الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث وحج بالناس في سنة إحدى وسبعين ومائتين هارون بن محمد بن إسحاق العباسي . ولعشر خلون من رمضان في هذه السنة عقد لأحمد بن محمد الطائي على المدينة ، وطريق مكة ، فوثب يوسف بن أبي الساج - وهو والي مكة - على بدر غلام الطائي ، وكان أميرا على الحاج ، فحاربه ، وأسره ، فثار الجند بيوسف ، فقاتلوه ، واستنقذوا بدرا ، وأسروا يوسف ، وحملوه إلى بغداذ ، وكانت الحرب بينهم على أبواب المسجد الحرام .

            وعن أبو بكر الآدمي قال : لما أدخل مؤنس أبا القاسم بن أبي الساج أسيرا خرجت إلى تلقيته على فراسخ ، ودخلت بغداد معه ، فقال لي لما قربنا : إذا كان غدا فإني سأركب ابن أبي الساج وأشهره فاركب بين يديه ، واقرأ ، فقلت : السمع والطاعة .

            فلما كان من الغد شهر ابن أبي الساج ببرنس ، فبدأت فقرأت وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة [ إن أخذه أليم شديد ] وأتبعتها بكل ما في القرآن من هذا الجنس قال : وحانت مني التفاتة ، فرأيت ابن أبي الساج يبكي . ومضى ذلك اليوم ، فلما كان بعد أيام رضي عنه السلطان بشفاعة مؤنس ، فأطلقه إلى داره ، فأنا [ كنت ] يوما بحضرة مؤنس أقرأ ، إذ استدعاني وقال لي : قد طلبك اليوم ابن أبي الساج ، فامض إليه . فقلت له : أيها الأستاذ الله الله في لعله وجد في نفسه من قراءتي ذلك اليوم .

            فضحك وقال : امض إليه . فمضيت إليه ، فرفعني وأجلسني وقال : أحب أن تقرأ تلك الآيات التي قرأتها بين يدي يوم كذا . فقلت : أيها الأمير ، تلك حالة اقتضت ذلك ، وليس مثلك يأخذ مثلي عليها ، وقد كشفها الله الآن ، ولكن أقرأ لك غيرها . قال : لا إلا تلك ، فإنه تداخلني لها خشوع وخوف أحب أن أكسر بها نفسي ، فردد سماعها علي قال : فاستفتحت فقرأتها له ، فما زال يبكي وينتحب إلى أن قطعت القراءة ، ثم قال : تقدم إلي قال : فخفته والله أن يبطش بي [ ثم ] قلت في نفسي هذا محال : فتقدمت فأخرج من تحت مصلاه دنانير كثيرة وقال : افتح فاك . ففتحته بكل ما استطعته ، فما زال يملؤه حتى لم يبق في فمي موضع ، ثم قال للغلام : هات . فجاء بكيس فيه ألفا درهم فجعلها في كمي ، ثم خرجت فقدمت إلى بغلة فارهة مسرجة ، فحملت عليها وأصحبني ثيابا وقال : إذا شئت فعد إلينا ولا تنقطع عنا ما دمنا مقيمين ، فكنت أجيئه في كل أسبوع أقرأ في داره فيعطيني في كل شهر مائة دينار ، إلى أن خرج من مدينة السلام . وفيها : وثب العامة على النصارى ، وخربوا الدير العتيق الذي وراء نهر عيسى ، وانتهبوا كل ما كان فيه من متاع ، وقلعوا الأبواب والخشب ، وهدموا بعض حيطانه وسقوفه ، ونبشوا الموتى ، فصار إليهم الحسين بن إسماعيل صاحب شرطة بغداد من قبل محمد بن طاهر ، فمنعهم من هدم ما بقي منه ، وكان يتردد إليه أياما والعامة تجتمع في تلك الأيام حتى كاد يكون بينهم قتال ، ثم بنى ما كانت العامة هدمته ، وكانت إعادة بنائه فيما ذكر بقوة عبدون بن مخلد النصراني أخي صاعد بن مخلد .

            وفي ذي القعدة : قدم المعتمد إلى بغداد ، فصلى بالناس في المصلى صلاة الأضحى ، ورآه الناس ، وعليه البردة ، وذلك يوم السبت . وفي سنة إحدى وسبعين : قال الصولي : (ولي هارون بن إبراهيم الهاشمي الحسبة ، فأمر أهل بغداد أن يتعاملوا بالفلوس ، فتعاملوا بها على كره ثم تركوها ) .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية