الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            من توفي في هذه السنة من الأكابر

            إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم ، أبو بشر الأسدي مولاهم ، يعرف بابن علية إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم ، أبو بشر الأسدي مولاهم ، يعرف بابن علية .

            من أهل البصرة ، وأصله كوفي . سمع من أبي الساج الضبعي حديثا واحدا .

            وروى الكثير : عن عبد العزيز بن صهيب ، وأيوب السجستاني ، وابن عون ، وسليمان التيمي ، وحميد الطويل ، وغيرهم .

            وحدث عنه : ابن جريج ، وشعبة ، وحماد بن زيد ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وأحمد ، ويحيى ، وعلي ، وغيرهم . وكان حافظا ، ثقة ، مأمونا ، ورعا ، تقيا ، وكان يقرأ في الليل ثلث القرآن .

            عن إسماعيل بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم ، مولى عبد الرحمن بن قطبة الأسدي - أسد خزيمة - وكان إبراهيم تاجرا من أهل الكوفة ، وكان يقدم البصرة بتجارته ، فتزوج علية بنت حسان مولاة لبني شيبان ، وكانت امرأة نبيلة عاقلة ، لها دار بالعوقة تعرف بها ، وكان صالح المري وغيره من وجوه البصرة وفقهائها يدخلون فتحادثهم وتسائلهم ، فولدت لإبراهيم إسماعيل سنة عشر ومائة ، فنسب إليها ، وكان ابن إبراهيم ثقة ثبتا في الحديث حجة ، وقد ولي صدقات البصرة ، وولي ببغداد المظالم في آخر خلافة هارون .

            قال ابن الجوزي: وقد زعم علي بن حجر أن علية جدته لأمه .

            وكان إسماعيل يقول : من قال ابن علية فقد اغتابني . إلا أن هذا شاع فعرف به .

            وقال أحمد بن حنبل : فاتني مالك فأخلف الله علي سفيان بن عيينة ، وفاتني حماد بن زيد فأخلف الله علي إسماعيل بن علية .

            وقال شعبة : ابن علية سيد المحدثين .

            وعن عمرو بن زائدة قال : صحبت ابن علية ثلاث عشرة سنة ، ما رأيته تبسم فيها .

            وعن حماد بن سلمة ، وحماد بن زيد : أن عبد الله بن المبارك كان يتجر في البز ، وكان يقول : لولا خمسة ما تجرت . فقيل له : يا أبا محمد ، من الخمسة ؟ فقال : سفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ، والفضيل بن عياض ، ومحمد بن السماك ، وابن علية . وكان يخرج إلى خراسان فيتجر ، فما ربح من شيء أخذ القوت للعيال ونفقة الحج ، والباقي يصل به إخوانه الخمسة . قال : فقدم سنة ، فقيل له : قد ولي ابن علية القضاء . فلم يأته ولم يصله بالصرة التي كان يصله بها في كل سنة ، فبلغ ابن علية أن ابن المبارك قد قدم ، فركب إليه ، فلم يرفع به عبد الله رأسا ، ولم يكلمه ، فانصرف ، فلما كان من الغد كتب إليه رقعة فيها :

            بسم الله الرحمن الرحيم . أسعدك الله بطاعته ، وتولاك بحفظه ، وحاطك بحياطته ، قد كنت منتظرا لبرك وصلتك أتبرك بها ، وجئتك أمس فلم تكلمني ، ورأيتك واجدا علي ، فأي شيء رأيت مني حتى أعتذر إليك منه ؟

            فلما وردت الرقعة على عبد الله دعا بالدواة والقرطاس وقال : يأبى هذا الرجل إلا أن نشق له العصا ، ثم كتب إليه :


            يا جاعل الدين له بازيا يصطاد أموال المساكين     احتلت للدنيا ولذاتها
            بحيلة تذهب بالدين     فصرت مجنونا بها بعد ما
            كنت دواء للمجانين     أين رواياتك في سردها
            عن ابن عون وابن سيرين     أين رواياتك والقول في
            إتيان أبواب السلاطين     إن قلت أكرهت فذا باطل
            زل حمار العلم في الطين

            فلما وقف ابن علية على الأبيات قام من مجلس القضاء ، فوطئ بساط هارون ، وقال : يا أمير المؤمنين ، الله الله ارحم شيبتي ، فإني لا أصبر للخطأ . فقال له هارون :

            لعل هذا المجنون قد أغرى بقلبك . فقال له : الله الله أنقذك الله . فأعفاه من القضاء ، فلما اتصل بعبد الله بن المبارك ذلك وجه إليه بالصرة .

            توفي ابن علية في ذي القعدة من هذه السنة ، ودفن في مقابر عبد الله بن مالك .

            محمد بن جعفر ، أبو عبد الله البصري ، يلقب : غندر محمد بن جعفر ، أبو عبد الله البصري ، يلقب : غندر . وهو مولى لهذيل

            .

            بصري صاحب سعيد بن أبي عروبة ، جالس شعبة نحوا من عشرين سنة ، وسمع من جماعة غيرهما ، وكان إماما ثقة ، أخرج عنه في الصحيحين . وكان فيه سلامة صدر .

            وعن سليمان بن أيوب صاحب البصري قال : قيل لغندر إن الناس يعظمون أمر السلامة التي فيك ، قال : يكذبون . قال : قلت : فحدثني منها بشيء صحيح . قال : صمت يوما فأكلت ثلاث مرات ناسيا ، ثم ذكرت أني صائم ، ثم نسيت ، فثنيت ، ثم ثلثت ، فأتممت صومي .

            قال ابن المرزبان : بسنده عن يحيى بن معين قال : اشترى غندر يوما سمكا ، وقال لأهله : أصلحوه . ونام ، فأكل عياله السمك ولطخوا يده ، فلما انتبه قال : قدموا السمك . قالوا : قد أكلت . قال : لا . قالوا : فشم يدك . ففعل ، فقال :

            صدقتم ، ولكن ما شبعت .

            قال البخاري في تاريخه : مات في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة .

            وذكر ابن سعد في الطبقات أنه مات بالبصرة سنة أربع وتسعين .

            قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: وقد اتفق في أسماء المحدثين أسماء جماعة : محمد بن جعفر ، فلقبوا : غندر تشبيها بهذا الرجل ، فمنهم :

            محمد بن جعفر بن دران بن سليمان ، أبو الطيب . توفي سنة سبع وخمسين وثلاثمائة . وسيأتي ذكره في السنين .

            ومنهم : محمد بن جعفر ، أبو بكر الوراق . توفي سنة سبعين وثلاثمائة .

            ومنهم : محمد بن جعفر ، أبو بكر القاضي ، مولى فاتن المقتدري . روى عن ميسرة بن عبد الله الخادم .

            ومحمد بن جعفر . حدث عن الحسن بن علي العمري . روى عن أحمد بن الفرج بن حجاج .

            كل هؤلاء يلقب ، غندر ، واسمه : محمد بن جعفر .

            مروان بن معاوية بن الحارث بن عثمان بن أسماء بن خارجة بن عيينة بن حصن الفزاري مروان بن معاوية بن الحارث بن عثمان بن أسماء بن خارجة بن عيينة بن حصن الفزاري .

            كوفي الأصل . سمع إسماعيل بن خالد ، وعاصما الأحول . وحميدا الطويل ، والأعمش .

            وقال : أتيت الأعمش فقال لي : قد قسم جدك أسماء قسما ، فنسي جارا له ، ثم استحى أن يعطيه وقد بدأ بآخر قبله ، فبعث عليه ، وصب عليه المال صبا .

            وكان مروان قد تحول إلى دمشق ، فسكنها ، وقدم بغداد ، فحدث بها ، فروى عنه قتيبة ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى ، وأبو خيثمة ، وابن راهويه . ثم عاد إلى مكة . وكان ثقة ، إلا أنه كان يروي عن ضعاف ويدلسهم .

            وعن يعقوب بن سفيان قال : سمعت مهدي بن أبي مهدي قال : كان في خلق الفزاري شراسة ، وكان معيلا شديد الحاجة ، وكان الناس يبرونه ، فإذا بره الإنسان كان ما دام ذلك البر عنده في منزله يعرف فيه الانبساط إلى الرجل . قال : فنظرت فلم أجد شيئا أبقى في منزل الرجل من الخل ، ولا أرخص منه بمكة ، فكنت أشتري جرة من خل فأهدي له ، فأرى موقع ذلك منه ، فإذا فني أرى ذلك منه ، فأسأل الجارية : أفني خلكم ؟

            فتقول : نعم . فأشتري جرة ، فأهديها له ، فيعود إلى ما كان عليه توفي بمكة قبل التروية بيوم من هذه السنة .

            1061 أبو بكر بن عياش بن سالم بن الحناط أبو بكر بن عياش بن سالم بن الحناط ، مولى واصل بن حيان الأسدي .

            وقد اختلفوا في اسمه ، فقيل : شعبة ، وقيل : محمد ، وقيل : مطرف ، وقيل :

            رؤبة ، وقيل : سالم ، وقيل : اسمه كنيته .

            ولد سنة سبع وتسعين ، وقيل : أربع وتسعين ، وقيل : خمس وتسعين ، وقيل :

            ست وتسعين .

            سمع أبا إسحاق السبيعي ، وسليمان التيمي ، والأعمش ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وهشام بن عروة ، وغيرهم .

            روى عنه : ابن المبارك ، وابن مهدي ، وحسين الجعفي ، وأحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، وغيرهم .

            وكان ثقة متشددا في السنة ، إلا أنه ربما أخطأ في الحديث .

            وعن إسحاق بن وهب قال : سمعت يزيد بن هارون وذكر عنده أبو بكر بن عياش ، فقال : كان أبو بكر بن عياش خيرا فاضلا ، لم يضع جنبه على الأرض أربعين سنة .

            وعن ابن هشام الرفاعي قال : سمعت أبا بكر بن عياش يقول : لي غرفة قد عجزت عن الصعود إليها وما يمنعني من النزول منها إلا أني أختم فيها القرآن كل يوم وليلة ختمة ستون سنة .

            وعن دلويه قال : سمعت ] عليا - يعني ابن محمد ابن أخت يعلى بن عبيد - يقول : مكث أبو بكر بن عياش عشرين سنة وقد نزل الماء في إحدى عينيه ما يعلم به أهله .

            وعن إسحاق بن الحسين قال : كان أبو بكر بن عياش [لما كبر ] يأخذ إفطاره ، ثم يغمسه في إناء في جر كان له في بيت مظلم ، ويقول : يا ملائكتي ، طالت صحبتي لكما ، فإن كان لكما عند الله شفاعة فاشفعا .

            وتوفي أبو بكر بن عياش في هذه السنة ، وقد جاز التسعين ، وقد قيل إنه [جاز ] ستا وتسعين .

            وعن إبراهيم بن شماس قال : سمعت إبراهيم بن أبي بكر بن عياش يقول : شهدت أبي عند الموت فبكيت ، فقال : يا بني ، ما يبكيك ؟ فما أتى أبوك فاحشة قط .

            وفيها توفي صقلاب بن زياد الأندلسي ، وهو من أصحاب مالك ، وكان فقيها زاهدا .

            .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية