في هذه السنة ، في جمادى الأولى ، خطب للمستنجد بالله يوسف بن المقتفي لأمر الله بولاية العهد . وفيها ولي عون الدين يحيى بن هبيرة كتابة الزمام ببغداد ، وولي زعيم الدين يحيى بن جعفر المخزن . وفيها سار سيف الدين غازي بن زنكي إلى قلعة دارا ، فملكها وغيرها من بلد ماردين ، ثم سار إلى ماردين وحصرها وخرب بلدها ونهبه .
وكان سبب ذلك أن أتابك زنكي لما قتل تطاول صاحب ماردين وصاحب الحصن إلى ما كان قد فتحه من بلادهما فأخذاه ، فلما ملك سيف الدين وتمكن سار إلى ماردين وحصرها ، وفعل ببلدها الأفاعيل العظيمة ، فلما رأى صاحبها ، وهو حينئذ حسام الدين تمرتاش ، ما يفعل في بلده قال : كنا نشكو من أتابك الشهيد ، وأين أيامه ؟ لقد كانت أعيادا . قد حصرنا غير مرة ، فلم يأخذ هو ولا أحد من عسكره مخلاة تبن بغير ثمن ، ولا تعدى هو وعسكره حاصل السلطان ، وأرى هذا ينهب البلاد ويخربها .
ثم راسله وصالحه ، وزوجه ابنته ، ورحل سيف الدين عنه وعاد إلى الموصل ، وجهزت ابنة حسام الدين وسيرت إليه ، فوصلت وهو مريض قد أشفى على الموت ، فلم يدخل بها وبقيت عنده إلى أن توفي ، وملك قطب الدين مودود ، فتزوجها . وفيها اشتد الغلاء بإفريقية ودامت أيامه ، فإن أوله كان سنة سبع وثلاثين وخمسمائة ، وعظم الأمر على أهل البلاد حتى أكل بعضهم بعضا ، وقصد أهل البوادي المدن من الجوع ، فأغلقها أهلها دونهم ، وتبعه وباء وموت كثير ، حتى خلت البلاد . وكان أهل البيت لا يبقى منهم أحد ، وسار كثير منهم إلى صقلية في طلب القوت ، ولقوا أمرا عظيما . وفي صفر : شاع أن رجلا رأى في المنام أنه من زار قبر أحمد بن حنبل غفر له ، فما بقي خاص ولا عام إلا وزار ، وعقدت يومئذ مجلسا فحضر ألوف لا يحصون . وعزل أبو نصر بن جهير في ربيع الأول من هذه السنة عن الوزارة ، وسكن بالدار التي بناها بشاطئ دجلة بباب الأزج ، وهي التي آل أمرها إلى أن صارت ملكا لجهة الإمام المستضيء بأمر الله فوقفتها مدرسة لأصحاب أحمد بن حنبل وسلمتها إلي فدرست فيها سنة سبعين . وفي ربيع الآخر : منع الغزنوي من الجلوس في جامع القصر ورفع كرسيه . وفي جمادى الأولى : ولي الوزارة أبو القاسم علي بن صدقة بن علي بن صدقة نقلا عن المخزن إليها فدخل إلى المقتفي ومعه قاضي القضاة الزينبي وأستاذ الدار وجملة من الخواص وقلده الوزارة شفاها ، وخلع عليه ومضى إلى الديوان [يوم السبت ] ثالث عشر جمادى الأولى وقرأ ابن الأنباري كاتب الإنشاء عهده . وفي هذا الشهر : أذن للغزنوي في العود إلى الجلوس بالجامع وقدم ابن العبادي برسالة السلطان إلى الخليفة بتولية الأمير أبي المظفر فخرج الخلق للقائه ولم يبق سوى الوزير وقبل العتبة ، ومضى إلى رباط الغزنوي . وفي يوم الأربعاء سابع عشر شوال : جلس أبو الوفاء يحيى بن سعيد المعروف بابن المرخم في داره بدرب الشاكرية في الدست الكامل ، وسمع البينة وحضر مجلسه شهود بغداد والمديرون والوكلاء واستقر جلوسه في كل يوم أربعاء وأخذ على عادة كانت للقاضي الهروي . وكان أبو الوفاء بئس الحاكم يأخذ الرشا ويبطل الحقوق . وفي رمضان هرب إسماعيل بن المستظهر أخو الخليفة من داره إلى ظاهر البلد وبقي يومين نقب من الموضع ، وأخرج بزي المشائية على رأسه سلة ، وبيده قدح على وجه التفرج فانزعج البلد فخشي أن يعود فاختبأ عند قوم بباب الأزج فأعلموا به فجاء أستاذ الدار وحاجب الباب وخدم فردوه . وحج الناس ولم يزوروا قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرا من قلة الماء .