ذكر عود السلطان مسعود إلى السلطنة وانهزام الملك طغرل
قد تقدم ذكر انهزام السلطان مسعود من عمه السلطان سنجر وعوده إلى كنجة ، وولاية الملك طغرل السلطنة ، وأنه تحارب هو والملك داود ابن أخيه محمود ، وانهزام داود ودخوله بغداذ ، فلما بلغ السلطان مسعودا انهزام داود وقصده بغداذ ، سار هو إلى بغداذ أيضا ، فلما قاربها لقيه داود وترجل له ، وخدمه ، ودخلا بغداذ .
ونزل مسعود بدار السلطنة في صفر من هذه السنة ، وخاطب في الخطبة له ، فأجيب إلى ذلك ، وخطب له ولداود بعده ، وخلع عليهما ، ودخلا إلى الخليفة فأكرمهما ، ورفع الاتفاق على مسير مسعود وداود إلى أذربيجان ، وأن يرسل الخليفة معهما عسكرا ، فساروا فلما وصلوا إلى مراغة حمل آقسنقر الأحمديلي مالا كثيرا ، وإقامة عظيمة ، وملك مسعود سائر بلاد أذربيجان ، وانهزم من بها من الأمراء مثل قراسنقر وغيره من بين يديه ، وتحصن منه كثير منهم بمدينة أردبيل ، فقصدهم وحصرهم بها ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وانهزم الباقون .
ثم سار بعد ذلك إلى همذان لمحاربة أخيه الملك طغرل ، فلما سمع طغرل بقربه برز إلى لقائه ، فاقتتلوا إلى الظهر ، ثم انهزم طغرل ، وقصد الري ، واستولى السلطان مسعود على همذان في شعبان ، ولما استقر مسعود بهمذان قتل آقسنقر الأحمديلي ، قتله الباطنية ، فقيل إن السلطان مسعودا وضع عليه من قتله .
ثم إن طغرل لما بلغ قم عاد إلى أصبهان ودخلها وأراد التحصن بها فسار إليه أخوه مسعود ليحاصره بها ، فرأى طغرل أن أهل أصبهان لا يطاوعونه على الحصار ، فرحل عنهم إلى بلاد فارس ، واستولى مسعود على أصبهان ، وفرح أهلها به ، وسار من أصبهان نحو فارس يقتص أثر أخيه طغرل ، فوصل إلى موضع بقرب البيضاء ، فاستأمن إليه أمير من أمراء أخيه معه أربعمائة فارس فأمنه ، فخاف طغرل من عسكره أن ينحازوا إلى أخيه ، فانهزم من بين يديه ، وقصد الري في رمضان ، وقتل وزيره أبو القاسم الأنساباذي في الطريق في شوال ، قتله غلمان الأمير شيركير الذي سعى في قتله .
وسار السلطان مسعود يتبعه ، فلحقه بموضع يقال له : ذكراور ، فوقع بينهما المصاف هناك ، فلما اشتبكت الحرب انهزم الملك طغرل ، فوقع عسكره في أرض قد نضب عنها الماء وهي وحل ، فأسر منهم جماعة من الأمراء منهم الحاجب تنكر ، وابن بغرا ، فأطلقهم السلطان مسعود ، ولم يقتل في هذا المصاف إلا نفر يسير ، ورجع السلطان مسعود إلى همذان .