الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            فيها مات يحيى بن سعيد الأنصاري أبو سعيد قاضي المدينة  ، وقيل سنة ثلاث ، وقيل سنة أربع وأربعين . وفيها مات موسى بن عقبة مولى آل الزبير   . وفيها توفي أيضا عاصم بن سليمان الأحول  ، وقيل سنة ثلاث وأربعين .

            وفيها مات حميد بن أبي حميد طرخان  ، وقيل مهران ، مولى طلحة بن عبد الله الخزاعي ، وهو حميد الطويل  ، يروي عن أنس بن مالك ، وعمره خمس وسبعون سنة . وفيها توفي سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، عم الخليفة ونائب البصرة ، كان ذلك يوم السبت لسبع بقين من جمادى الآخرة ، وهو ابن تسع وخمسين سنة ، وصلى عليه أخوه عبد الصمد .

            روى عن أبيه وعكرمة وأبي بردة ابن أبي موسى . وعنه جماعة منهم; بنوه جعفر ومحمد وزينب ، والأصمعي . وكان قد شاب وهو ابن عشرين سنة ، وخضب لحيته من الشيب في ذلك السن ، وكان كريما جوادا ممدحا ، كان يعتق عشية عرفة في كل سنة مائة نسمة ، وبلغت صلاته لبني هاشم وسائر قريش والأنصار خمسة آلاف ألف .

            واطلع يوما من قصره ، فرأى نسوة يغزلن في دار من دور البصرة ، فاتفق أن قالت إحداهن : ليت الأمير اطلع علينا; فأغنانا عن الغزل . فنهض فجعل يدور في قصره ، ويجمع من حلي نسائه من الذهب والجواهر وغير ذلك ما ملأ به منديلا ، ثم دلاه إليهن ، ونثره عليهن ، فماتت إحداهن من شدة الفرح .

            وقد ولي الحج أيام السفاح ، وولي البصرة للمنصور ، وكان من خيار بني العباس ، وهو أخو إسماعيل ، وداود ، وصالح ، وعبد الصمد ، وعبد الله وعيسى ، ومحمد ، وهو عم السفاح والمنصور .

            وممن توفي فيها خالد الحذاء ،  وعمرو بن عبيد القدري ،  في قول ، وهو عمرو بن عبيد بن باب - ويقال : ابن كيسان - التميمي مولاهم ، أبو عثمان البصري ، من أبناء فارس ، شيخ القدرية والمعتزلة . روى الحديث عن الحسن البصري ، وعبيد الله بن أنس ، وأبي العالية ، وأبي قلابة ، وعنه الحمادان ، وسفيان بن عيينة ، والأعمش - وكان من أقرانه - وعبد الوارث بن سعيد ، وهارون بن موسى ، ويحيى القطان ، ويزيد بن زريع .

            قال الإمام أحمد بن حنبل : ليس بأهل أن يحدث عنه . وقال علي ابن المديني ويحيى بن معين : ليس بشيء . وزاد ابن معين : وكان رجل سوء ، كان من الدهرية الذين يقولون : إنما الناس مثل الزرع . وقال الفلاس : متروك ، صاحب بدعة ، كان يحيى القطان يحدثنا عنه ثم تركه ، وكان ابن مهدي لا يحدث عنه . وقال أبو حاتم : متروك . وقال النسائي : ليس بثقة . وقال شعبة ، عن يونس بن عبيد : كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث . وقال حماد بن سلمة : قال لي حميد : لا تأخذ عنه ، فإنه كان يكذب على الحسن البصري . وكذا قال أيوب وعوف وابن عون . وقال أيوب : ما كنت أعد له عقلا . وقال مطر الوراق : والله لا أصدقه في شيء . وقال ابن المبارك : إنما تركوا حديثه لأنه كان يدعو إلى القدر . وقد ضعفه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل ، وأثنى عليه آخرون في عبادته ، وزهده وتقشفه; قال الحسن البصري : هذا سيد شباب القرى ما لم يحدث . قالوا : فأحدث والله أشد الحدث . وقال ابن حبان : كان من أهل الورع والعبادة إلى أن أحدث ما أحدث ، واعتزل مجلس الحسن هو وجماعة معه فسموا المعتزلة ، وكان يشتم الصحابة ، ويكذب في الحديث وهما لا تعمدا . وقد روي عنه أنه قال : إن كانت : تبت يدا أبي لهب . في اللوح المحفوظ فما لله على ابن آدم حجة .

            وروي له حديث ابن مسعود : حدثنا الصادق المصدوق : " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما " . حتى قال : " فيؤمر بأربع كلمات; رزقه وأجله وعمله ، وشقي أم سعيد " . إلى آخره ، فقال : لو سمعت الأعمش يرويه لكذبته ، ولو سمعته من زيد بن وهب لما أحببته ، ولو سمعته من ابن مسعود لما قبلته ، ولو سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته ، ولو سمعت الله يقول هذا لقلت : ما على هذا أخذت علينا الميثاق . وهذا من أقبح الكفر ، لعنه الله ، إن كان قال هذا .

            وقد قال عبد الله بن المبارك ، رحمه الله :


            أيها الطالب علما ايت حماد بن زيد     فخذ العلم بحلم
            ثم قيده بقيد     وذر البدعة من آ
            ثار عمرو بن عبيد

            وقال ابن عدي : كان يغر الناس بتقشفه ، وهو مذموم ضعيف الحديث جدا ، معلن بالبدع . وقال الدارقطني : ضعيف الحديث . وقال الخطيب البغدادي : جالس الحسن واشتهر بصحبته ، ثم أزاله واصل بن عطاء عن مذهب أهل السنة ، وقال بالقدر ودعا إليه ، واعتزل أصحاب الحسن ، وكان له سمت وإظهار زهد . وقد قيل : إنه وواصل بن عطاء ولدا سنة ثمانين . وحكى البخاري أنه مات سنة ثنتين أو ثلاث وأربعين ومائة ، بطريق مكة . وكان حظيا عند أبي جعفر المنصور; لأنه كان يفد مع القراء ، فيعطيهم المنصور فيأخذون ، ولا يقبل عمرو منه شيئا ، فكان ذلك يعجب المنصور; لأن المنصور كان بخيلا ، وكان يقول :


            كلكم يمشي رويد     كلكم يطلب صيد


            غير عمرو بن عبيد

            ولو تبصر المنصور لعلم أن كل واحد من أولئك القراء خير من ملء الأرض مثل عمرو بن عبيد ، والزهد لا يدل على صلاح ، فإن بعض الرهابين قد يكون عنده من الزهد ما لا يطيقه كثير من المسلمين في زمانه .

            وقد روينا عن إسماعيل بن مسلمة القعنبي قال : رأيت الحسن ابن أبي جعفر في المنام بعد ما مات بعبادان ، فقال لي : أيوب ويونس وابن عون في الجنة . قلت : فعمرو بن عبيد؟ قال : في النار . ثم رآه مرة ثانية ، ويروى ثالثة ، ويقول له مثل هذا .

            وقد رئيت له منامات قبيحة ، وقد طول شيخنا في " تهذيبه " ترجمته ، ولخصنا حاصلها في كتاب " التكميل " ، وإنما أشرنا هاهنا إلى نبذ من حاله; ليعرف فلا يغتر به . والله أعلم . ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر  

            749 - حميد بن هانئ ، أبو هانئ الخولاني .

            روى عن أبي قتيل ، وشقي بن ماتع وغيرهما .

            حدث عنه الليث ، وابن لهيعة ، وآخر من حدث عنه بمصر إسحاق بن الفرات .

            وتوفي في هذه السنة . عاصم بن سليمان ، أبو عبد الرحمن الأحول البصري .  

            سمع أنسا ، وعبد الله بن سرخس ، والحسن . وولي القضاء بالمدائن في خلافة المنصور ، وكان يحتسب على المكاييل والموازين ، وهو معدود في كتاب الحفاظ الثقات .

            عن محمد بن عبادة قال: حدثني أبي قال: ربما رئي عاصم الأحول وهو صائم فيفطر ، فإذا صلى العشاء تنحى فصلى ، فلا يزال يصلي حتى يطلع الفجر ، لا يضع جنبه . توفي في هذه السنة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية