الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            في هذه السنة ، في جمادى الأولى ، خطب للمستنجد بالله يوسف بن المقتفي لأمر الله بولاية العهد . وفيها ولي عون الدين يحيى بن هبيرة كتابة الزمام ببغداد ، وولي زعيم الدين يحيى بن جعفر المخزن . وفيها سار سيف الدين غازي بن زنكي إلى قلعة دارا ، فملكها وغيرها من بلد ماردين ، ثم سار إلى ماردين وحصرها وخرب بلدها ونهبه .

            وكان سبب ذلك أن أتابك زنكي لما قتل تطاول صاحب ماردين وصاحب الحصن إلى ما كان قد فتحه من بلادهما فأخذاه ، فلما ملك سيف الدين وتمكن سار إلى ماردين وحصرها ، وفعل ببلدها الأفاعيل العظيمة ، فلما رأى صاحبها ، وهو حينئذ حسام الدين تمرتاش ، ما يفعل في بلده قال : كنا نشكو من أتابك الشهيد ، وأين أيامه ؟ لقد كانت أعيادا . قد حصرنا غير مرة ، فلم يأخذ هو ولا أحد من عسكره مخلاة تبن بغير ثمن ، ولا تعدى هو وعسكره حاصل السلطان ، وأرى هذا ينهب البلاد ويخربها .

            ثم راسله وصالحه ، وزوجه ابنته ، ورحل سيف الدين عنه وعاد إلى الموصل ، وجهزت ابنة حسام الدين وسيرت إليه ، فوصلت وهو مريض قد أشفى على الموت ، فلم يدخل بها وبقيت عنده إلى أن توفي ، وملك قطب الدين مودود ، فتزوجها . وفيها اشتد الغلاء بإفريقية ودامت أيامه ، فإن أوله كان سنة سبع وثلاثين وخمسمائة ، وعظم الأمر على أهل البلاد حتى أكل بعضهم بعضا ، وقصد أهل البوادي المدن من الجوع ، فأغلقها أهلها دونهم ، وتبعه وباء وموت كثير ، حتى خلت البلاد . وكان أهل البيت لا يبقى منهم أحد ، وسار كثير منهم إلى صقلية في طلب القوت ، ولقوا أمرا عظيما . وفي صفر : شاع أن رجلا رأى في المنام أنه من زار قبر أحمد بن حنبل غفر له ، فما بقي خاص ولا عام إلا وزار ، وعقدت يومئذ مجلسا فحضر ألوف لا يحصون . وعزل أبو نصر بن جهير في ربيع الأول من هذه السنة عن الوزارة ، وسكن بالدار التي بناها بشاطئ دجلة بباب الأزج ، وهي التي آل أمرها إلى أن صارت ملكا لجهة الإمام المستضيء بأمر الله فوقفتها مدرسة لأصحاب أحمد بن حنبل وسلمتها إلي فدرست فيها سنة سبعين . وفي ربيع الآخر : منع الغزنوي من الجلوس في جامع القصر ورفع كرسيه . وفي جمادى الأولى : ولي الوزارة أبو القاسم علي بن صدقة بن علي بن صدقة نقلا عن المخزن إليها فدخل إلى المقتفي ومعه قاضي القضاة الزينبي وأستاذ الدار وجملة من الخواص وقلده الوزارة شفاها ، وخلع عليه ومضى إلى الديوان [يوم السبت ] ثالث عشر جمادى الأولى وقرأ ابن الأنباري كاتب الإنشاء عهده . وفي هذا الشهر : أذن للغزنوي في العود إلى الجلوس بالجامع وقدم ابن العبادي برسالة السلطان إلى الخليفة بتولية الأمير أبي المظفر فخرج الخلق للقائه ولم يبق سوى الوزير وقبل العتبة ، ومضى إلى رباط الغزنوي . وفي يوم الأربعاء سابع عشر شوال : جلس أبو الوفاء يحيى بن سعيد المعروف بابن المرخم في داره بدرب الشاكرية في الدست الكامل ، وسمع البينة وحضر مجلسه شهود بغداد والمديرون والوكلاء واستقر جلوسه في كل يوم أربعاء وأخذ على عادة كانت للقاضي الهروي . وكان أبو الوفاء بئس الحاكم يأخذ الرشا ويبطل الحقوق . وفي رمضان هرب إسماعيل بن المستظهر أخو الخليفة من داره إلى ظاهر البلد وبقي يومين نقب من الموضع ، وأخرج بزي المشائية على رأسه سلة ، وبيده قدح على وجه التفرج فانزعج البلد فخشي أن يعود فاختبأ عند قوم بباب الأزج فأعلموا به فجاء أستاذ الدار وحاجب الباب وخدم فردوه . وحج الناس ولم يزوروا قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرا من قلة الماء .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية