الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وفاة عقبة بن الحجاج ودخول بلج الأندلس

            في سنة ثلاث وعشرين ومائة توفي عقبة بن الحجاج السلولي أمير الأندلس ، فقيل : بل ثار به أهل الأندلس فخلعوه وولوا بعده عبد الملك بن قطن ، وهي ولايته الثانية ، وكانت ولايته في صفر من هذه السنة ، وكانت البربر قد فعلت بإفريقية ما ذكرناه سنة سبع عشرة ومائة ، وقد حصروا بلج بن بشر العبسي حتى ضاق عليه وعلى من معه الأمر واشتد الحصر ، وهم صابرون إلى هذه السنة ، فأرسل إلى عبد الملك بن قطن يطلب منه أن يرسل إليه مراكب يجوز فيها هو ومن معه إلى الأندلس ، وذكر ما أنزل عليه من الشدة وأنهم أكلوا دوابهم . فامتنع عبد الملك من إدخالهم الأندلس ووعدهم بإرسال المدد إليهم ، فلم يفعل .

            فاتفق أن البربر قويت بالأندلس ، فاضطر عبد الملك إلى إدخال بلج ومن معه ، وقيل : إن عبد الملك استشار أصحابه في جواز بلج فخوفوه من ذلك ، فقال : أخاف أمير المؤمنين أن يقول : أهلكت جندي ، فأجازهم وشرط عليهم أن يقيموا سنة ويرجعوا إلى إفريقية ، فأجابوه إلى ذلك ، وأخذ رهائنهم وأجازهم .

            فلما وصلوا إليه رأى هو والمسلمون ما بهم من سوء الحال والفقر والعري لشدة الحصار عليهم ، فكسوهم وأحسنوا إليهم ، وقصدوا جمعا من البربر بشدونة فقاتلوهم فظفروا بالبربر فأهلكوهم وغنموا مالهم ودوابهم وسلاحهم ، فصلحت أحوال أصحاب بلج وصار لهم دواب يركبونها .

            ورجع عبد الملك بن قطن إلى قرطبة وقال لبلج ومن معه ليخرجوا من الأندلس ، فأجابوه إلى ذلك ، فطلبوا منه مراكب يسيرون فيها من غير الجزيرة الخضراء لئلا يلقوا البرابر الذين حصروهم . فامتنع عبد الملك وقال : ليس لي مراكب إلا في الجزيرة . فقالوا : إنا لا نرجع نتعرض إلى البربر ولا نقصد الجهة التي هم فيها لأننا نخاف أن يقتلونا في بلادهم . فألح عليهم في العود ، فلما رأوا ذلك ثاروا به وقاتلوه ، فظفروا به وأخرجوه من القصر ، وذلك أوائل ذي القعدة من هذه السنة .

            فلما ظفر بلج بعبد الملك أشار عليه أصحابه بقتل عبد الملك ، فأخرجه من داره وكأنه فرخ لكبر سنه فقتله وصلبه ، وولي الأندلس ، وكان عمر عبد الملك تسعين سنة ، وهرب ابناه قطن وأمية ، فلحق أحدهما بماردة والآخر بسرقسطة ، وكان هربهما قبل قتل أبيهما ، فلما قتل فعلا ما نذكره إن شاء الله تعالى .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية