ذكر طاعة أهل قابس للفرنج وغلبة المسلمين عليها
كان صاحب مدينة قابس ، قبل هذه السنة ، إنسانا اسمه رشيد ، فتوفي وخلف أولادا ، فعمد مولى له اسمه يوسف إلى ولده الصغير ، واسمه محمد ، فولاه الأمر ، وأخرج ولده الكبير واسمه معمر ، واستولى يوسف على البلد ، وحكم على محمد لصغر سنه .
وجرى منه أشياء من التعرض إلى حرم سيده ، والعهدة على ناقله ، وكان من جملتهن امرأة من بني قرة ، فأرسلت إلى إخوتها تشكو إليهم ما هي فيه ، فجاء إخوتها لأخذها فمنعهم ، وقال : هذه حرمة مولاي ; ولم يسلمها ، فسار بنو قرة ومعمر بن رشيد إلى الحسن صاحب إفريقية ، وشكوا إليه ما يفعل يوسف ، فكاتبه الحسن في ذلك ، فلم يجب إليه ، وقال : لئن لم يكف الحسن عني وإلا سلمت قابس إلى صاحب صقلية ، فجهز الحسن العسكر إليه ، فلما سمع يوسف بذلك أرسل إلى رجار الفرنجي ، صاحب صقلية ، وبذل له الطاعة ، وقال له : أريد منك خلعة وعهدا بولاية قابس لأكون نائبا عنك كما فعلت مع بني مطروح في طرابلس ، فسير إليه رجار الخلعة والعهد ، فلبسها ، وقرئ العهد بمجمع من الناس .
فجد حينئذ الحسن في تجهيز العسكر إلى قابس ، فساروا إليها ونازلوها وحصروها ، فثار أهل البلد بيوسف لما اعتمده من طاعة الفرنج ، وسلموا البلد إلى عسكر الحسن ، وتحصن يوسف في القصر ، فقاتلوه حتى فتحوه ، وأخذ يوسف أسيرا ، فتولى عذابه معمر بن رشيد وبنو قرة ، فقطعوا ذكره وجعلوه في فمه وعذب بأنواع العذاب .
وولي معمر قابس مكان أخيه محمد ، وأخذ بنو قرة أختهم ، وهرب عيسى أخو يوسف وولد يوسف وقصدوا رجار ، صاحب صقلية ، فاستجاروا به وشكوا إليه ما لقوا من الحسن ، فغضب لذلك ، وكان ما نذكره سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة من فتح المهدية ، إن شاء الله تعالى .