الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            باب ذكر خلافة المستضيء بالله  

            اسمه ونسبه

            واسمه: الحسن بن يوسف المستنجد بالله ، ويكنى: أبا محمد ، وأمه أرمنية تدعى: غضة ، ولد في سادس شعبان سنة ست وثلاثين وخمسمائة ، ولم يتول الخلافة من اسمه الحسن ويكنى أبا محمد إلا الحسن بن علي وهو ، فقد اشتركا في الاسم والكنية والكرم ، كان له من الولد: أبو العباس أحمد وهو الذي تولى الخلافة بعده وأبو منصور هاشم .

            بيعة المستضيء بأمر الله

            بويع المستضيء بأمر الله يوم توفي المستنجد البيعة الخاصة بايعه أهل بيته وبعث إلى الوزير ابن البلدي أن احضر البيعة فلما دخل دار الخلافة وكان [في ولايته] قد قطع أنف امرأة ويد رجل بجناية جرت منهما وكان ذلك بتقدم فسلم إلى أولياء القوم ذلك اليوم فقطعوا أنفه ثم يده ثم ضرب بالسيوف وألقي في دجلة وتولى ذلك أستاذ الدار ابن رئيس الرؤساء ، ثم جلس المستضيء بأمر الله بكرة الأحد تاسع ربيع الآخر في التاج فبايعه الناس ، وصلى في التاج يومئذ على المستنجد ونودي برفع المكوس وردت مظالم كثيرة وأظهر من العدل والكرم ما لم نره من أعمارنا واستوزر أستاذ الدار وجلس لعزاء المستنجد بذاته ثلاثة أيام وتكلمت في تلك الأيام في بيت النوبة ثم أذن للوعاظ في الوعظ بعد أن كانوا قد منعوا مدة وفرق الإمام المستضيء بأمر الله مالا عظيما على الهاشميين والعلويين والعلماء والأربطة ، وكان دائم البذل للمال ليس له عنده وقع ، وخلع على أرباب الدولة والقضاة والجند وجماعة من العلماء وحكى خياط المخزن أنه فصل ألفا وثلاثمائة قباء إبريسم وخطب له على منابر بغداد يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر ونثرت الدنانير كما جرت العادة وولي روح بن أحمد الحديثي قضاء القضاة يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر وولي يومئذ أبو المحاسن عمر بن علي الدمشقي الحكم بنهر معلى وولي ابن الشاشي النظامية فمضى الدعاة بين يديه . وفي يوم الجمعة العشرين من جمادى الأولى: خلع على الوزير الخلع التامة ومشى بين يديه قيماز وقاضي القضاة وغيرهما . وفي يوم الاثنين ثالث عشرين الشهر: جلس الوزير في داره للهناء وأنشد الحيص بيص:


            أقول وقد تولى الأمر خير ولي لم يزل برا تقيا     وقد كشف الظلام بمستضيء
            غدا بالخلق كلهم حفيا     وفاض الجود والمعروف حتى
            حسبناه حبابا أو أتيا     بلغنا فوق ما كنا نرجي
            هنيئا يا بني الدنيا هنيا     سألنا الله يرزقنا إماما
            نسر به فأعطانا نبيا

            وقال أيضا:


            يا إمام الهدى علوت عن الجو     د بمال وفضة ونضار
            فوهبت الأعمار والأمن والبلدان     في ساعة [مضت] من نهار
            فبماذا أثني عليك وقد جاوزت     فضل البحور والأمطار
            إنما أنت معجز مستمر     خارق للعقول والأفكار
            جمعت نفسك الشريفة بين الباس     والجود بين ماء ونار

            واحتجب الخليفة عن أكثر الناس فلم يركب إلا مع الخدم ولم يدخل إليه غير قيماز وجلس الوزير في الديوان يوم الجمعة وأجلس عن يمينه ابن الشاشي وكانت العادة أن اليمين لأصحاب أبي حنيفة فأخذ المكان منهم . ومما نظمه العماد الكاتب حين جاءت البشارة بخلافة المستضيء وهم بأرض الموصل


            قد أضاء الزمان بالمستضي     وارث البرد وابن عم النبي
            جاء بالحق والشريعة والعد     ل فيا مرحبا بهذا المجي
            فهنيئا لأهل بغداد فازوا     بعد بؤس بكل عيش هني
            ومضي إن كان في الزمن المظ     لم فالعود في الزمان المضي

            التالي السابق


            الخدمات العلمية