الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث

            في سنة ثمان وستين وخمسمائة زادت دجلة زيادة كثيرة أشرفت [ بها ] بغداد على الغرق في شعبان ، وسدوا أبواب الدروب ، ووصل الماء إلى قبة أحمد بن حنبل ووصل إلى النظامية ورباط شيخ الشيوخ ، واشتغل الناس بالعمل في القورج ، ثم نقص وكفى الناس شره .

            وفيها وقعت النار ببغداد من درب بهروز إلى باب جامع القصر ، ومن الجانب الآخر من حجر النحاس إلى دار أم الخليفة .

            وفيها أغار بنو حزن من خفاجة على سواد العراق ، وسبب ذلك أن الحماية كانت لهم لسواد العراق ، فلما تمكن يزدن من البلاد وتسلم الحلة أخذها منهم ، وجعلها لبني كعب من خفاجة ، وأغار بنو حزن على السواد ، فسار يزدن في عسكر ومعه الغضبان الخفاجي ، وهو من بني كعب ، لقتال بني حزن ، فبينما هم سائرون ليلا رمى بعض الجند الغضبان بسهم فقتله لفساده ، وكان في السواد ، فلما قتل عاد العسكر إلى بغداد وأعيدت خفارة السواد إلى بني حزن .

            وفيها خرج برجم الإيوائي في جمع من التركمان ، [ في حياة إيلدكز ] ، وتطرق أعمال همذان ، ونهب الدينور ، واستباح الحريم .

            وسمع إيلدكز الخبر وهو بنقجوان ، فسار مجدا فيمن خف معه من عسكره ، فقصده ، فهرب برجم إلى أن قارب بغداد ، وتبعه إيلدكز فظن الخليفة أنها حيلة ليصل إلى بغداد فجأة ، فشرع في جمع العساكر وعمل السور ، فأرسل إلى إيلدكز الخلع والألقاب الكبيرة ، فاعتذر أنه لم يقصد إلا كف فساد هؤلاء ، ولم يتعد قنطرة خانقين وعاد .

            وفيها أرسل نور الدين إلى الملك صلاح الدين ، الموفق خالد بن القيسراني ; ليقيم حساب الديار المصرية ، ولأنه استقل الهدية التي أرسل إليه من خزائن العاضد . ومقصوده أن يقرر على الديار المصرية خراجا يحمل إليه في كل عام . قال العماد الكاتب : وفي هذه السنة وصل الفقيه الإمام الكبير قطب الدين النيسابوري ، وهو فقيه عصره ونسيج وحده ، فسر به نور الدين وأنزله بحلب بمدرسة باب العراق ، ثم أطلعه إلى دمشق فدرس بزاوية الجامع الغربية المعروفة بالشيخ نصر المقدسي ، ونزل بمدرسة الجاروخية ، وشرع نور الدين في إنشاء مدرسة كبيرة للشافعية ، فأدركه الأجل قبل ذلك . قال أبو شامة : هي العادلية الكبيرة التي عمرها بعده الملك العادل أبو بكر بن أيوب .

            وفيها عاد شهاب الدين بن أبي عصرون من بغداد حين سار بالهناء بالخطبة العباسية بالديار المصرية . ومن الحوادث فيها:

            أني عقدت المجلس يوم عاشوراء بجامع المنصور فحضر من الجمع ما حزر بمائة ألف .

            وفي صفر: جرت حادثة عجيبة وهو أن خادما سلم إلى غلام له مائة وخمسين دينارا ومضى إلى الحمام فأخذ الغلام المال وانحدر في الحال إلى النعمانية فلما خرج الخادم لم ير الغلام فأخذ معه غلاما تركيا من أصحاب قيماز وانحدر فوجد الغلام فأخذه وأخذ الغلام وقيده وتركه معه في السفينة ليصعد به إلى بغداد ثم إن الخادم نام فسأل الغلام التركي أن يحل يديه من القيد لما يلقى من الألم فحله التركي وقام فزحف وقتل الخادم وغلاما كان معه فنهض إليه التركي فقتله ثم جاء بالمال فتسلمه أصحاب التركات .

            وفي هذا الشهر: قدمت خرق البحر مع المكيين كما جرت العادة .

            وفي هذه الأيام: زاد الإرجاف بمجيء العسكر من باب همذان فغلت الأسعار وأخذ الخليفة في التجنيد وعمارة السور وجمع الغلات وعرض العسكر .

            وفي هذه الأيام: شرع في ختان السادة وفرقت خلع كثيرة وعمل من المطاعم ما لا يحد فذكر أنه ذبح ثلاثة آلاف دجاجة وألف رأس من الغنم وعملت إحدى وعشرون ألف خشكنانكة من ستين كارة سميذا وشرع في عمارة دواليب على الشط قريبا من التاج فأحكمت .

            وفي ربيع الآخر: درس ابن فضلان في المدرسة التي عملها فخر الدولة ابن المطلب عند عقد المأمونية وبنيت له دكة في جامع القصر .

            وفي جمادى الأولى: جاء برد لم يسمع بمثله وكان في كانون الأول حتى جمدت مياه الآبار واستمر ذلك إلى نصف كانون الثاني .

            ومن الحوادث: أن بعض الأمراء سأل الخليفة أن يأذن لأبي الخير القزويني في الوعظ بباب بدر ليسمعه أمير المؤمنين وأراد أن يخص بهذا دون غيره فتكلم هناك يوم الخميس غرة رجب .

            فلما كان يوم الثلاثاء سادس عشرين رجب تقدم لي بالجلوس هناك وأعطيت مالا وأخذ الناس أماكن من وقت الضحى للمجلس بعد العصر وكانت ثم دكاك فاكتريت حتى إن الرجل كان يكتري موضع نفسه بقيراطين وثلاثة وكنت أتكلم أسبوعا والقزويني أسبوعا إلى آخر رمضان وجمعي عظيم وعنده عدد يسير ثم شاع أن أمير المؤمنين لا يحضر إلا مجلسي .

            ووقع الحريق من باب درب بهروز إلى باب جامع القصر ومن الجانب الآخر من حجرة النخاس إلى دار الخليفة وتغير ماء دجلة باصفرار وثخن الماء فبقي على هذا مدة .

            وفي شعبان: مرت ريح سوداء أظلمت الدنيا فتقدم إلي بالجلوس بباب بدر يوم عرفة فحضر الناس من وقت الضحى وكان الحر شديدا والناس صيام .

            وكان من أعجب ما جرى أن حمالا حمل على رأسه دار نوبة من قبل الظهر إلى وقت العصر ظلل بها من الشمس عشرة أنفس فأعطوه خمسة قراريط واشتريت مراوح كثيرة بضعفي ثمنها وصاح رجل يومئذ قد سرق الآن مني مائة دينار في هذه الزحمة فوقع له أمير المؤمنين بمائة دينار .

            وفي ذي الحجة: عزل نقيب النقباء ابن الأبقى وولي مكانه ابن الزوال . وفيها أرسل نور الدين محمود بن زنكي رسولا إلى الخليفة ، وكان الرسول القاضي كمال الدين أبا الفضل محمد بن عبد الله الشهرزوري ، قاضي بلاده جميعها مع الوقوف والديوان ، وحمله رسالة مضمونها الخدمة للديوان ، وما هو عليه من جهاد الكفار ، وفتح بلادهم ، ويطلب تقليدا بما بيده من البلاد ، مصر والشام والجزيرة والموصل ، وبما في طاعته كديار بكر وما يجاور ذلك كخلاط وبلاد قلج أرسلان ، وأن يعطى من الإقطاع بسواد العراق ما كان لأبيه زنكي وهو : صريفين ودرب هارون ، والتمس أرضا على شاطئ دجلة يبنيها مدرسة للشافعية ، ويوقف عليها صريفين ودرب هارون ، فأكرم كمال الدين إكراما لم يكرم به رسول قبله ، وأجيب إلى ما التمسه ، فمات نور الدين قبل الشروع في بناء المدرسة - رحمه الله - .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية