الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ومن الحوادث في هذه السنة: أن أبا الفتوح الإسفراييني ، وكان لا يعرف الحديث إنما هو في ذلك على عادة القصاص ، سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات" فقال: هذا ليس بصحيح . والحديث في الصحيح . وقال: يوما على المنبر: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصبحت؟ قال: أعمى بين عميان ، ضالا بين ضلال . فنقل ذلك إلى الوزير ابن صدقة فاستحضره فأقر وأخذ يتأول بتأويلات باردة فاسدة ، فقال الوزير للفقهاء: ما تقولون؟ فقال ابن سلمان مدرس النظامية : لو قال هذا الشافعي ما قبلنا منه ويجب على هذا أن يجدد إسلامه وتوبته . فمنع من الجلوس بعد أن استقر أن يجلس ويشد الزنار ويتوب ، ثم يرحل من بغداد ، فنصره قوم من الأكابر يميلون إلى اعتقاده ، فأعادوه إلى الجلوس ، وكان يتكلم بما يسقط حرمة المصحف من قلوب الناس فافتتن به خلق كثير . [زيادة الفتن في بغداد]

            وزادت الفتن في بغداد ، وتعرض أصحاب أبي الفتوح بمسجد ابن جردة فرجموا ورجم معهم أبو الفتوح ، وكان إذا ركب يلبس الحديد ومعه السيوف المجذبة تحفظه ، ثم اجتاز بسوق الثلاثاء فرجم ورميت عليه الميتات . ومع هذا يقول: ليس هذا الذي نتلوه كلام الله إنما هو عبارة ومجاز ، والكلام الحقيقي قائم بالنفس . فينفر أهل السنة كلما سمعوا هذا ، فلما كان اليوم الذي دفن فيه أبو الحسن ابن الفاعوس انقلبت بغداد لموته ، وغلقت الأسواق ، وكان الحنابلة يصيحون على عادتهم هذا يوم سني حنبلي لا قشيري ولا أشعري ، ويصرخون بسبب أبي الفتوح ، فمنعه المسترشد من الجلوس ، وأمر أن لا يقيم ببغداد ، وكان ابن صدقة يميل إلى مذهب أهل السنة فنصرهم .

            فلما أن كان يوم الأحد العشرين من شوال: ظهر عند إنسان وراق كراسة قد اشتراها في جملة كاغذ بذل من عنده فيها مكتوب القرآن ، وقد كتب بين كل سطرين من القرآن سطر من الشعر على وزن أواخر الآيات ، ففتش على كاتبها ، فإذا به رجل معلم يقال له: ابن الأديب ، فكبس بيته ، فوجدوا فيه كراريس على هذا المعنى ، فحمل إلى الديوان فسئل عن ذلك فأقر ، وكان من أصحاب أبي الفتوح ، فحمل على حمار ، وشهر في البلد ونودي عليه ، وهمت العامة بإحراقه فانتعش أهل السنة ، ثم أذن لأبي الفتوح فجلس ، وظهر عبد القادر فجلس في الحلبة فتشبث به أهل السنة وانتصروا بحسن اعتقاد الناس به .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية