقتل عبد الملك ، فأخرجه من داره وكأنه فرخ لكبر سنه فقتله وصلبه ، وولي الأندلس ، وكان عمر عبد الملك تسعين سنة ، وهرب ابناه قطن وأمية ، فلحق أحدهما بماردة والآخر بسرقسطة ، وكان هربهما قبل قتل أبيهما ، فلما قتل فعلا ما نذكره إن شاء الله تعالى .