الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

            أحمد بن إبراهيم بن كثير بن أفلح

            أحمد بن إبراهيم بن كثير بن أفلح ، أبو عبد الله العبدي ، المعروف بالدورقي أخو يعقوب .

            وفي تسميته بالدورقي قولان : أحدهما : أنه كان ناسكا ، وكان من تنسك في ذلك الزمان يسمى دورقيا ، والثاني : أنه كان يلبس القلانس الطوال التي تسمى دورقية .

            سمع أحمد بن إسماعيل بن علية ، ويزيد بن زريع ، وهشيما ، وابن مهدي ، وخلقا كثيرا ، روى عنه : مسلم بن الحجاج ، وابن أبي الدنيا ، وغيرهما ، وكان ثقة ، صدوقا .

            توفي بالعسكر في [شعبان ] هذه السنة .

            أبو إسحاق الشالنجي

            إسماعيل بن سعيد ، أبو إسحاق الشالنجي .

            كان يقول بمذهب أهل الرأي ، ثم تركه ، وكان أحمد بن حنبل يكاتبه .

            توفي بدهقان في هذه السنة .

            أبو عمرو الأزدي الكوفي الضرير



            حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهيب ، أبو عمرو الأزدي الكوفي الضرير .

            سمع إسماعيل بن جعفر ، وأبا نميلة يحيى بن واضح ، وعفان ، روى عنه : أبو بكر بن أبي الدنيا . قال أبو حاتم الرازي : هو صدوق .

            توفي في شوال هذه السنة .

            دعبل الخزاعي بن علي بن تميم

            دعبل الخزاعي بن علي بن تميم بن زيد بن سليمان بن نهشل بن خداش ، أبو علي الخزاعي ، وقيل : أبو جعفر [وقيل ] : اسمه عبد الرحمن ، وقيل : محمد لقب دعبلا .

            قال أبو عمر الشيباني : الدعبل البعير المسن . وقال أبو زيد الأنصاري : الدعبل الناقة التي معها أولادها .

            وقيل : إنما لقبته دايته لدعابة كانت فيه ، وأرادت ذعبلا فقلبت الذال دالا .

            ولد سنة ثمان وأربعين ومائة وله شعر مطبوع لكنه كان كثير الهجاء ، قل أن يسلم منه أحد ، وكان من الشيعة الغلاة ، فقال قصيدته المعروفة :


            مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات

            وقصد بها علي بن موسى الرضى ، فأعطاه عشرة آلاف درهم من الدراهم المضروبة باسمه ، وخلع عليه خلعة من ثيابه ، أعطاه بها أهل قم ثلاثين ألف درهم ، فحلف لا يبيعها ، فقطعوا عليه الطريق ، وأفسدوها فقال لهم : إنها تراد لله



            تعالى وهي محرمة عليكم ، فدفعوا إليه ثلاثين ألف درهم ، فحلف لا يبيعها أو يعطوه بعضها ليكون في كفنه ، فأعطوه ، فكان في أكفانه ، وكتب هذه القصيدة : مدارس آيات على ثوب وأحرم فيه ، وأمر أن يجعل في أكفانه .

            وكان أكثر زمانه مستترا لكثرة هجائه ، وكان يقول : أنا أحمل خشبتي منذ خمسين سنة ، لا أجد أحدا يصلبني عليها .

            وقدم العراق بالمال الذي أعطاه الرضى ، فاشترى منه الشيعة كل درهم بعشرة دراهم ، فصارت معه مائة ألف درهم .

            قال أبو كعب الخزاعي : وفد دعبل على عبد الله بن طاهر ، فلما وصل [إليه قام ] تلقاء وجهه وقال :


            أتيت مستشفعا بلا نسب     إليك لا بحرمة الأدب
            فاقض ذمامي فإنني رجل     غير ملح عليك في الطلب

            فانفعل عبد الله ، ودخل ووجه إليه برقعة معها ستون ألف درهم [وفي الرقعة بيتان :

            أعجلتنا فأتاك أول برنا قلا ولو أخرته لم يقلل فخذ القليل وكن كمن لم يقبل ونكون نحن كأننا لم نفعل



            قال أبو جعفر أحمد بن يعقوب الأصفهاني ، أنشدنا أبو طالب الدعبلي قال : أنشدنا علي بن الجهم [وليست له - وجعل يعيدها ويستحسنها ] :


            لما رأت شيئا يلوح بمفرقي     صدت صدود مفارق متجمل
            فظللت أطلب وصلها بتذلل     والشيب يغمزها بأن لا تفعلي

            قال أبو طالب : ومن أحسن ما قيل في مثل هذا المعنى قول جدي :


            لا تعجبي يا سلم من رجل     ضحك المشيب برأسه فبكى
            أين الشباب وأية سلكا     لا أين يطلب ظل بل هلكا
            لا تأخذي بظلامتي أحدا     طرفي وقلبي في دمي اشتركا

            توفي دعبل بالطيب في هذه السنة ، وقد عاش سبعا وستين سنة .

            ذو النون المصري ابن إبراهيم

            ذو النون المصري ابن إبراهيم ، أبو الفيض المصري وقيل اسمه : ثوبان وذو النون لقب ، وقيل : اسمه الفيض .

            أصله من النوبة من قرية من قرى صعيد مصر ، يقال لها : أخميم ، فنزل مصر ، وكان حكيما زاهدا واعظا ، وجه إليه المتوكل ، فحمل إلى حضرته بسامراء ، حتى رآه وسمع كلامه ، ثم انحدر إلى بغداد ، وأقام بها مديدة ، ثم انحدر إلى مصر ، وأكثر الأسفار .

            أسند الحديث عن مالك ، والليث بن سعد ، وسفيان بن عيينة ، والفضيل ، وغيرهم .

            يقول الحسن بن علويه : سمعت يوسف بن الحسين يقول : لما استأنست بذي النون المصري قلت : أيها الشيخ ، ما كان بدو شأنك ؟ قال : كنت شابا صاحب لهو ولعب ، ثم تبت وتركت ذاك وخرجت حاجا إلى بيت الله الحرام ، ومعي بضيعة ، فركبت في المركب مع تجار من مصر ، وركب معنا شاب صبيح الوجه ، كأن وجهه يشرق ، فلما توسطنا البحر فقد صاحب المركب كيسا فيه مال ، فأمر بحبس المركب ، ففتش من فيه وأمتعتهم ، فلما وصلوا إلى الشاب ليفتشوه ، وثب وثبة من المركب حتى جلس على أمواج البحر ، وقام له الموج على مثال سرير ، ونحن ننظر إليه من المركب ، ثم قال : يا مولاي إن هؤلاء اتهموني ، وإني أقسم يا حبيب قلبي أن تأمر كل دابة من هذا المكان أن تخرج رأسها وفي أفواهها جوهر ، قال ذو النون :

            فما تم كلامه حتى رأينا دواب البحر أمام المركب وحواليه ، وقد أخرجت [كل ] رءوسها ، وفي فم كل واحدة فيها جوهرة مضيئة تتلألأ ، ثم وثب الشاب من الموج إلى البحر وجعل يتبختر على متن الماء ويقول : إياك نعبد وإياك نستعين ، حتى غاب عن بصري ، فهذا هو الذي حملني على السياحة .

            ويقول حيان بن أحمد السهمي : مات ذو النون المصري بالجيزة ، وحمل في مركب حتى عبر به إلى الفسطاط خوفا عليه من زحمة الناس على الجسر ، ودفن في جانب مقابر أهل المعافر ، وذلك في يوم الإثنين لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة ست وأربعين ومائتين ، وكان والده [يقال له : ] إبراهيم مولى لإسحاق بن محمد الأنصاري ، وكان له أربع بنين ذو النون ، وذو الكفل ، والهميسع ، وعبد الباري ، ولم يكن أحد منهم على طريقة ذي النون ، وقيل :

            توفي ذو النون سنة خمس ، وقيل : سنة ثمان .

            سليمان بن أبي شيخ

            سليمان بن أبي شيخ ، واسم أبي شيخ : منصور بن سليمان ، يكنى أبا أيوب الواسطي .

            ولد سنة إحدى وخمسين ومائة ، وسكن بغداد في بركة زلزل ، وحدث عن :

            سفيان بن عيينة ، وعبد الله بن إدريس ، وكان عالما بالنسب ، والتواريخ ، وأيام الناس وأخبارهم ، وكان صدوقا ثقة ، روى عنه : أحمد أبي خيثمة .

            وتوفي في هذه السنة ، وكان عمره خمسا وتسعين سنة .

            أبو صالح الرازي

            شعيب بن سهل بن كثير ، أبو صالح الرازي ، ويعرف بشعبوبة .

            حدث عن الصباح بن محارب ، وولاه المعتصم القضاء وجعل إليه الصلاة بالناس في مسجد الرصافة يوم الجمع والأعياد ، وعلى قضاء القضاة يومئذ أحمد بن أبي دؤاد ، وكان شعيب قد كتب على مسجده : القرآن مخلوق وعزل عن القضاء سنة ثمان وعشرين ومائتين ، وتوفي في هذه السنة .

            شجاع أم المتوكل

            شجاع أم المتوكل

            قال ابن عرفة : كانت من سروات النساء سخاء ، وكرما .

            وقال أحمد بن الخصيب :

            قبل وزارته قال : كنت كاتبا للسيدة شجاع أم المتوكل ، فإني ذات يوم قاعد في مجلسي في ديواني إذ خرج إلي خادم ومعه كيس ، فقال لي : يا أحمد ، إن السيدة أم أمير المؤمنين تقرئك السلام ، وتقول لك : هذه ألف دينار من طيب مالي ، خذها وادفعها إلى قوم [مستحقين ] تكتب لي أنسابهم وأسماءهم ومنازلهم ، وكلما جاءنا من هذه الناحية شيء صرفناه إليهم ، فأخذت الكيس وصرت إلى منزلي ، ووجهت خلف من أثق به ، فعرفتهم ما أمرت به ، وسألتهم أن يسموا لي من يعرفون من أهل الستور والحاجة ، فأسموا لي جماعة ، ففرقت فيهم ثلاث مائة دينار ، وجاء الليل ، وبقية المال بين يدي ، لا أبقيت مستحقا ، وأنا أفكر في سامراء وبعد أقطارها وتكافؤ أهلها ليس بها مستحق ، فمضى من الليل ساعة ، وبين يدي بعض حرمي ، وغلقت الدروب ، وطاف العسس ، وأنا مفكر في أمر الدنانير إذ سمعت باب الدرب يدق ، وسمعت البواب يكلم رجلا من ورائه ، فقلت لبعض من بين يدي : اعرف الخبر ، فعاد إلي وقال لي : بالباب فلان ابن فلان العلوي يسأل الإذن عليك . فقلت : مره بالدخول ، وقلت لمن بين يدي من الحرم :

            كونوا وراء هذا الستر ، فما قصدنا هذا الرجل في هذا الوقت إلا لحاجة ، فلما دخل سلم وجلس ، وقال لي : طرقني في هذا الوقت طارق لرسول الله صلى الله عليه وسلم به اتصال ، والله ما عندنا ولا أعددنا ما يعد الناس ، فلم يكن في جواري من أفزع إليه غيرك قال :

            فدفعت إليه من الدنانير دينارا ، فشكر وانصرف .

            قال : فخرجت ربة المنزل فقالت : يا هذا ، تدفع إليك السيدة ألف دينار لتدفعها إلى مستحق ، فترى من أحق من ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما شكاه إليك ؟ قلت لها :

            إيش السبيل ؟ قالت : تدفع الكيس له . فقلت : يا غلام رده . فرده فحدثته بالحديث ، ودفعت الكيس [إليه ] فأخذه وشكر وانصرف ، فلما ولى عني جاءني إبليس فقال : المتوكل وانحرافه عن أهل البيت يدفع إليك ألف دينار حتى تدفعها إلى مستحقها ، وتكتب أسماءهم وأنسابهم ومنازلهم ، فبأي شيء تحتج عليه وقد دفعت إلى علوي سبعمائة دينار ؟ وقلت لربة المنزل : أوقعتني فيما أكره ، فإما سبعمائة دينار ، وإما زوال النعمة ، وعرفتها ما خطر بقلبي ، فقالت : اتكل على جدهم فقلت : دعي هذا عنك ، فقالت : تتكل على جدهم ، فما زالت تردد هذا القول حتى سكت ، وقمت إلى فراشي ، فما استثقلت نوما ، إلا وصوت بالباب ، فقلت لبعض من يقرب مني : من على الباب ، فمضى وعاد وقال : رسول السيدة يأمرك بالركوب [إليها ] الساعة فخرجت إلى صحن الدار ، والليل بحاله ، والنجوم بحالها ، وجاء ثان ، وثالث ، فأدخلتهم وقلت : في الليل ؟ ! فقالوا : لا بد من ذلك ، فركبت فلم أصل [إلى ] الجوسق إلا وأنا في موكب من الرسل ، فدخلت الدار ، فقبض الخادم على يدي ، فأدخلني [إلى ] الموضع الذي كنت أصل [إليه ] ، فوقفني وخرج خادم خاص من داخل ، فأخذ بيدي وقال [لي ] : يا أحمد ، إنك تكلم السيدة أم أمير المؤمنين فقف حيث توقف ولا تتكلم حتى تسأل ، فأدخلني في دار لطيفة فيها بيوت عليها ستور مسبلة وشمعة وسط الدار ، فوقفني على باب منها ووقفت لا أتكلم ، فصاح بي صائح : يا أحمد ، قلت : لبيك يا أم أمير المؤمنين . فقالت : حساب ألف دينار ، بل حساب سبعمائة دينار وبكت فقلت في نفسي : بلية العلوي أخذ المال ومضى ، ففتح دكاكين المعاملين وغيرهم ، فاشترى حوائجه ، وتحدث ، وكتب به أصحاب الأخبار ، وقد أمر المتوكل بقتلي وهذه تبكي رحمة لي ، ثم أمسكت عن الكلام ، وعادت فقالت : يا أحمد حساب ألف دينار ، بل حساب سبعمائة دينار ، ثم بكت . فعلت ذلك ثلاث مرات ، ثم أمسكت وسألتني عن الحساب فصدقتها ، فلما بلغت إلى ذكر العلوي بكت ، وقالت : يا أحمد جزاك الله خيرا وجزى من في منزلك خيرا ، تدري ما كان خبري الليلة ؟ فقلت : لا ، قالت : كنت نائمة في فراشي ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول لي : جزاك الله خيرا ، وجزى أحمد بن الخصيب خيرا [وجزى ] من في منزله خيرا فقد فرجتم في هذه الليلة عن ثلاثة من ولدي ، ما كان لهم شيء ، خذ هذا الحلي مع هذه الثياب ، وخذ هذه الدنانير فادفعها إلى العلوي ، وقل له : نحن نصرف إليك كل ما جاءنا من هذه الناحية ، وخذ هذا الحلي ، وهذه الثياب ، وهذا المال فادفعه إلى زوجتك وقل : يا مباركة ، جزاك الله خيرا فهذه دلالتك ، وهذا خذه أنت [يا أحمد لك ] ودفعت إلي مالا وثيابا وخرجت ، فحمل ذلك بين يدي ، فركبت منصرفا إلى منزلي ، وكان طريقي على باب العلوي . فقلت : أبدأ به إذ كان الله تعالى رزقنا هذا على يديه ، فدققت الباب ، فقيل [لي ] : من هذا ؟ فقلت : أحمد بن الخصيب ، فخرج إلي ، فقال لي : يا أحمد ، هات ما معك . فقلت : [بأبي أنت وأمي ] ، وما يدريك ما معي ؟

            فقال لي : انصرفت من عندك بما أخذته منك ، ولم يكن عندنا شيء ، فعدت إلى بنت عمي فعرفتها ، ودفعت إليها المال ، ففرحت وقالت : ما أريد أن تشتري لنا شيئا ولا آكل أنا شيئا ، ولكن قم فصل أنت ، وادع حتى أؤمن على دعائك ، فقمت وصليت ودعوت وأمنت على دعائي ، ووضعت رأسي ونمت ، فرأيت جدي عليه السلام في النوم وهو يقول لي : قد شكرتهم على ما كان منهم إليك وهم باروك بشيء آخر فاقبله . قال : فدفعت إليه ما كان معي وانصرفت إلى منزلي ، فإذا ربة البيت قلقة قائمة تصلي وتدعو ، فعرفت أني قد جئت معافى ، فخرجت إلي فسألتني عن خبري ، فحدثتها الحديث على وجهه . فقالت : ألم أقل لك : اتكل على جدهم ، فكيف رأيت ما فعل ؟ فدفعت إليها ما كان لها فأخذته .

            [قال المصنف : قد ذكرنا في سنة ست وثلاثين أن أم المتوكل حجت فشيعها المتوكل إلى النجف ، وفرقت مالا كثيرا ، وكانت امرأة وافرة السماح ، شديدة الرغبة في فعل الخير ] .

            توفيت شجاع بالجعفرية لست خلون من ربيع الآخر من هذه السنة ، وصلى عليها المنتصر ، ودفنت عند الجامع ، وخلفت من العين خمسة آلاف ألف دينار وخمسين ألف دينار ، ومن الجوهر ما قيمته ألف ألف دينار .

            وعن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي قال : دخلت على المتوكل لما توفيت أمه ، فعزيته ، فقال : يا جعفر ، ربما قلت البيت الواحد فإذا جاوزته خلطت وقد قلت [بيتا ] :


            تذكرت لما فرق الدهر بيننا     فعزيت نفسي بالنبي محمد

            فأجازه بعض من حضر المجلس .


            وقلت لها : إن المنايا سبيلنا     فمن لم يمت في يومه مات في غد



            أبو الفضل العنبري

            العباس بن عبد العظيم بن إسماعيل بن كيسان ، أبو الفضل العنبري .

            من أهل البصرة ، سمع يحيى بن سعيد القطان ، وابن مهدي ، وجالس أحمد بن حنبل ، روى عنه : مسلم ، وأبو داود ، وكان ثقة مأمونا .

            محمد بن حاتم بن سليمان

            توفي في هذه السنة .

            محمد بن حاتم بن سليمان ، أبو جعفر ، وقيل : أبو عبد الله ، الزمي .

            سمع هشيم بن بشير ، وجرير بن عبد الحميد ، وغيرهما ، روى عنه : أبو حاتم ، وأبو عيسى الترمذي ، وغيرهما ، ووثقه الدارقطني .

            أبو جعفر الأسدي المعروف بلوين

            محمد بن سليمان بن حبيب بن جبير ، أبو جعفر الأسدي ، المعروف بلوين .

            سمع مالك بن أنس ، وحماد بن زيد ، وسفيان بن عيينة ، وغيرهم ، روى عنه :

            عبد الله بن أحمد والباغندي ، والبغوي في آخرين ، وآخر من روى عنه من البغداديين : ابن صاعد .

            وفي سبب تلقيبه بلوين قولان :

            أحدهما : أنه لقب لقبته به أمه ، قاله محمد بن القاسم الأزدي .

            والثاني : أنه كان يبيع الدواب فيقول : هذا الفرس له لوين ، فلقب لوين . قال ابن جرير : ولوين من الثقات عند المحدثين ، إلا أن الإمام أحمد أنكر عليه أنه رفع حديثا موقوفا ، ولعل ذلك من سوء الحفظ ، ولا يظن به أنه قصد ، وعاش مائة وثلاث عشرة سنة .

            وتوفي بأدنة ، فحمل إلى المصيصة ، فدفن بها في هذه السنة ، وقيل : في سنة خمس وأربعين .

            أبو يوسف المصري

            يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم ، أبو يوسف المصري ، مولى جرير بن حازم الأزدي .

            ولي القضاء بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقدم بغداد فحدث بها عن سفيان بن عيينة ، ويحيى بن سعيد القطان ، وابن مهدي ، روى عنه : أبو بكر بن أبي الدنيا ، وعبد الله بن أحمد . وقال أبو حاتم الرازي : هو صدوق .

            وتوفي ببلد فارس ، وهو يتولى القضاء عليه في هذه السنة . وفيها توفي السري بن معاذ الشيباني بالري ، وكان أميرا عليها ، حسن السيرة ، من أهل الفضل .

            وممن توفي فيها من الأعيان :

            الحسين بن الحسن المروزي .

            وأبو عمر الدوري أحد القراء المشاهير .

            ومحمد بن مصفى الحمصي .

            أحمد بن أبي الحواري .

            واسمه عبد الله بن ميمون بن عباس بن الحارث أبو الحسن التغلبي الغطفاني أحد الزهاد المشهورين ، والعباد المذكورين ، والأبرار المشكورين ذوي الأحوال الصالحة ، والكرامات الصادقة أصله من الكوفة وسكن دمشق وتتلمذ للشيخ أبي سليمان الداراني ، رحمهما الله . وروى الحديث عن سفيان بن عيينة ، ووكيع ، وأبي أسامة ، وخلق . وعنه أبو داود ، وابن ماجه ، وأبو حاتم ، وأبو زرعة الدمشقي ، وأبو زرعة الرازي ، وخلق كثير ، ذكره أبو حاتم فأثنى عليه . وقال يحيى بن معين : إني لأظن أن الله يسقي أهل الشام به . وكان الجنيد بن محمد يقول : هو ريحانة الشام .

            وقد روى الحافظ ابن عساكر أنه كان قد عاهد أبا سليمان الداراني ألا يغضبه ولا يخالفه ، فجاءه يوما وهو يحدث الناس فقال : يا سيدي ، قد سجروا التنور فماذا تأمر ؟ فلم يرد عليه أبو سليمان ; لشغله بالناس ، ثم أعادها أحمد ثانية وثالثة ، فقال له في الثالثة : اذهب فاقعد فيه . ثم اشتغل أبو سليمان في حديث الناس ثم استفاق فقال لمن حضره : إني قلت لأحمد : اذهب فاقعد في التنور ، وإني أخشى أن يكون قد فعل ذلك ، فقوموا بنا إليه ، فذهبوا فوجدوه جالسا في التنور ، ولم يحترق منه شعرة واحدة .

            وروي أيضا أن أحمد بن أبي الحواري أصبح ذات يوم وقد ولد له ولد ولا يملك شيئا يصلح به الولد ، فقال لخادمه : اذهب فاستدن لنا وزنة من دقيق ، فبينما هو في ذلك إذ جاءه رجل بمائتي درهم فوضعها بين يديه ، فدخل عليه رجل في تلك الساعة فقال : يا أحمد ، إنه قد ولد لي الليلة ولد ولا أملك شيئا . فرفع أحمد طرفه إلى السماء وقال : يا مولاي ، هكذا بالعجلة ! وقال للرجل : خذ هذه الدراهم لك ، ولم يأخذ منها درهما ، واستدان لأهله دقيقا .

            وروى عنه خادمه أنه خرج إلى الثغر للرباط ، فما زالت الهدايا تفد إليه من بكرة النهار إلى الزوال ، ثم فرقها كلها إلى وقت الغروب ، ثم قال لي : كن هكذا لا ترد على الله شيئا ، ولا تدخر عنه شيئا .

            ولما جاءت المحنة زمن المأمون إلى دمشق بخلق القرآن ، عين فيها أحمد بن أبي الحواري ، وهشام بن عمار ، وسليمان بن عبد الرحمن ، وعبد الله بن ذكوان ، فكلهم أجابوا إلا أحمد بن أبي الحواري ، فحبس بدار الحجارة ، ثم هدد فأجاب تورية مكرها ، ثم أطلق رحمه الله ، وقد قام ليلة بالثغر يكرر هذه الآية إياك نعبد وإياك نستعين [ الفاتحة : 5 ] حتى أصبح ، وقد ألقى كتبه في البحر وقال : نعم الدليل كنت لي على الله وإليه ، ولكن الاشتغال بالدليل بعد معرفة المدلول عليه والوصول إليه محال ، ومن كلامه : لا دليل على الله سواه ، وإنما يطلب العلم لآداب الخدمة . وقال : من عرف الدنيا زهد فيها ، ومن عرف الآخرة رغب فيها ، ومن عرف الله آثر رضاه ، وقال : من نظر إلى الدنيا نظر إرادة وحب لها أخرج الله نور اليقين والزهد من قلبه ، وقال : قلت لأبي سليمان الداراني في ابتداء أمري : أوصني . فقال : أمستوص أنت ؟ فقلت : نعم إن شاء الله تعالى . فقال : خالف نفسك في كل مراد لها ; فإنها الأمارة بالسوء ، وإياك أن تحقر أحدا من المسلمين ، واجعل طاعة الله دثارا ، والخوف منه شعارا ، والإخلاص زادا ، والصدق جنة ، واقبل مني هذه الكلمة الواحدة ولا تفارقها ولا تغفل عنها : إنه من استحيى من الله في كل أوقاته وأحواله وأفعاله بلغه إلى مقام الأولياء من عباده . قال : فجعلت هذه الكلمات أمامي ، ففي كل وقت أذكرها وأطالب نفسي بها ، والصحيح أنه مات في هذه السنة ، وقيل : في سنة ثلاثين ومائتين . وقيل غير ذلك ، فالله أعلم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية