ومن الحوادث في هذه السنة: أن أبا الفتوح الإسفراييني ، وكان لا يعرف الحديث إنما هو في ذلك على عادة القصاص ، سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: هذا ليس بصحيح . والحديث في الصحيح . وقال: يوما على المنبر: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصبحت؟ قال: أعمى بين عميان ، ضالا بين ضلال . فنقل ذلك إلى الوزير ابن صدقة فاستحضره فأقر وأخذ يتأول بتأويلات باردة فاسدة ، فقال الوزير للفقهاء: ما تقولون؟ فقال ابن سلمان مدرس النظامية : لو قال هذا الشافعي ما قبلنا منه ويجب على هذا أن يجدد إسلامه وتوبته . فمنع من الجلوس بعد أن استقر أن يجلس ويشد الزنار ويتوب ، ثم يرحل من بغداد ، فنصره قوم من الأكابر يميلون إلى اعتقاده ، فأعادوه إلى الجلوس ، وكان يتكلم بما يسقط حرمة المصحف من قلوب الناس فافتتن به خلق كثير . [زيادة الفتن في بغداد] "ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات"
وزادت وتعرض أصحاب أبي الفتوح بمسجد ابن جردة فرجموا ورجم معهم أبو الفتوح ، وكان إذا ركب يلبس الحديد ومعه السيوف المجذبة تحفظه ، ثم اجتاز بسوق الثلاثاء فرجم ورميت عليه الميتات . ومع هذا يقول: ليس هذا الذي نتلوه كلام الله إنما هو عبارة ومجاز ، والكلام الحقيقي قائم بالنفس . فينفر أهل السنة كلما سمعوا هذا ، فلما كان اليوم الذي دفن فيه أبو الحسن ابن الفاعوس انقلبت بغداد لموته ، وغلقت الأسواق ، وكان الحنابلة يصيحون على عادتهم هذا يوم سني حنبلي لا قشيري ولا أشعري ، ويصرخون بسبب أبي الفتوح ، فمنعه المسترشد من الجلوس ، وأمر أن لا يقيم ببغداد ، وكان ابن صدقة يميل إلى مذهب أهل السنة فنصرهم . الفتن في بغداد ،
فلما أن كان يوم الأحد العشرين من شوال: ظهر عند إنسان وراق كراسة قد اشتراها في جملة كاغذ بذل من عنده فيها مكتوب القرآن ، وقد كتب بين كل سطرين من القرآن سطر من الشعر على وزن أواخر الآيات ، ففتش على كاتبها ، فإذا به رجل معلم يقال له: ابن الأديب ، فكبس بيته ، فوجدوا فيه كراريس على هذا المعنى ، فحمل إلى الديوان فسئل عن ذلك فأقر ، وكان من أصحاب أبي الفتوح ، فحمل على حمار ، وشهر في البلد ونودي عليه ، وهمت العامة بإحراقه فانتعش أهل السنة ، ثم أذن لأبي الفتوح فجلس ، وظهر عبد القادر فجلس في الحلبة فتشبث به أهل السنة وانتصروا بحسن اعتقاد الناس به .