الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            في هذه السنة رئي في دار الخليفة المستنجد بالله رجل غريب في الطريق الذي يركب فيه ، وفي زنده سكين صغيرة ، وفي يده سكين أخرى كبيرة ، فأخذوه وقرروه ، فقال : أنا من حلب ، فحبس وعوقب البواب ، ولم يعلم من أين دخل . وفيها قبض ابن البلدي وزير الخليفة على الحسين بن محمد المعروف بابن السيبي ، وعلى أخيه الأصغر ، وكانا ابني عمة عضد الدين أستاذ الدار ، وكان الأصغر عامل البيمارستان ، فقطعت يده ورجله ، قيل كان عنده صنج زائدة يقبض بها وتحمل إلى الديوان بالصنج الصحيحة ، وقيل غير ذلك ، وحمل إلى البيمارستان ، فمات به ، وكان شاعرا ، فمن شعره وهو محبوس هذه الأبيات :


            سلام على أهلي وصحبي وجلاسي ومن في فؤادي ذكرهم راسب راسي     أعالج فيكم كل هم ولا أرى
            لداء همومي غير رؤيتكم آسي     لقد أبدت الأيام لي كل شدة
            تشيب لها الأكباد فضلا عن الراس     فيا ابنة عبد الله صبرا على الذي
            لقيت فهذا الحكم من مالك الناس     فلو أبصرت عيناك ذلي بكيت لي
            بدمع سوي بالمدامع رجاس     أقول لقلبي والهموم تنوشه
            وقد حدثته النفس بالضر والياس     فلو هم طيف من خيالي يزوركم
            لمانعه دون المغالق حراسي     وما حذري إلا على النفس لا على سواها
            لأني حلف فقر وإفلاس

            ومن الحوادث فيها:

            أن بعض غلمان الخليفة واقع العيارين بالدجيل وقتل كثيرا منهم وجاء [برءوسهم] وأخذ قائدهم . وفي صفر: جلس ابن الشاشي للتدريس بالمدرسة النظامية التتشية على شاطئ دجلة بباب الأزج التي كانت بيد يوسف الدمشقي وحضر عنده جماعة من أرباب المناصب . وفي هذا اليوم: صلب تسعة أنفس وقطعت يد العاشر . وفي سابع عشر ربيع الآخر: فوض إلى أبي جعفر بن الصباغ نيابة التدريس في النظامية واعتقل تاج الدين أخو أستاذ الدار . وفي جمادى الآخرة: مات حاجب الباب ابن الصاحب وتولى ولده حجبة الباب .

            وفي يوم الجمعة عاشر شعبان: دخل قوم من العيارين إلى دار بعض التجار عند سوق العطر فلم يجدوا في الدار إلا مملوكا فسألوه عن المال فقال لا علم لي فقتلوه وفتشوا الدار فلم يجدوا فيها شيئا وخرجوا ولم يحظوا إلا بقتل الغلام . وفي ليلة النصف من شعبان: اتفقت حادثة عجيبة وهو أن إنسانا كان قائما عند دكان عطار بشارع دار الدقيق فجاء إنسان نفاط يلعب بقارورة النفط فخرجت من يده بغير اختياره فأهلكت ما في الدكان كله وتعلقت بثياب ذلك الرجل القائم هناك إلى أن نزع ثيابه انسلخ جلده من عنقه إلى مشد سراويله وأخذ النفاط فحبس وجرت فتنة فتخلص النفاط . وفي سادس عشرين شعبان: خرج الوزير إلى الحلة لينظر إلى البلاد ويتعرف أحوالها . وفي رمضان: قبض على يزدن وتتامش وسلما إلى قيماز وضيق على قيماز وأخذ منه على ما حكي ثلاثون ألف دينار جمع فيها مراكبه [وآنية داره] وانكسر كسرة عظيمة . وفيها احترق جامع حلب فجدده نور الدين .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية