الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            من توفي في هذه السنة من الأكابر  

            إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير ، أبو إبراهيم الأنصاري إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير ، أبو إبراهيم الأنصاري   .

            مولى بني زريق ، قارئ مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سمع عبد الله بن دينار ، وشريك بن عبد الله ، ومالك بن أنس ، وغيرهم . وكان ثقة مأمونا . فأقام ببغداد يؤدب علي بن المهدي إلى أن توفي في هذه السنة .

            علي بن المهدي ، أبو محمد الهاشمي علي بن المهدي ، أبو محمد الهاشمي  ، وأمه ريطة بنت أبي العباس .

            تولى أمور الحج وإمارة الموسم غير مرة .

            وعن إسماعيل بن علي الخطبي قال : توفي أبو محمد علي ابن أمير المؤمنين المهدي في المحرم من سنة ثمانين ومائة في بستانه بعيساباذ ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، لأن مولده بالري سنة سبع وأربعين ومائة وهو أسن من أخيه الرشيد بشهور .

            سلمة بن صالح ، أبو إسحاق الجعفي الأحمر الكوفي سلمة بن صالح ، أبو إسحاق الجعفي الأحمر الكوفي   .

            حدث عن أبي إسحاق ، وحماد بن أبي سليمان . روى عنه : أحمد بن منيع ، وكان قد ولي القضاء بواسط في زمن الرشيد ثم عزل وقدم بغداد فأقام بها إلى أن مات .

            وكان سبب عزله عن واسط : أن هشيم بن بشير تقدم مع خصم له إليه ، فكلم الخصم هشيما بكلمة ، فرفع هشيم يده ، فلطم الخصم ، فأمر سلمة بهشيم فضرب عشر درر وقال : تتعدى على خصمك بحضرتي ؟ فأغضب ذلك مشيخة واسط ، فخرجوا إلى الرشيد ، فلقوه بمكة يطوف ، فكلموه في سلمة وقالوا : لسنا نطعن عليه ، ولكن رجل موضع رجل . فأمر بعزله وتقليد سواه .

            وعن محمد بن خلاس قال : لما عزل شريك عن القضاء تعلق به رجل ببغداد فقال : يا أبا عبد الله ، لي عليك ثلاثمائة درهم فأعطنيها . قال : ومن أنا ؟ قال : أنت شريك بن عبد الله ، القاضي . قال : ومن أين هي لك ؟ قال : ثمن هذا البغل الذي تحتك . قال : نعم ، تعال . فجاء يمشي معه ، حتى إذا بلغ الجسر قال : من ها هنا ؟ فقام إليه أولئك الشرط ، فقال : خذوا هذا فاحبسوه ، لئن أطلقتموه لأخبرن أبا العباس عبد الله بن مالك . فقالوا : إن هذا الرجل يتعلق بالقاضي [إذا عزل ] فيدعي عليه فيفتدي منه ، قد تعلق بسلمة الأحمر حين عزل عن واسط ، فأخذ منه أربعمائة درهم ، فقال : هكذا ؟ فكلم فيه ، فأبى أن يطلقه ، فقال له عبد الله بن مالك : إلى كم يحبس ؟ قال : إلى أن يرد على سلمة الأحمر أربعمائة درهم . قال : فرد على سلمة الأحمر أربعمائة درهم ، فجاء سلمة إلى شريك فشكر له ، فقال له : يا ضعيف كل من سألك مالك أعطيته إياه .

            اضطرب على سلمة حفظه فضعفه أصحاب الحديث ، وتوفي ببغداد في هذه السنة . وقيل : في سنة ست وثمانين . وقيل : سنة ثمان وثمانين .

            الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حزام الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حزام   .

            كان علامة قريش بالمدينة بأخبارها ، وأشعارها ، وأيامها ، وأيام العرب وأشعارها ، وأيامها . وكان من أكبر أصحاب مالك بن أنس هو وأبوه ، ولما استعمل عبد الله بن مصعب بن ثابت على اليمن وجه الضحاك خليفة له عليها ، وفرض له كل سنة ألف دينار ، وكلم له الخليفة فأعطاه أربعين ألف درهم ، وكان محمود السيرة .

            وتوفي بمكة عند منصرفه من اليمن يوم التروية من هذه السنة .

            عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة ، أبو معاوية البصري .

            سمع هشام بن عروة . وروى عنه : أحمد بن حنبل ، وأبو عبيد ، وكان ثقة صدوقا ، غزير العقل ، ذا هيئة حسنة .

            وتوفي في هذه السنة . وقيل : سنة إحدى وثمانين .

            عبد الوارث بن سعيد ، أبو عبيدة التميمي عبد الوارث بن سعيد ، أبو عبيدة التميمي ، مولى بني العنبر   .

            شهد له شعبة بالإتقان . وتوفي في هذه السنة .

            عافية بن يزيد بن قيس القاضي عافية بن يزيد بن قيس القاضي   .

            ولاه المهدي القضاء ببغداد في الجانب الشرقي ، وحدث عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، والأعمش ، وغيرهما . وكان من أصحاب أبي حنيفة الذين يجالسونه ، فكان أصحابه يخوضون في مسألة فإن لم يحضر عافية قال أبو حنيفة : لا ترفعوا المسألة حتى يحضر عافية ، فإذا حضر ، فإن وافقهم قال أبو حنيفة : أثبتوها ، وإن لم يوافقهم قال أبو حنيفة : لا تثبتوها .

            وكان عافية هو وابن علاثة فكانا يقضيان في عسكر المهدي في جامع الرصافة ، هذا في أدناه وهذا في أعلاه .

            وعن إسماعيل بن إسحاق القاضي ، عن أشياخه قال : كان عافية القاضي يتقلد للمهدي القضاء ، وكان عافية عالما زاهدا ، فصار إلى المهدي في وقت الظهر في يوم من الأيام وهو خال ، فاستأذن عليه فأدخله ، فإذا معه قمطرة فاستعفاه من القضاء واستأذنه في تسليم القمطر إلى من يأمر بذلك ، فظن أن بعض الولاة قد غض منه ، أو أضعف يده في الحكم ، فقال له في ذلك ، فقال له : ما جرى من هذا شيء ، قال : فما كان سبب استعفائك ؟ قال : كان يتقدم إلي خصمان موسران وجيهان منذ شهرين في قضية معضلة مشكلة ، وكل يدعي بينة وشهودا ، ويدلي بحجج تحتاج إلى تأمل وتثبت ، فرددت الخصوم رجاء أن يصطلحوا أو يتبين لي وجه فصل ما بينهما . قال : فوقف أحدهما من خبري على أني أحب الرطب السكر ، فعمد في وقتنا - وهو أول أوقات الرطب - إلى أن جمع لي رطبا سكرا لا يتهيأ في وقتنا جمع مثله إلا لأمير المؤمنين ، وما رأيت أحسن منه ورشا بوابي جملة دراهم على أن يدخل الطبق إلي ولا يبالي أن يرد ، فلما دخل إلي أنكرت ذلك وطردت بوابي وأمرت برد الطبق ، فلما كان اليوم تقدم إلي مع خصمه فما تساويا في قلبي ولا في عيني ، وهذا يا أمير المؤمنين ولم أقبل فكيف يكون حالي لو قبلت ، ولا آمن أن تقع علي حيلة في ديني فأهلك ، وقد فسد [الناس ] . فأقلني أقالك الله وأعفني ، فأعفاه .

            وعن عبد الملك بن قريب الأصمعي : أنه قال : كنت عند الرشيد يوما ، فرفع إليه في قاض يقال له : عافية ، فكبر عليه ، فأمر بإحضاره ، فأحضر ، وكان في المجلس جمع كبير ، فجعل أمير المؤمنين يخاطبه ويوقفه على ما رفع إليه ، وطال المجلس ، ثم إن أمير المؤمنين عطس فشمته من كان بالحضرة ممن قرب منه سواه ، فإنه لم يشمته ، فقال له الرشيد : ما بالك لم تشمتني كما فعل القوم ؟ فقال له عافية [لأنك ] يا أمير المؤمنين لم تحمد الله ، فلذلك لم أشمتك ، هذا النبي صلى الله عليه وسلم عطس عنده رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر ، فقال يا رسول الله ، ما بك شمت ذلك ولم تشمتني ؟ قال : "لأن هذا حمد الله فشمتناه وأنت لم تحمده فلم أشمتك " . فقال له الرشيد : ارجع إلى عملك ، فأنت لم تسامح في عطسة تسامح في غيرها ؟ وصرفه منصرفا جميلا وزبر القوم الذين كانوا رفعوا عليه .

            وعن ابن الأعرابي قال : خاصم أبو دلامة رجلا إلى عافية فقال :


            لقد خاصمتني غواة الرجا ل وخاصمتهم سنة وافيه     فما دحض الله لي حجة
            وما خيب الله لي قافيه     فمن كنت من جوره خائفا
            فلست أخافك يا عافيه



            فقال له عافية : لأشكونك إلى أمير المؤمنين . قال : لم تشكوني ؟ قال : لأنك هجوتني قال : والله لئن شكوتني ليعزلنك . قال : ولم ؟ قال : لأنك لم تعرف الهجاء من المديح . عمرو بن عثمان بن قنبر ، أبو بشر ، المعروف بسيبويه النحوي - عمرو بن عثمان بن قنبر ، أبو بشر ، المعروف بسيبويه النحوي ، مولى بني الحارث بن كعب   . وقيل : مولى آل الربيع بن زياد .

            وتفسير سيبويه : رائحة التفاح ، وكانت والدته ترقصه في الصغر بذلك .

            قال إبراهيم الحربي : سمي سيبويه لأن وجنتيه كانتا كأنهما تفاحة .

            قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى : وكان سيبويه يصحب المحدثين والفقهاء ، ويطلب الآثار ، وكان يستملي على حماد بن سلمة ، فلحن في حرف ، فعابه حماد فأنف من ذلك ، ولزم الخليل فبرع في النحو ، وقدم بغداد وناظر الكسائي .

            وعن إبراهيم الحربي قال : سمعت ابن عائشة يقول : كنا نجلس مع سيبويه النحوي في المسجد ، وكان شابا جميلا نظيفا ، قد تعلق من كل علم بسبب ، وضرب في كل أدب بسهم مع حداثة سنه وبراعته في النحو .

            قال التاريخي بسنده عن محمد بن سلام قال : كان سيبويه جالسا في حلقة بالبصرة ، فتذاكرنا شيئا من حديث قتادة ، فذكر حديثا غريبا وقال : لم يرو هذا غير سعيد بن أبي العروبة . فقال له بعض من حضر : ما هاتان الزيادتان يا أبا بشر ؟ قال : هكذا يقال ، لأن العروبة يوم الجمعة ، فمن قال عروبة فقد أخطأ ، قال ابن سلام : فذكرت ذلك ليونس فقال : أصاب ، لله دره .

            قال أبو سعيد السيرافي : أخذ سيبويه اللغات عن أبي الخطاب الأخفش وغيره ، وعمل كتابه الذي لم يسبقه أحد إلى مثله ولا لحق به من بعده ، وكان كتابه لشهرته عند النحويين علما ، فكان يقال بالبصرة قرأ فلان للكتاب فيعلم أنه كتاب سيبويه ، وكان المبرد إذا أراد مريد أن يقرأ عليه كتاب سيبويه يقول له : هل ركبت البحر . تعظيما له واستصعابا لما فيه .

            وقال السيرافي : لم نعلم أحدا قرأ كتاب سيبويه عليه ، إنما قرئ بعده على أبي الحسن الأخفش ، ورأيت في تعاليق أبي عبد الله المرزباني : قال ثعلب : اجتمع أربعون نفسا حتى عملوا كتاب سيبويه هو أحدهم ، وهو أصول الخليل ونكته فادعاه سيبويه ، وأنا أستبعد هذا لأن مثله لا يخفى ، والكل قد سلموا للرجل .

            وعن أبو بكر العبدي قال : لما قدم سيبويه بغداد ، فناظر سيبويه الكسائي وأصحابه ، فلم يظهر عليهم ، فسأل من يبذل من الملوك ويرغب في النحو ؟ فقيل له : طلحة بن طاهر . فشخص إلى خراسان ، فلما انتهى إلى ساوة مرض مرضه الذي مات فيه ، فتمثل عند الموت :


            يؤمل دنيا لتبقى له     فمات المؤمل قبل الأمل
            حثيثا يروي أصول الفسيل     فعاش الفسيل ومات الرجل



            وعن أبو الحسن المدائني قال : قال أبو عمرو بن يزيد : احتضر سيبويه فوضع رأسه في حجر أخيه ، فأغمي عليه فدمعت عين أخيه فأفاق فرآه يبكي فقال :


            فكنا جميعا فرق الدهر بيننا     إلى الأمد الأقصى فمن يأمن الدهرا ؟



            توفي سيبويه في هذه السنة . وقيل : في التي قبلها .

            قال أبو بكر الخطيب : ويقال أن سنه كانت اثنتين وثلاثين سنة .

            عفيرة العابدة عفيرة العابدة   .

            كانت طويلة الحزن ، كثيرة البكاء ، قدم أخ لها ، فبشرت بقدومه ، فبكت ، فقيل لها هذا وقت بكاء ؟ فقالت : ما أجد للسرور في قلبي مسكنا مع ذكر الآخرة ، ولقد أذكرني قدومه يوم القدوم على الله فمن بين مسرور ومثبور .

            وعن محمد بن عبيد قال : دخلنا على امرأة بالبصرة يقال لها : عفيرة ، فقيل لها : [يا عفيرة ] ، ادعي الله لنا . فقالت : لو خرس الخاطبون ما تكلمت عجوزكم ، ولكن المحسن أمن المسيء بالدعاء ، جعل الله قراكم من بيتي في الجنة ، وجعل الموت مني ومنكم على بال .

            مسلم بن خالد بن سعيد بن خرجة ، أبو خالد . ويلقب : الزنجي مسلم بن خالد بن سعيد بن خرجة ، أبو خالد . ويلقب : الزنجي .

            كان فقيها ، عابدا ، يصوم الدهر .

            توفي بمكة في هذه السنة ، لكنه كان كثير الغلط والخطأ في حديثه .

            حسان بن سنان حسان بن سنان  

            حسان بن سنان بن أوفى بن عوف التنوخي الأنباري ، ولد سنة ستين ، ورأى أنس بن مالك ودعا له ، فجاء من نسله قضاة ووزراء وصلحاء ، وأدرك الدولتين ، وكان نصرانيا فأسلم وحسن إسلامه ، وكان يكتب بالعربية والفارسية والسريانية ، وكان يعرب الكتب بين يدي ربيعة لما ولاه السفاح الأنبار .

            عبد الوارث بن سعيد التنوري وفيها توفي عبد الوارث بن سعيد التنوري ، أحد الثقات .

            وفي هذه السنة توفي المبارك بن سعيد الثوري أخو سفيان ، وسعيد بن خثيم ، وأبو عبيدة عبد الوارث بن سعيد ، وعبد العزيز بن أبي حازم ، وتوفي وهو ساجد ، وأبو ضمرة أنس بن عياض الليثي المدني .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية