الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            في هذه السنة وصل الحجاج إلى منى ، ولم يتم الحج لأكثر الناس لصدهم عن دخول مكة والطواف والسعي ، فمن دخل يوم النحر مكة وطاف وسعى كمل حجه ، ومن تأخر عن ذلك منع دخول مكة لفتنة جرت بين أمير الحاج وأمير مكة . كان سببها أن جماعة من عبيد مكة أفسدوا في الحاج بمنى ، فنفر عليهم بعض أصحاب أمير الحاج ، فقتلوا منهم جماعة ، ورجع من سلم إلى مكة ، وجمعوا جمعا وأغاروا على جمال الحاج ، وأخذوا منها قريبا من ألف جمل ، فنادى أمير الحاج في جنده ، فركبوا بسلاحهم ، ووقع القتال بينهم ، فقتل جماعة ، ، ونهب جماعة من الحاج وأهل مكة ، فرجع أمير الحاج ولم يدخل مكة ، ولم يقم بالزاهر غير يوم واحد ، وعاد كثير من الناس رجالة لقلة الجمال ، ولقوا شدة . وحج بالناس أمير الكوفة أرغش . وممن حج هذه السنة جدتنا أم أبينا ، ففاتها الطواف والسعي ، فاستفتي لها الشيخ الإمام أبو القاسم بن البرري ، فقال : تدوم على ما بقي عليها من إحرامها ، وإن أحبت تفدي وتحل من إحرامها إلى قابل ، وتعود إلى مكة ، فتطوف وتسعى ، فتكمل الحجة الأولى ، ثم تحرم إحراما ثانيا ، وتعود إلى عرفات ، فتقف وترمي الجمار ، وتطوف وتسعى ، فتصير لها حجة ثانية ، فبقيت على إحرامها إلى قابل ، وحجت وفعلت كما قال ، فتم حجها الأول والثاني . وفيها نزل بخراسان برد كثير عظيم المقدار ، أواخر نيسان ، وكان أكثره بجوين ونيسابور وما والاهما ، فأهلك الغلات ، ثم جاء بعده مطر كثير دام عشرة أيام . وفيها ، في جمادى الآخرة ، وقع الحريق ببغداد ، احترق سوق الطيوريين والدور التي تليه مقابله إلى سوق الصفر الجديد ، والخان الذي في الرحبة ، ودكاكين البزوريين وغيرها . وفيها توفي الكيا الصباحي ، صاحب ألموت ، مقدم الإسماعيلية ، وقام ابنه مقامه ، فأظهر التوبة ، وأعاد هو ومن معه الصلوات وصيام شهر رمضان ، وأرسلوا إلى ( قزوين يطلبون من يصلي ) بهم ، ويعلمهم حدود الإسلام ، فأرسلوا إليهم . وفيها ، في رجب ، درس شرف الدين يوسف الدمشقي في المدرسة النظامية ببغداد . وادعت امرأة أن ابن النظام الفقيه مدرس النظامية تزوجها فجحد وحلف ثم قرر فأقر فافتضح وعزل من التدريس ووكل به وكان قد عقد بينهما فقيه يقال له الأشتري فأخذ وصفع على باب النوبي . وفي ربيع الآخر : ترافق رجل من أهل الحربية وصبي في الطريق فقتله الصبي بسبب شيء من الذهب كان معه ودخل إلى الحربية فأنذر به وقال قد قتل هنا قتيل فأخذوه وقالوا أنت كنت معه فجيء به في الباب فاعترف بالقتل فقتل . وقبض على ابن الشمحل وحبس عند أستاذ الدار وقبض على زوجته بنت صاحب المخزن ابن طلحة ونقل ما في داره . وفي هذه السنة : تكاملت [عمارة ] المدرسة [التي بناها ] الوزير بباب البصرة وأقام فيها الفقهاء ورتب لهم الجراية وكان مدرسهم أبو الحسن البراندسي ، وفيها أعني المدرسة دفن الوزير.

            وحكى أبو الفرج بن الحسين الحداد قال : جرت لابن فضلان الفقيه قصة عجيبة وهو أنه اتهم بقتل امرأة فأخذ واعتقل بباب النوبي أياما وذلك أنه دخل على أخت له قد خطبت وما تمت عدتها من زوج كان لها فمات فضربها فثارت إليه امرأة كانت عندهم في الدار لتخلصها منه فرفسها [برجله ] ولكمها بيده فوقعت المرأة مغشية عليها ثم خرجت فوقعت في الطريق فأدخلت إلى رباط وسئلت عن حالها فأخبرتهم الخبر فحملت إلى بيت أهلها فماتت [في الحال ] فكتب أهلها إلى الخليفة فتقدم بأخذه فأنكر فلم يكن لهم بينة فحلف وخرج .

            وهذه القصة إذا صحت فقد وجبت عليه الدية مغلظة في ماله لأنه شبه عمد ويجب عليه كفارة القتل بلا خلاف . وفي رجب : جمع الوكلاء والمحضرون والشهود كلهم عند حاجب الباب وشرط عليهم أن لا يتبرطلوا من أحد ولا يأخذ الشروطي في كتب البراءة أكثر من حبتين ولا المحضر أكثر من حبة ولا الوكيل أكثر من قيراطين وأشهدوا عليهم الشهود بذلك وسببه جناية جرت بينهم في ترويج كتاب .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية