ذكر عدة حوادث وحج بالناس في سنة إحدى وسبعين ومائتين هارون بن محمد بن إسحاق العباسي . ولعشر خلون من رمضان في هذه السنة ، فوثب يوسف بن أبي الساج - وهو والي مكة - على بدر غلام الطائي ، وكان أميرا على الحاج ، فحاربه ، وأسره ، فثار الجند بيوسف ، فقاتلوه ، واستنقذوا بدرا ، وأسروا يوسف ، وحملوه إلى بغداذ ، وكانت الحرب بينهم على أبواب المسجد الحرام . عقد لأحمد بن محمد الطائي على المدينة ، وطريق مكة
وعن أبو بكر الآدمي قال : لما أدخل مؤنس أبا القاسم بن أبي الساج أسيرا خرجت إلى تلقيته على فراسخ ، ودخلت بغداد معه ، فقال لي لما قربنا : إذا كان غدا فإني سأركب ابن أبي الساج وأشهره فاركب بين يديه ، واقرأ ، فقلت : السمع والطاعة .
فلما كان من الغد شهر ابن أبي الساج ببرنس ، فبدأت فقرأت وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة [ إن أخذه أليم شديد ] وأتبعتها بكل ما في القرآن من هذا الجنس قال : وحانت مني التفاتة ، فرأيت ابن أبي الساج يبكي . ومضى ذلك اليوم ، فلما كان بعد أيام رضي عنه السلطان بشفاعة مؤنس ، فأطلقه إلى داره ، فأنا [ كنت ] يوما بحضرة مؤنس أقرأ ، إذ استدعاني وقال لي : قد طلبك اليوم ابن أبي الساج ، فامض إليه . فقلت له : أيها الأستاذ الله الله في لعله وجد في نفسه من قراءتي ذلك اليوم .
فضحك وقال : امض إليه . فمضيت إليه ، فرفعني وأجلسني وقال : أحب أن تقرأ تلك الآيات التي قرأتها بين يدي يوم كذا . فقلت : أيها الأمير ، تلك حالة اقتضت ذلك ، وليس مثلك يأخذ مثلي عليها ، وقد كشفها الله الآن ، ولكن أقرأ لك غيرها . قال : لا إلا تلك ، فإنه تداخلني لها خشوع وخوف أحب أن أكسر بها نفسي ، فردد سماعها علي قال : فاستفتحت فقرأتها له ، فما زال يبكي وينتحب إلى أن قطعت القراءة ، ثم قال : تقدم إلي قال : فخفته والله أن يبطش بي [ ثم ] قلت في نفسي هذا محال : فتقدمت فأخرج من تحت مصلاه دنانير كثيرة وقال : افتح فاك . ففتحته بكل ما استطعته ، فما زال يملؤه حتى لم يبق في فمي موضع ، ثم قال للغلام : هات . فجاء بكيس فيه ألفا درهم فجعلها في كمي ، ثم خرجت فقدمت إلى بغلة فارهة مسرجة ، فحملت عليها وأصحبني ثيابا وقال : إذا شئت فعد إلينا ولا تنقطع عنا ما دمنا مقيمين ، فكنت أجيئه في كل أسبوع أقرأ في داره فيعطيني في كل شهر مائة دينار ، إلى أن خرج من مدينة السلام . وفيها : وثب العامة على النصارى ، وخربوا الدير العتيق الذي وراء نهر عيسى ، وانتهبوا كل ما كان فيه من متاع ، وقلعوا الأبواب والخشب ، وهدموا بعض حيطانه وسقوفه ، ونبشوا الموتى ، فصار إليهم الحسين بن إسماعيل صاحب شرطة بغداد من قبل محمد بن طاهر ، فمنعهم من هدم ما بقي منه ، وكان يتردد إليه أياما والعامة تجتمع في تلك الأيام حتى كاد يكون بينهم قتال ، ثم بنى ما كانت العامة هدمته ، وكانت إعادة بنائه فيما ذكر بقوة عبدون بن مخلد النصراني أخي صاعد بن مخلد .
وفي ذي القعدة : قدم المعتمد إلى بغداد ، فصلى بالناس في المصلى صلاة الأضحى ، ورآه الناس ، وعليه البردة ، وذلك يوم السبت . وفي سنة إحدى وسبعين : قال الصولي : ، فأمر أهل بغداد أن يتعاملوا بالفلوس ، فتعاملوا بها على كره ثم تركوها ) . (ولي هارون بن إبراهيم الهاشمي الحسبة