ذكر عدة حوادث
في سنة سبع وستين وخمسمائة اتخذ نور الدين بالشام الحمام الهوادي ، وهي التي يقال لها المناسيب ، وهي تطير من البلاد البعيدة إلى أوكارها ، وجعلها في جميع بلاده .
وسبب ذلك أنه لما اتسعت بلاده ، وطالت مملكته ، وعرضت أكنافها ، وتباعدت أوائلها عن أواخرها ، ثم إنها جاورت بلاد الفرنج ، وكانوا ربما نازلوا حصنا من ثغوره ، فإلى أن يصل الخبر ، ويسير إليهم [ يكونون ] قد بلغوا غرضهم منه ، فأمر بالحمام ; ليصل الخبر إليه في يومه ، وأجرى الجرايات على المرتبين لحفظها وإقامتها ، فحصل منها الراحة العظيمة ، والنفع الكبير للمسلمين .
وفيها عزل الخليفة المستضيء بأمر الله وزيره عضد الدين أبا الفرج بن رئيس الرؤساء مكرها لأن قطب الدين قايماز ألزمه بعزله ، فلم يمكنه مخالفته . وفي هذه السنة أسقط الملك صلاح الدين عن أهل مصر المكوس والضرائب ، وقرئ المنشور بذلك على رءوس الأشهاد يوم الجمعة بعد الصلاة ثالث صفر. ومن الحوادث فيها:
أنه في المحرم أعطي أبو منصور ابن المعلم مدرسة السلطان محمود التي كان فيها اليزدي واستناب فيها أبا الفتح ابن الزني وحضر جماعة من الفقهاء فافتتح التدريس بأن قال قالت طائفة من الأصوليين بأن الله ليس بموجود فنفر الحاضرون من هذا وذكر مسألة من الفروع خلافية للشافعي فلم يذكر الشافعي فوصل الخبر إلى الوزير فأحضره وأمر بأن يحضر بوقة السواد وحمار ليشهر عليه [في البلد] وقال: ما وجدت في العلوم إلا هذا؟ فسأل فيه ابن المعلم فأفرج عنه . وفي هذه الأيام: فتح قيماز بابا من داره التي بدار الخليفة إلى السوق مما يلي دكاكين الأساكفة ونصب عليه بابا من حديد فأنكر أبو بكر ابن العطار صاحب المخزن ذلك وحسن للخليفة التقدم بسده فتقدم بذلك .
وفي يوم الجمعة منتصف جمادى الأولى: جعل للشيخ ابن المنى حلقة في الجامع فجلس فيها ولم يبن فيها دكة .
وفي صبيحة الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى: أصبحت الدنيا شديدة البرد وسقط الوفر على الناس نهارا إلى وقت الظهر إلا أنه كان خفيفا .
وفي يوم الأربعاء غرة رمضان: تكلمت في مجلسي بالحلبة فتاب على يدي نحو من مائتي رجل وقطعت شعور مائة وعشرين منهم .
وقدم في هذه الأيام محمد الطوسي الواعظ وفي رأسه حلق مشدودة وطوق وحواليه جماعة بسيوف فمضى إلى الوزير فأنكر عليه ذلك ومنع من حمل السلاح معه .
وفي يوم الأحد عاشر شوال: دخل نجاح الخادم على الوزير ابن رئيس الرؤساء ومعه خط من الخليفة يذكر أنه قد استغنى عنه فأمر بطبق دواته وحل إزاره وقيامه من مسنده ففعل ذلك وقبض على ولده أستاذ الدار وأفرج عن سعد الشرابي وأعيد عليه ما كان أخذ منه .
وفي صبيحة الثلاثاء دار الوزير ودار ولده فأخذ منها الكثير :
وفي ثاني عشر شوال استنيب صاحب المخزن ابن جعفر في الوزارة .
وفي سابع عشر شوال: وقع حريق عظيم في السوق الجديد من درب حديد إلى قريب من عقد الجديد احترقت فيه الدكاكين من الجانبين .
وفيه: فوض إلى ابن المعلم مدارس الحنفية يرتب فيها من يشاء .
وفي سادس عشرين ذي الحجة وصلت رسل ملك البحرين وكيش بهدايا فيها ألواح صندل وآبنوس وطيب وناب فيل . وفيها ولد العزيز والظاهر ابنا صلاح الدين ، والمنصور محمد بن تقي الدين عمر