الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وفي سنة تسعين ومائة : قدم الرشيد من الري ، فأتى الرقة ، فبدأ بأم جعفر فظل عندها ، وأمر لها من الغد بستة آلاف ألف درهم ، وتخوت من الوشي ، وسلال من الزعفران ، وطرائف مما أهداه إليه علي بن عيسى بن ماهان .

            وعن الزبير بن بكار قال :

            حدثني عمي مصعب بن عبد الله قال : كان عبيد الله بن ظبيان قاضي الرقة ، وكان الرشيد إذ ذاك بها ، فجاء إليه رجل ، فاستعدى إليه من عيسى بن جعفر ، فكتب إليه ابن ظبيان :

            أما بعد ، أبقى الله الأمير وحفظه وأتم نعمه عليه ، أتاني رجل فذكر أنه فلان بن فلان ، وأن له على الأمير أبقاه الله خمسمائة ألف درهم ، فإن رأى الأمير أبقاه الله أن يحضر هو مجلس الحكم ، أو يوكل وكيلا يناظر خصمه فعل .

            ودفع الكتاب إلى الرجل ، فأتى باب عيسى فدفع الكتاب إلى حاجبه ، فأوصله إليه ، فقال له : قل له : كل هذا الكتاب . فرجع إلى القاضي فأخبره ، فكتب إليه : أبقاك الله وحفظك ، وأمتع بك ، حضر رجل يقال له فلان بن فلان ، ذكر أن له عليك خمسمائة ألف درهم ، فصر معه إلى مجلس الحكم أو وكيلك إن شاء الله .

            ووجه الكتاب مع عونين من أعوانه ، فحضرا باب عيسى ، ودفعا الكتاب إليه ، فغضب ورمى به ، فانطلقا فأخبراه ، فكتب إليه : حفظك الله وأبقاك ، وأمتع بك ، لا بد أن تصير أنت وخصمك إلى مجلس الحكم ، فإن أبيت أنهيت أمرك إلى أمير المؤمنين .

            ثم وجه الكتاب مع رجلين من أصحابه ، فقعدا على باب عيسى حتى خرج ، فقاما إليه ودفعا إليه كتاب القاضي ، فلم يقرأه ، ورمى به ، فأبلغاه فختم قمطره وانصرف ، وقعد في بيته ، وبلغ الخبر إلى الرشيد ، فدعاه فسأله عن أمره ، فأخبره بالقصة حرفا حرفا ، فقال لإبراهيم بن عثمان : صر إلى باب عيسى بن جعفر واختم أبوابه كلها ، ولا يخرجن أحد منها ، ولا يدخل إليه أحد ، حتى يخرج إلى الرجل حقه ، أو يصير معه إلى مجلس الحكم .

            فأحاط إبراهيم بداره خمسين فارسا ، وغلقت أبوابه ، فظن ابن عيسى أنه قد حدث بالرشيد أمر في قتله ، ولم يعلم ما سبب ذلك ، وجعل يكلم الأعوان من خلف الباب ، وارتفع الصياح من منزله بصراخ النساء ، فأمرهن أن يسكتن ، وقال لبعض غلمان إبراهيم : ادع لي أبا إسحاق لأكلمه ، فأعلموه ما قال ، فجاء حتى صار إلى الباب فقال له عيسى : ما حالنا ؟ فأخبره بخبر ابن ظبيان ، فأمر أن يحضر خمسمائة ألف درهم من ساعته ، وتدفع إلى الرجل ، فجاء إبراهيم إلى الرشيد فأخبره ، فقال : إذا قبض الرجل ماله أفتح عليه أبوابه .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية